تتقدم مصر والاتحاد الأوروبى صدارة المشهد الإقليمى كقوة دافعة لإعادة صياغة علاقات التعاون بين ضفتى البحر الأبيض المتوسط، عبر ميثاق جديد يجمع بين الرؤية المصرية المتوازنة والدعم الأوروبى المؤسسى، ويعكس هذا التلاقى إدراكا متزايدا بأن أمن واستقرار وتنمية ضفتى المتوسط لم تعد مسئولية طرف واحد، بل التزاما مشتركا يقوم على التنمية المستدامة والتكامل الاقتصادى والشراكة السياسية. وفى هذا الإطار، يشهد التعاون بين دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط مرحلة جديدة من التطور، تتجاوز الحدود الجغرافية للمنطقة لتشمل شراكات تمتد إلى دول الخليج وإفريقيا جنوب الصحراء والبلقان الغربية وتركيا، ويستند هذا التوجه إلى «ميثاق المتوسط» الذى يقوم على مبادئ الملكية المشتركة والإبداع والمسئولية الجماعية، ويهدف إلى تحقيق منافع متبادلة بين الشركاء فى مجالات الطاقة النظيفة والاستثمار الخاص وتمكين الشباب والنساء ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. اقرأ أيضًا | مرحلة جديدة من التعاون فى كل المجالات الاقتصادية ويرتكز الميثاق على ثلاثة محاور رئيسية، أولها الإنسان كمحرك أساسى للتغيير، من خلال تطوير التعليم العالى والتدريب المهنى وتنمية المهارات وتعزيز دور الشباب والمجتمع المدنى، إضافة إلى مشروع «الجامعة المتوسطية»، الذى يربط بين طلاب ضفتى المتوسط، ودعم جهود الحفاظ على التراث الثقافى وتشجيع السياحة المستدامة، أما المحور الثانى فيركز على بناء اقتصادات قوية ومتكاملة ومستدامة عبر تحديث العلاقات التجارية والاستثمارية، وتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة والاقتصاد الأزرق، إلى جانب تطوير البنية الرقمية وتأمين البنى التحتية الحيوية. ويأتى المحور الثالث ليعالج قضايا الأمن وإدارة الهجرة من خلال تعزيز التعاون لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة ورفع الجاهزية الإقليمية، مع اعتماد نهج شامل لإدارة الهجرة وإنشاء منتدى إقليمى للسلام والأمن يجمع الاتحاد الأوروبى ودول جنوب المتوسط. ويعد الميثاق ثمرة عملية تشاور واسعة شارك فيها شركاء من دول جنوب المتوسط ومؤسسات الاتحاد الأوروبى والمجتمع المدنى والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، ويتوقع أن يقر سياسيا من قبل الاتحاد الأوروبى وشركائه فى جنوب المتوسط فى نوفمبر 2025، على أن تبدأ خطة عمل تفصيلية فى الربع الأول من عام 2026 تتضمن تنفيذ المبادرات والمشروعات المشتركة، ويؤكد الميثاق أهمية التعاون فى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مع التركيز على فئة الشباب والنساء باعتبارهما المحركين الأساسيين لمستقبل المنطقة. وفى هذا السياق، جاءت القمة المصرية الأوروبية التى عقدت فى بروكسل فى أكتوبر الجارى لتشكل محطة مهمة فى مسار تنفيذ الميثاق، كما مثلت القمة خطوة عملية لترجمة طموحات ميثاق المتوسط إلى مبادرات ملموسة تعزز التعاون بين شمال وجنوب البحر المتوسط، حيث توافقت محاور القمة الستة مع محاور الميثاق الثلاثة، بدءا من الحوار السياسى والاستقرار الذى ينسجم مع محور الأمن والاستعداد، مرورا بالتنمية الاقتصادية والاستثمار والهجرة والتنقل، وصولا إلى ملفات رأس المال البشرى والأمن والتحديات المشتركة والتجارة. وشهدت القمة توقيع اتفاقية انضمام مصر إلى برنامج «أفق أوروبا» المخصص لدعم الابتكار والتنمية، إلى جانب إعلان الاتحاد الأوروبى عن حزمة دعم مالى كبيرة لتعزيز جهود التنمية المستدامة فى مصر، وهو ما يعكس الارتباط الوثيق بين أهداف القمة وأجندة الميثاق. ويمكن القول إن القمة المصرية الأوروبية تمثل ترجمة عملية لميثاق المتوسط، إذ حولت مبادئه العامة إلى برامج ومشروعات فعلية، مؤكدة أهمية تعزيز الشراكة السياسية والاقتصادية والأمنية بين الاتحاد الأوروبى ودول جنوب المتوسط، وفى مقدمتها مصر، مع وضع الإنسان فى قلب هذه الشراكة باعتباره الركيزة الأساسية لأى تنمية شاملة ومستدامة فى شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط.