لقد كانت مصر منذ عرفت نفسها، سيدة التاريخ، ومهد الحضارة، ومبتدأ الخلود.. فمن قاعة التاريخ خرجت مصر، ومن منصة الحضارة تحدثت، وما من يوم إلا ويحمل فى طياته عبقاً من ماضيها العظيم، ولكن يوم السبت القادم ليس ككل الأيام، بل هو يوم تتكلم فيه الآثار، يوم تنطق فيه الأحجار، وتنبعث فيه الأرواح العظيمة التى صنعت المجد منذ آلاف السنين. تفصلنا ساعات على حدث جلل، لا تصنعه إلا الدول الكبرى، ولا تتحمله إلا أمم تجيد مخاطبة الزمن بلغة العظمة.. بعد غد تفتح مصر أبواب المتحف المصرى الكبير فى احتفالية ليست مجرد مناسبة، بل شهادة ميلاد جديدة لحضارة لم تمت، بل اختارت أن تنتظر لحظتها المناسبة لتُبهر، وتُدهش، وتُعلم.. لحظة نادرة تقف فيها الإنسانية كلها أمام شرفة التاريخ، تتأمل جلال الماضى، وتوقر عظمة الحاضر، وتنتظر وعد المستقبل. لقد أعدت مصر لهذا اليوم كما تعد العروس لليلة عرسها، لم يكن إعداداً مادياً فحسب، بل كان إعدادًا روحياً وفكرياً ووطنياً.. فالمتحف ليس مخزنًا للآثار، بل معبد للفكر، وصرح للهوية، ومرآة ترى فيها الإنسانية صورتها الأولى. سيأتى الزعماء والملوك والرؤساء، لا ليبدوا إعجابهم فقط، بل ليقفوا وقفة إجلال أمام حضارة هى الأقدم، والأبقى، والأقدر على أن تعيد تعريف الإنسان لذاته.. سيحضرون لا ليروا التماثيل، بل ليشهدوا كيف تحتفظ أمة بروحها عبر آلاف السنين.. فمصر لا تعرض حجارة منحوتة، بل تعرض فلسفة عمرها آلاف السنين، وعقلاً عرف البناء قبل أن تعرف الشعوب معناه، ونفساً آمنت بالخلود يوم كانت الدنيا لا تعرف إلا الفناء. الافتتاح سيكون عنواناً لرسالة مصر إلى العالم «لسنا فقط أصحاب ماض عظيم، بل نحن بناة الحاضر، وصانعو الغد» سيكون حديثاً بين الأجيال، حيث يقف الفرعون شامخا ليحدث العالم من جديد «هأنذا.. لم أمتْ، بل كنت نائمًا فى ركن من أركان الزمن، وهأنذا أعود». مصر ستبهر العالم، لا لتتباهى، بل لتعلمه.. ستقول له «هذا ما كنا، فانظر ماذا يمكن أن تكون». ما آراه فى هذا الافتتاح العظيم صورة من صور البعث الحقيقى، فقد تعثرت مصر كثيراً، وتكالبت عليها الأقدار، ولكن ها هى تنهض.. لا بسلاح بل بثقافة، لا بصخب، بل بحكمة، لا بتجارة بل برسالة. ذلك هو المتحف.. وتلك هى مصر.