كنت أظنّ أن مسلسل الجريمة الإسبانى الشهير La casa de Papel، أو «بيت من ورق»، والذى يعرفه العالم باسم Money Heist، ليس إلا خيالًا فنيًا جامحًا يعيش فى فضاء الدهشة، ويستمدّ فكرته من عوالم المستحيل، لكن سرقة متحف اللوفر جعلتنى أوقن أن ما كان يبدو ضربًا من المستحيل يمكن أن يحدث فى قلب عاصمة النور نفسها، طالما أن «البيت أضحى من ورق». فلم تكن الجريمة التى هزّت اللوفر مجرد واقعة أمنية عابرة، بل صفعة ثقافية مدوّية أزالت قناع الحصانة عن أعرق متحف فى العالم، سبع دقائق فقط كانت كافية ليس لانتزاع مجوهرات ملكية لا تقدّر بثمن، بل لانتزاع الهيبة من متحف يرمز لذاكرة الإنسانية، فلم تكن السرقة التى جرت فى وضح النهار داخل متحف اللوفر مجرد حادث أمنى عابر، بل كانت سقوطًا رمزيًا لقيمةٍ طالما تغنّى بها العالم بوصفها عنوان الحضارة الفرنسية. تسللت الجريمة إلى أروقة الفن كما يتسلل الظل إلى لوحة مضيئة؛ صعد اللصوص عبر مصعد شحن من جهة نهر السين، بلا مقاومة ولا عوائق، وصولًا إلى «قاعة أبولو» التى تضم كنوزًا من المجوهرات الملكية. فتحوا النوافذ الزجاجية فى ثوانٍ معدودة دون أن يُسمع صوت إنذار، ولا يُرى أثر حارس، إنه ليس مجرد إخفاق أمني، وإنما سقوط رمزى لمفهوم الأمن الثقافى الذى يفترض أن يحمى المكان، جريمة فى حق الوعى الإدارى والفكرى معًا. فالمتحف الذى تعرّض قبل قرنٍ لسرقة «الموناليزا» الشهيرة، لم يتعلم من الدرس شيئًا، إذ بقيت الثغرات الأمنية نفسها مفتوحة كما لو كانت فخًا ينتظر من يسقط فيه. متحف اللوفر لم يُسرق فى سبع دقائق، بل سُرق على مدى سنوات من الإهمال الإداري، والتقاعس عن تحديث أنظمته، والتراخى فى صيانة مجده. وحتى لو نجحت التحقيقات فى ضبط الجناة واستعادة المسروقات ستبقى السرقة علامة فارقة على هشاشة أمن «المعبد الفنى الأعظم»، فالسرقة الحقيقية، لم تكن تلك التى استهدفت المجوهرات، بل تلك التى طالت الوعى الإدارى والثقافى معًا، فكما دخل اللصوص عبر نافذة زجاجية، دخل الإهمال عبر بوابة الغفلة. إن الخطر ليس فيمن السرق، وإنما فى أولئك الذين تركوا «أبواب الذاكرة الإنسانية» مواربة أمام النسيان، حتى يغدو متحف بهذه العراقة، بيتًا من ورق، هشًّا أمام أول نسمة غفلة.. إنها لحظة سقوطٍ أخلاقيٍّ لمؤسسةٍ ظنّت أن تاريخها يحرسها.