يقف المتحف المصري الكبير، المطل على أهرامات الجيزة، كأحد أعظم المشاريع الحضارية في القرن الحادي والعشرين، ليس فقط بوصفه صرحًا أثريًا يضم أكثر من 100 ألف قطعة، بل بوصفه مشروع هوية وطنية وإنسانية. لكن الإنجاز الأكبر لا يكتمل بالبناء وحده؛ بل بكيفية نقله إلى وجدان الناس. وهنا يأتي دور "السينما"، الفن القادر على تحويل الأثر إلى قصة، والحجر إلى حياة، والماضي إلى ذاكرة متجددة. المتحف كموقع سردي مهيأ للكاميرا المتحف المصري الكبير لا يُقدم للعالم كقاعات عرض تقليدية، بل كحكاية معمارية تحكي عن مصر القديمة بلغة معاصرة. واجهته الزجاجية التي تفتح ذراعيها نحو الأهرامات تصلح أن تكون كادرًا سينمائيًا فريدًا، يعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والتاريخ. من منظور بصري، كل زاوية في المتحف قادرة على أن تُروى بالصورة من بوابة الملك رمسيس الثاني في المدخل، إلى الممرات التي تقود نحو كنوز توت عنخ آمون. تحويل هذه العناصر إلى مادة سينمائية لا يهدف إلى التوثيق فقط، بل إلى بناء خطاب بصري جديد يجعل من مصر القديمة لغة عالمية معاصرة. السينما كأداة دبلوماسية ثقافية في زمن الصورة، لا يكفي أن يُفتتح المتحف أمام الزوار، بل يجب أن يُفتتح على الشاشات أيضًا. السينما قادرة على أن تكون الوسيط الذي يحمل المتحف إلى ملايين البشر ممن قد لا يزورونه يومًا. يمكن إنتاج أفلام وثائقية عالية الجودة تُعرض في مهرجانات دولية، تبرز فيها عبقرية التصميم المصري الحديث جنبًا إلى جنب مع عظمة التراث القديم. كما يمكن دعم الدراما التاريخية والخيال العلمي التي تدور حول الحضارة المصرية، وتُصور في المتحف نفسه، بما يعيد إلى الأذهان كيف ساهمت هوليوود سابقًا في ترسيخ صورة الأهرامات عالميًا. بهذا المعنى، يصبح المتحف أداة للسياسة الثقافية، تسهم في بناء القوة الناعمة لمصر، وتربط الفن بالتنمية. "دروس من العالم: كيف روجت المتاحف الكبرى لنفسها عبر السينما؟" عندما نبحث عن أمثلة ناجحة، نجد أن العالم أدرك مبكرًا قوة الصورة السينمائية في تحويل المتاحف إلى رموز عالمية: ν متحف اللوفر – باريس ظهر اللوفر في عشرات الأفلام العالمية، أبرزها "The Da Vinci Code" (2006)، الذي جعل ملايين المشاهدين يربطون بين المتحف وأسرار الفن والتاريخ، بعد عرض الفيلم، ارتفعت زيارات اللوفر بنسبة تجاوزت 30% في عام واحد. السينما هنا لم تروج لمكان فحسب، بل حولت اللوفر إلى "بطل درامي" قائم بذاته. ν المتحف البريطاني – لندن استخدمه مخرجون كخلفية للأفلام الوثائقية والتاريخية، مثل "Night at the Museum: Secret of the Tomb" (2014)، الذي قدّم المتحف في قالب مغامرات خيالي، جعل الأطفال والعائلات يتطلعون إلى زيارته. هكذا أصبحت الصورة السينمائية وسيلة تعليمية وترفيهية في آن. ν متحف المتروبوليتان للفنون – نيويورك ارتبط المتحف بأفلام الموضة والثقافة المعاصرة مثل "Ocean's 8" (2018)، حيث استُخدم حفل ال "Met Gala"كخلفية درامية تجمع بين الفن، الأزياء، والدراما. هذا النموذج يوضّح كيف يمكن للمؤسسات الثقافية أن تفتح أبوابها للسينما لتصل إلى جماهير جديدة. ν متحف الإرميتاج – سان بطرسبرغ قدم المخرج الروسي ألكسندر سوكوروف فيلمه الفريد "Russian Ark" (2002)، المصوّر في لقطة واحدة داخل المتحف، ليجعل من المكان سردًا للتاريخ الروسي عبر القرون. هذا العمل أكد أن السينما ليست زائرًا للمتحف، بل شريكًا له في صناعة الذاكرة. تلك التجارب العالمية تبرهن أن السينما يمكن أن تكون اللغة الدبلوماسية الجديدة للمتاحف — لغة تتجاوز الجغرافيا واللغة إلى الحس الإنساني المشترك. من الرؤية إلى الفعل: كيف ندعم الإنجاز بالسينما؟ الدعم لا يكون بالشعارات، بل بخطط واضحة، منها: إنشاء وحدة إنتاج سينمائي داخل المتحف، تُنسق مع المخرجين وشركات الإنتاج لتسهيل التصوير وتقديم المعلومات الأثرية الدقيقة. إطلاق مهرجان سنوي للفيلم الأثري والبيئي يُقام داخل المتحف، يستضيف أفلامًا من العالم عن التراث والهوية والذاكرة. تعاون بين وزارة الثقافة ووزارة السياحة وهيئة تنمية صناعة السينما لإنتاج أفلام قصيرة تُعرض على المنصات الرقمية العالمية (Netflix, Disney+, Arte). تشجيع صناع الأفلام الشباب على استخدام المتحف كموقع إلهام، سواء في أفلام وثائقية أو تجريبية أو روائية قصيرة. بهذه الخطوات، يتحول المتحف من مكان للحفظ إلى مكان للإبداع. دعوة للخيال الوطني المتحف المصري الكبير ليس مشروع وزارة أو دولة فقط، بل مشروع وعي جماعي. وعندما نتحدث عن دعم إنجازه بالسينما، فنحن لا نقصد الترويج السياحي الضيق، بل بناء خيال وطني جديد يرى في التراث طاقة للمستقبل. فكما كانت السينما المصرية في الخمسينيات مرآة لهوية الأمة، يمكن أن تكون اليوم جسرًا نحو العالم، تروي من خلال المتحف قصة مصر التي لا تنتهي. الصورة التي لا تُنسى حين تنطفئ الأنوار في قاعة العرض، وتظهر على الشاشة صورة الملك رمسيس الثاني مضاءة بضوء الفجر خلف زجاج المتحف المصري الكبير، سيشعر المشاهد في طوكيو أو نيويورك أن هذا المكان لا يخص المصريين وحدهم، بل الإنسانية جمعاء. تلك هي قوة السينما: أن تجعل الأثر حيًا، والماضي حاضرًا، والحكاية خالدة. والسؤال في النهاية: "كيف يمكن لمصر إطلاق حملة سينمائية دولية حول المتحف؟". لتحويل الرؤية إلى مبادرة قابلة للتنفيذ، يمكن إطلاق برنامج متكامل كمشروع وطني دولي يُعنى بتوظيف السينما والإعلام البصري في الترويج للمتحف المصري الكبير بوصفه أيقونة ثقافية عالمية يهدف إلى : ترسيخ صورة المتحف كأحد أكبر المؤسسات الثقافية في العالم من خلال أعمال سينمائية وبصرية عالية الجودة. تعزيز الدبلوماسية الثقافية عبر التعاون مع منتجين ومهرجانات عالمية لعرض المتحف كرمز للهوية المصرية المعاصرة. تحفيز الصناعات الإبداعية المحلية في مجالات الفيلم الوثائقي، الإعلان، الواقع الافتراضي، وتصميم المحتوى الثقافي. تحويل المتحف إلى منصة تعليمية وسينمائية تدمج بين الفن، التاريخ، والتكنولوجيا. إنتاج مجموعة من الأفلام القصيرة (3-7 دقائق) تروي قصصًا إنسانية وراء القطع الأثرية الحرفيين، علماء الآثار، المعماريين، والزوار من أنحاء العالم. تُعرض هذه الأفلام على شاشات المتحف، وفي المهرجانات والمنصات الرقمية. شراكات إنتاج سينمائي دولية عبر توقيع بروتوكولات تعاون مع شركات إنتاج عالمية "Netflix، National Geographic، BBC Studios" لتصوير وثائقيات أو مشاهد داخل المتحف. تخصيص منطقة تصوير داخلية مجهزة تقنيًا لتسهيل تصوير الأفلام التاريخية والخيالية. إطلاق مهرجان سنوي يُقام في باحات المتحف، يُعرض خلاله أفضل الأفلام التي تتناول التاريخ الإنساني، التراث، والهوية. يتضمن المهرجان حلقات نقاش حول "السينما كذاكرة"، ومعارض صور، وبرامج تدريبية للشباب. تدشين حملة دولية على وسائل التواصل الاجتماعي، تدمج بين اللقطات السينمائية من المتحف وتجارب الزوار، بإستخدام الواقع المعزز (AR) والفيديوهات القصيرة. الهدف: جعل المتحف "قصة قابلة للمشاهدة والمشاركة". إنشاء وحدة داخل المتحف تستقبل صُنّاع أفلام شباب من مصر والعالم في برامج إقامة قصيرة لإنتاج أفلام مستوحاة من الحضارة المصرية، بدعم من وزارة الثقافة وهيئة تنمية صناعة السينما. النتائج المتوقعة مضاعفة الوعي العالمي بالمتحف كرمز للحداثة الثقافية المصرية. دمج المتحف في الخريطة السينمائية الدولية كموقع تصوير معتمد. تنمية السياحة الثقافية القائمة على الصورة والخيال البصري. خلق جيل جديد من المبدعين يجمع بين الفن والهوية. بهذه المبادرة، لا يظلّ المتحف المصري الكبير مجرد صرح أثري، بل يصبح مشروعًا إعلاميًا وفنيًا مفتوحًا على العالم. ويمكن لمصر أن تؤكد للعالم أن الحضارة ليست ماضٍ يُعرض فيvitrines" " زجاجية، بل حكاية تُروى بالصوت والصورة، وتُعاد كتابتها كل يوم بالفن والخيال.