فى كل لحظة تتخذ فيها الحكومة قرارا اقتصاديا يحمل تأثيرا مباشرا على المواطن لابد أن نقرأ ما وراء القرار وأرقامه، ونفهم ما تقوله السياسة من خلال الاقتصاد.. وهذا تماما ما نحاول أن ندركه عقب قرار زيادة أسعار البنزين، وما أرتبط به من تصريحات.. حيث أكد رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى «إنها قد تكون الأخيرة». هذه العبارة أو الجملة قد توحى بالطمأنة، لكن مضمونها يحمل أكثر من دلالة، وأكثر من احتمال.. خاصة ونحن أمام قرار لا يخص الوقود فحسب، بل يمس توازن العلاقة بين الحكومة والمواطن، بين ما يسمى إصلاحا ويشعر به الناس عبئا. المواطن قد لا يرى فى تصريح رئيس الوزراء شيئا مطمئنًا، بل ربما يراه محاولة لامتصاص الصدمة، أو تسويق للقرار.. وهو أمر قد يُفقد الثقة، إذا ما جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن. الزيادات فى أسعار البنزين ليست قرارا اقتصادياً يحمل فى طياته امتحانا للحكومة والشعب معا. ولو نظرنا إليه على أنه عبء إضافى فقط، فسوف نراه كذلك، أما إن قرأناه كجزء من منظومة أوسع لتصحيح المسار، فله حسابات أخري.. ومن هنا يجب على الحكومة أن تجعل المواطن شريكا لها، بالمصداقية، والشفافية، والعدل فى توزيع الثروات، وليس مستهلكا فقط. على أية حال الدولة لا تختبر قدراتها على فرض القرارات فقط، بل مدى قدرتها على اقناع المواطن بأنه شريك لا ضحية.. خاصة ان الإصلاح والإدارة الجيدة لا تعنى إحداث التوازن على حساب البسطاء والكادحين. عموما لا تقاس الدولة بما تفعله فقط، بل بكيفية ذلك الفعل.. وبقدرتها على تبرير خياراتها أمام التاريخ والمجتمع.. واذا كانت زيادة البنزين ضرورية، فإن الأهم منها وجود خطة واضحة لتعويض الفئات الأكثر تضررا، وبرنامج حقيقى للحماية الاجتماعية.. وعليها ألا تترك المواطن يشعر بأنه وحيد فى مواجهة موجات الغلاء وتلاعب التجار.