في مشهد يليق بعظمة التاريخ المصري، تستعد مصر لافتتاح المتحف المصري الكبير، أكبر صرح أثري وثقافي في العالم مخصص لحضارة واحدة، ليكون بمثابة هدية مصر للعالم ورسالة خالدة تُجسّد عبقرية المصري القديم في الإبداع والبناء. ويؤكد خبراء الآثار أن الاستعدادات الجارية ليست مجرد تجهيزات مادية، بل هي لوحة فنية متكاملة تعبّر عن جمال مصر الحديثة وهي تفتح ذراعيها لاستقبال الإنسانية من جديد على أرض الحضارة. من جانبه، أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، أن مصر تحولت في الفترة الأخيرة إلى معرض فني مفتوح استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير، مشيرًا إلى أن ما تشهده الدولة من تجهيزات هو تجسيد حقيقي لعظمة المصري حين يبدع ويبتكر. وأوضح الدكتور ريحان أن هناك تنسيقًا كاملًا بين وزارة الخارجية والجهات الوطنية المعنية لاستقبال القادة وكبار المسؤولين من مختلف دول العالم المشاركين في هذا الحدث التاريخي، كما وجّه وزير الخارجية البعثات المصرية في الخارج بتكثيف جهودها للترويج للمتحف والتأكيد على الدور الريادي لمصر في حفظ التراث الإنساني. ◄ دعوات فنية بتصميم استثنائي وأشار ريحان إلى أن الدعوات الرسمية لحضور حفل الافتتاح صُممت على هيئة صندوق فاخر باللون الأزرق المصري العميق، يزدان بنقوش ذهبية وفضية مستوحاة من الزخارف الملكية القديمة. وعند فتح الصندوق، يجد المدعو مجسمًا مصغرًا للمتحف المصري الكبير بتفاصيله الدقيقة، إلى جانب لفافة من ورق البردي كُتب عليها نص الدعوة بأسلوب فني راقٍ يعكس عبق التاريخ وأناقة الحاضر. ◄ التحضيرات الخارجية: لوحة فنية على أرض الجيزة وأضاف ريحان أن محافظة الجيزة أبدعت في تحويل محيط المتحف إلى لوحة فنية منسقة بصريًا، حيث تمت زراعة 4000 شجرة و2200 نخلة، وإنشاء 92 ألف متر مربع من المسطحات الخضراء، إضافة إلى 800 بانر تحمل صور ملوك مصر القديمة. كما أُضيئت الطرق المؤدية للمتحف بطريقة هندسية فنية تضفي لمسة من السحر والجمال. اقرأ أيضا| عالم آثار: افتتاح المتحف الكبير حدث القرن على المستويين الثقافي والحضاري ولم تقتصر الجهود على ذلك، بل جرى تصميم لوحات معدنية مضيئة تضم 750 شخصية تاريخية وفنية وسياسية كان لها دور في مسيرة مصر، إلى جانب تمثال ضخم يجمع بين الطابع المصري القديم والفن الحديث بطول يتجاوز 30 مترًا على طريق مصر–الإسكندرية الصحراوي المؤدي إلى مطار سفنكس الدولي. ◄ الاحتفال في كل المحافظات خصصت محافظة الجيزة شاشات عرض كبرى في الميادين والشوارع لبث فعاليات حفل الافتتاح، فيما أعلنت الحكومة يوم الافتتاح إجازة رسمية ليتمكن أكثر من 100 مليون مصري من متابعة الحدث. كما أطلقت محافظة القاهرة حملة دعائية واسعة تضمنت تزيين 100 أتوبيس عام بلوحات تبرز تاريخ مصر، وتركيب إعلانات مضيئة على الطريق الدائري. ◄ احتفالية عالمية تبهر العالم من المقرر أن تستمر فعاليات الافتتاح ثلاثة أيام متتالية، تبدأ في الساعة السابعة والنصف مساء السبت 1 نوفمبر، ويُبث الحفل مباشرة عبر منصة "تيك توك" أمام أكثر من 1.5 مليار مستخدم حول العالم. وسيُقود المايسترو العالمي ناير ناجي أوركسترا ضخمة تضم أكثر من 120 موسيقيًا من 70 جنسية، في عرض موسيقي يعد الأضخم في تاريخ مصر. وأشار المركز الإعلامي لمجلس الوزراء إلى أن المتحف حصد 8 شهادات ISO في مجالات متعددة، ونال شهادة EDGE Advance كأول متحف أخضر في إفريقيا والشرق الأوسط، وجائزة فرساي كأحد أجمل المتاحف في العالم لعام 2024، وجائزة FIDIC كأفضل مشروع هندسي عالمي. ◄ تجربة تفاعلية غير مسبوقة يستقبل المتحف زائريه ابتداءً من 4 نوفمبر يوميًا من التاسعة صباحًا حتى السادسة مساءً، مع فترات مسائية أيام السبت والأربعاء. ويضم المتحف 57 ألف قطعة أثرية موزعة على 5 قاعات عرض دائمة، منها قاعتان مخصصتان لمجموعة توت عنخ آمون التي تضم 5537 قطعة تعرض لأول مرة بالكامل، من بينها قناع الملك الذهبي وعرش الفرعون. كما يتيح المتحف لزواره التفاعل عبر تقنيات الواقع المعزز والهولوغرام ورموز QR لمعرفة تاريخ كل قطعة، إضافة إلى قاعات الواقع الافتراضي (VR) التي تقدم تجربة فريدة لمحاكاة التاريخ المصري القديم. ويستقبل الزوار تمثال رمسيس الثاني ومسلة ضخمة معلقة جُلبت من صان الحجر، ويقودهم "الدرج العظيم" الممتد بطول 64 مترًا وارتفاع 25 مترًا والذي يعرض أكثر من 72 تمثالًا في تسلسل تاريخي مهيب، وصولًا إلى الجدار الزجاجي العملاق المطل على الأهرامات الثلاثة. بهذا الافتتاح التاريخي، لا تقدّم مصر متحفًا فحسب، بل تقدم للعالم رحلة بصرية وروحية عبر خمسة آلاف عام من الحضارة، لتؤكد أن الإبداع المصري لا يزال نابضًا بالحياة، وأن المتحف المصري الكبير سيبقى شاهدًا خالدًا على أن مصر مهد الحضارة ما زالت تنير طريق الإنسانية نحو المستقبل.