- محمد عبد الباسط حروب: قسوة الأسر كانت مضاعفة عشرات المرات بعد 7 أكتوبر - الاحتلال كان يخصص حبتين من الدواء فقط أسبوعيًا لكل غرفة يقبع بداخلها من 8 إلى 11 أسيرًا - لم نشعر بالسعادة الكاملة إلا عندما ركبنا الحافلات المصرية وأيقنا وقتها أن المعانة انتهت - لن أنسى محاضرة مروان البرغوثي الأخيرة عن مصر وجغرافيتها السياسية - المقاومة ستبقى حتى دحر الاحتلال.. وحركة حماس لا تقوم على أشخاص ولكنها «فكرة لا تموت» الأسير محمد عبد الباسط حروب اسمٌ من بين أسماء الأسرى الذين أدرجوا ضمن قوائم المفرج عنهم في صفقة تبادل الأسرى، التي كانت العنصر الأهم في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لينال حريته بسلاح المقاومة بعد عقد من الزمن أمضاه في سجون الاحتلال الإسرائيلي. عشر سنوات داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي كانت كافية ليكون الأسير محمد حروب شاهدًا على بطش الاحتلال وسجانيه وموثقًا لجرائم ارتُكبت ولا تزال تُرتكب بعيدًا عن مرمى الأبصار وآذان الأحياء. وبعد طول انتظار لسنوات، نال الأسير المحرر محمد حروب، عضو حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، أخيرًا ما تمنى بالخروج من ظلمات سجون الاحتلال، وقد أجرينا حديثًا معه يسرد لنا تفاصيل ما دار معه ومع أقرانه في سجون الاحتلال ولحظات الإفراج التي عاشها والتي أنهت العذاب والمعاناة. - في البداية.. احكي لنا تفاصيل الإفراج عنك.. وفي أي سجون الاحتلال كنت تتواجد؟ أنا الأسير المحرر محمد عبد الباسط حروب من الخليل، حُكم عليَّ بالسجن المؤبد 4 مرات، واعتُقلت بتاريخ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، ما يعني أن أمضيت ما يقرب من 10 سنين تنقلت خلالها ما بين السجون حتى تم تحريرنا بتاريخ 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2025. يعني إذا ما تحدتنا عن الأسر فهو من أقسى أنواع العقوبات وخصوصًا عندما لا يكون لك تاريخ إفراج، وهذا فقط عن من تجسدت في نفوسهم النازية حيث أن مثل هذا الحكم لا يوجد في العالم إلا عندهم. السجن بشكل عام صعب ولكن السنتين الماضيتين ومن بداية الحرب النازية على أهلنا في غزة كانت قسوة الأسر مضاعفة عشرات الأضعاف حيث الجوع والخوف والحرمان والتوتر الذي لا يفارق الأسرى. - كيف كانت الأوضاع داخل سجون الاحتلال في تلك الفترة؟ يعني إذا تحدثنا عن الطعام.. الإنسان يأكل ليشبع ولكن نحن نأكل ونحن جوعى وننهي الأكل ونحن جوعى وهذا حال من بقي خلفنا من إخواننا الأسرى كان الله في عونهم وفرج كربهم. أما إذا ما تحدثنا عن الحرمان فأنت مقطوع وبشكل كامل عن العالم الخارجي، ويتم تهديد المحامي من أن ينقل أي أخبار للأسرى، والأخبار تكون عن أهلك فقط أنهم بخير. بالنسبة للمحامي في كثير من الأحيان يتم إرجاعه بحجج كاذبة مثل أن هناك تدريبًا في السجن أو أن الأسير مصاب بمرض معدٍ وهو محجور ومعزول لذلك السبب. وعندما نتحدث عن المرض فمن الضروري أن نذكر مسألة العلاج التي لا نعرف منها غير حبة "أكامول" لأوجاع الرأس، وفي كل أسبوع حصة كل غرفة يقبع في داخلها من 8 إلى 11 أسيرًا حبتين فقط. مرض الاسكابيوس "الجرب" متفشٍ وبشكل كبير بين الأسرى، وهناك أسرى استشهدوا في السجون بسبب الإهمال الطبي. - بالنسبة للمعتقلين من غزة.. كيف كانت معاملتهم داخل سجون الاحتلال في مرحلة ما بعد 7 أكتوبر تحديدًا؟ طبعًا أسلوب العنف والضرب معاملة أسرى غزة مختلفة وتكون مضاعفة، ومن بين الفصائل أسير حماس معاملته مختلفة، والتعامل مع الجميع بشكل عام سيء ولكن بدرجات متفاوتة، وأسرى غزة كانوا الأصعب وإخواننا أسرى النخبة وضعهم أسوأ. وأسرى العزل كذلك وضعهم صعب، وأنا تم عزلي بتاريخ 25 مايو (أيار) 2025، وتم الإفراج عني من عزل سجن مجدو.. طبعا ظروف أسرى العزل صعبة جدًا ومن جميع النواحي. يعني بالأقسام ممكن الأسرى "يقدروا يجيبوا خبر بالسرقة" عن طريق المحامي، ولكن في العزل الوضع مختلف.. العزل غرفة 3×4 أمتار بها أسيران وحمام والطلعة على "الفورة" (الساحة) يكون حسب مزاج السجان، والتعامل قاسٍ فممكن السجان ينهال عليك بالضرب حسب مزاجه.. والسجان عندهم (إدارة سجون الاحتلال) أصدق من الأسير ومن الكاميرات. اقرأ أيضًا: حوار| الأسير المحرر نعيم مصران: 7 أكتوبر كشفت حقيقة الاحتلال.. وعشنا حربًا في سجونه مثل غزة - بصفتك عضوًا في حركة حماس.. كيف كان يتم التعامل مع أسرى حماس على وجه التحديد بعد 7 أكتوبر؟ يعني من أول يوم في الحرب وحتى تاريخ تحريرنا بعد سنتين وتيرة التعامل وهي في تزايد، فهم لم يثبتوا على نوع معين من العقاب.. في كل أسبوع كان هناك أسلوب جديد. الحصة الأكبر من العقاب كانت لأسرى النخبة، والدرجة الثانية لأسرى غزة بشكل عام، والدرجة الثالثة أسرى حماس. ومن أساليب العقاب كان في البداية يبقيك مكبل اليدين للوراء لمدة لا تقل عن 4 ساعات، بعدها يستخدمون الكلاب ومسدسات الكهرباء وسلاح يطلق طلقات معدنية مغلفة بالمطاط. أضف لذلك أن قنابل الصوت يتم ضربها داخل الغرفة، وفي جميع الأوقات يعني ممكن على الساعة 12 أو 1 بالليل، وغير الضرب بالهراوات منها الحديدية ومنها نوع آخر والغاز المسيل للدموع منها بودرة ونوع آخر غاز. - اسرد لنا تفاصيل الساعات الأخيرة لك في سجون الاحتلال.. وكيف تم الإفراج عنك؟ يوم الجمعة 10 أكتوبر (تشرين الأول) بعد صلاة الظهر، ونحن لا نعلم أنه يوجد صفقة، وأن الحرب انتهت، وكما أسلفت لا يوجد لدينا أخبار من شهرين تقريبًا، حيث لم يأتِنا محامٍ بحجة الأعياد عندهم. يوم الجمعة بعد صلاة الظهر تم إخراج الأسير مروان البرغوثي لا نعلم في البداية إلى أين.. بعد 10 دقائق عاد وقال إن الشرطة أخذوا منه بصمات وDNA وهذا الشيء لا يحدث لأنه عندهم عيد.. استبشرنا خيرًا.. بعد ذلك السجان عندما شاهد الأسرى يتحدثون مع بعضهم عن طريق شباك الحمام "بهدلهم بالحكي" وذهب.. عاد سجان آخر وفتح الأقفال عن الابواب وفتح الأقفال يعني أن هناك ضربًا لجميع الأسرى.. جلسنا ندعي ربنا أن يُذهب عنا أذاهم. بعد دقيقتين دخلت القوات وبشكل سريع أخرجونا.. نحن في عزل مجدو 16 أسيرًا.. كل أسيرين مع بعض.. أخرجوا فقط خمسة وبقي 11 أسيرًا.. لا نعلم إلى أين نحن ذاهبون وماذا ينتظرنا. جعلونا نوقع على أوراق.. واحد من الإخوة قال إن هذه أوراق يوقع عليها فقط الأسير الذي ينهي محكوميته ويطلق سراحه.. بعد 4 ساعات في "البوسطة" جاءت حافلة لنقل الأسرى.. إذا نحن في سجن النقب وهكذا أيقنا أن هناك صفقة ونحن من ضمن المحررين. قضينا ثلاث أيام في سجن النقب ممزوجة بالفرح لأن المعاناة ستنتهي وبنفس الوقت ممزوجة بالخوف والتوتر من أن يؤذوننا. من يتم إبعاده يوضع في سجن النقب ومن يعود للضفة يوضع في سجن عوفر وأسرى غزة لوحدهم في سجن عسقلان، ولم نشعر بالسعادة الكاملة إلا عندما ركبنا الباصات المصرية، وهنا أيقنا أن المعانة انتهت. - إذًا أنت كنت مع الأسير مروان البرغوثي في الفترة الأخيرة قبل الإفراج عنك.. أليس كذلك؟ نعم.. كنت في زنزانة 3 وهو بزنزانة رقم 5 في عزل سجن مجدو، وفي شهر يوليو (تموز) كنا معًا في عزل سجن قنوت. وحتى هذه الحظة الأسير مروان البرغوثي ما زال في عزل سجن مجدو. - ما تفاصيل آخر حديث دار بينك وبين الأسير مروان البرغوثي؟ الأخ مروان البرغوثي أخ مناضل وأهل للصبر والثبات دائما كنا نتحدث سويًا، وكان همه الكبير إعادة بناء البيت الفلسطيني والوحدة الوطنية وإغاثة غزة بكل ما أوتينا من قوة. مروان البرغوثي رجل معطاء في أحلك الظروف وأشدها ألمًا وقساوة.. كان لا يتوانى عن الوقوف في شباك الحمام بالساعات لإعطائنا محاضرات سياسية، ولا أنسى محاضرته الأخيرة، والتي كانت عن مصر وجغرافيتها السياسية. وغيره كذلك من الإخوة مثل عباس السيد، الذي كان يعطينا محاضرات اقتصادية ولغة إنجليزية، والأخ أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية، ومحاضرات العلوم السياسية. - بعد الإفراج عنك.. هل عدت إلى منزلك في مسقط رأسك بالخليل أم تم إبعادك إلى مكان آخر؟ أنا الآن في مصر حيث تم إبعادي.. لم نشعر بالغربة أو بمسألة إننا مبعدون.. على العكس فالشعب المصري الشقيق جعلنا نشعرو أننا بين أهلنا وأحبابنا، كانوا وما زالوا لنا أهلٌ، ولم يقصروا معنا. - احكي لنا عن ما هي أصعب لحظة عشتها في سجون الاحتلال منذ اعتقالك قبل 10 سنوات وحتى الإفراج عنك؟ يعني بشكل عام كلهم كانوا صعابًا، ولكن سنتين الحرب حملت في طياتها الكثير من اللحظات الصعبة، وأسلفت لكم عن آلامها وقسوتها. ومن أصعب اللحظات أنك تكون عارف أنهم "بدهم يفوتوا يضربوك ولكن لا تعرف متى وتبقى متوتر وعلى أعصابك لدرجة أنك تحكي حدا يحكيلهم ييجوا يضربوا ويخلصونا". اللحظات الصعبة أن ترى أخاك يضرب ويهان وانت لا تستطيع أن تساعده.. أن ترى أخاك يعاني من الأوجاع والأمراض حيث أنه لا ينام الليل ولا النهار من الأوجاع ولا تستطيع أن تساعده.. اللحظات الصعبة كثيرة.. ولكن بالسنتين الأخيرتين لو تحدثنا حتى الصباح لا انتهينا من الحديث. الشيء الذي كان يواسينا ويصبرنا على هذا الحال أن مقاومتنا صامدة وبيدهم يمكنهم تحريرنا وأننا في أي لحظة سيتم كسر قيدنا. - كيف تنظر الآن لمستقبل حركة حماس ومستقبل فصائل المقاومة ككل في مرحلة ما بعد الحرب؟ المقاومة ما زالت وستبقى ولن تنتهي حتى يتم دحر الاحتلال عن أرضنا.. لا شك أن القدرات ضعفت ولكن حركة حماس لا تقوم على شخص هي فكرة والفكرة لا تموت. خضنا الكثير من الحروب وبفضل الله بعد كل معركة نعود أقوى وأوعى من سابقتها، وأعتقد أن فكرة المقاومة ستكون عنوان المرحلة المقبلة وهي الخيار الأوحد لدحر المحتل.. وما هي إلا استراحة مقاتل وبحول الله وعونه المستقبل هو زوال المحتل. وكما قالها أحد المجاهدين إما نحن وإما نحن.. لا خيار ثالث. - كيف ترى الدور المصري الذي لعبته القاهرة في التوصل لاتفاق إنهاء الحرب والإفراج عن الأسرى إلى جانب دورها خلال سنتين من الحرب على قطاع غزة؟ نحن لا ننكر الدور الذي لعبه الأشقاء بدعمهم لنا ووقوفهم بجانب الشعب الفلسطيني واحتضانهم لنا كأسرى محررين وما قدموه من خدمات وتضامن مع شعبنا في غزة. - ما هي الرسالة الأخيرة التي تودّ أن تقولها في ختام حديثنا معك؟ الشكر وكل الشكر أولًا وأخيرًا لأهل التضحيات والصمود أهل الآباء والفداء من دفعوا أرواحهم وودفعوا الغالي والنفيس في سبيل تحرير الأسرى. أهل غزة الكرام.. جزاكم الله خيرًا.. دماء الشهداء وما قدمتموه هو أمانة في أعناقنا نسأل الله أن نكون عند حسن ظنكم وعلى قدر المسؤلية ونكون سندًا لكم أنتم تيجان على رؤوسنا وعلى رؤوس الأمة العربية والإسلامية جمعاء ونحن نعاهد الله ثم نعاهدكم أن نسير على ذات الدرب لا نبدل ولا نستكين حتى النصر و التحرير. مقاومتنا وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام منا ألف سلام وجزاكم الله خيرًا.. رحم الله الشهداء والشفاء للجرحى.. وغزة بحول الله وعونه سنبنيها بهمة أهلها والكرام الشرفاء من أمتنا.