أقام مهرجان الجونة السينمائي، اليوم، جلسة حوارية بعنوان "50 سنة يسرا"، أدارها محمد عمر، حيث احتفى جمهور المهرجان في دورته الثامنة بمسيرة الفنانة الكبيرة يسرا، التي امتدت لنصف قرن من الإبداع والعطاء الفني. حضر الندوة الناقد طارق الشناوي، هالة صدقي، أحمد مالك، أشرف عبد الباقي، هاني رمزي، عمرو جمال، حسن أبو الروس، ليلى علوي، إلهام شاهين، و المخرج هاني خليفة. وعلى مدار هذا اللقاء، الذي جمعها بجمهورها ومحبيها، قررت يسرا أن تفتح قلبها وتتحدث بصراحة عن محطات حياتها، فوجهت إليهم سؤالًا عفويًا: "انتو عاوزين تعرفوا إيه عني؟"، قبل أن تنضم صديقاتها المقربات. قالت إلهام شاهين مازحة: "بيسألونا دايمًا بنحب بعض كده ليه؟ لحد النهارده إحنا مكملين زي فيلم دانتيلا"، لترد يسرا بابتسامة وهي تتذكر ما قاله لها يوسف شاهين في فيلم "بونا بارت": "أوعي تفتكري إنك بتاكلي كده زي ناس، أو بتدمعي دي دموع لولي، أو بترعقي ده برفان". أما هالة صدقي، فتحدثت عن الجانب الإنساني في شخصية يسرا، مشيرة إلى أنها تقوم بالكثير من أعمال الخير دون أن تُظهر ذلك، فتُرسل المال لمن يحتاجه دون أن يعرف أنها صاحبة الفضل. وأضافت أنها لا تفوت واجب عزاء، وتحاول دائمًا إرضاء الجميع حتى على حساب وقتها وصحتها. وقالت مازحة: "بس مش مسامحاها إنها اشتغلت مع أحمد رمزي ورشدي أباظة!". وفي ختام الجلسة، سألتها ليلى علوي عن ثلاث نصائح تقدمها لها ولهالة صدقي وإلهام شاهين، فأجابت يسرا بحكمة اختصرت تجربتها كلها: "الصبر والصفاء، ومهما كان عندكم، فوتوا واعملوا نفسكم مش واخدين بالكم، لو حيطة قدامكم هتتهد." وصرحت يسرا أنها تتعامل مع المواقف الحياتية أحيانًا بتفهم، وأحيانًا بذكاء، وأحيانًا أخرى بضيق، لكنها تعلمت مع مرور الوقت أن على الفنان مسؤولية تجاه جمهوره حتى في الأوقات الصعبة. وأوضحت أنها لا تربط بين حياتها الشخصية وتعاملها مع الجمهور، مستشهدة بمثال بسيط قائلة إنه عندما يطلب منها أحد المعجبين التصوير لبضع ثوانٍ، لا تتردد أبدًا، لأنها تؤمن بأن إحراج أي شخص قد يجعل الحياة تردّ لها الموقف نفسه يومًا ما. أما عن تقييمها لمشوارها الفني، فأكدت أن الاختيارات مهمة، وكذلك الأشخاص المحيطون الذين يثقفون الفنان ويدفعونه إلى الأمام. وروت موقفًا مع الكاتب وحيد حامد عندما سألته عن السيناريو، فأمسك ورقة ورسم عليها خطوطًا متعرجة وقال لها: "ده أهم جزء في الفيلم... الكلايمكس". و تحدثت يسرا عن التحدي الأكبر في مسيرتها، مشيرة إلى أن الاستمرارية في مكانة معينة تتطلب مجهودًا مضاعفًا، ربما ثلاثة أضعاف. واستعادت ذكريات فيلم "الإرهاب والكباب" قائلة إنها بعد قراءتها للسيناريو رأت أن الدور صغير، لكنه رغم ذلك كان مؤثرًا. وأوضحت أنها لم تكن لتستطيع رفض دور من وحيد حامد، فذهبت إليه في يوم لتناول القهوة معه، وهناك أقنعها شريف عرفة بالدور وقالت إنها طلبت حينها أجرًا قدره 10 جنيهات، وكان مبلغًا كبيرًا وقتها، وصممت الفستان بنفسها أمام شريف عرفة في اليوم نفسه، قبل أن يبدأ التحضير للدور مع وحيد حامد ويخرج الفيلم بالشكل الذي شاهده الجمهور. وأضافت بابتسامة أن في كل رحلة نسبة من الحظ، لأنك تلتقي بأشخاص يضيفون لك وتتعلم منهم. وفي حديثها عن بداياتها، قالت يسرا إن السنوات العشر الأولى من مسيرتها لم تكن سهلة، إذ كانوا يلقبونها ب"النجمة المعلّبة" لأنها شاركت في 25 فيلمًا نزلوا بعد أربع سنوات من بدايتها وفشلوا فشلًا كبيرًا. ولم تكن تدرك الخطأ فين، هل في اختيارها أم في العمل نفسه. لذلك قررت أن تدرس وتتعلم، فكانت تحضر مونتاج فيلم "الكرنك" بالكامل لتفهم المصطلحات الفنية مثل "الراكور". وأوضحت أن الموهبة وحدها لا تكفي، فالفنان يحتاج إلى ذكاء وصبر وحسن اختيار. وأشارت إلى أن هناك مشاهد صغيرة قد تشكل العمود الفقري للفيلم، مثل مشهدها مع أحمد زكي في "معالي الوزير"، الذي كان يحدد تاريخ الشخصية ومستقبلها، مؤكدة أن غيابه كان سيغيّر مصير الفيلم بالكامل. وأضافت أن الذكاء يمكن اكتسابه من خلال التعلم من شخصيات أخرى ورحلتهم، واستذكرت إعجابها بالسيدة فاتن حمامة التي كانت تستمع إليها لتتعلم منها، قائلة إنها لن تنسى حوارًا لها عندما سألوها كيف أتقنت لغات أخرى فقالت: "من الراديو". جلسة "50 سنة يسرا" لم تكن مجرد احتفاء بمسيرة فنية، بل كانت درسًا في الإنسانية، والصدق، والامتنان، ألقته فنانة حملت في داخلها قلب طفلة، وعقل امرأة ناضجة تعلمت أن الفن الحقيقي لا يُقاس بالسنوات، بل بما يتركه من أثر في قلوب الناس. عن مهرجان الجونة السينمائي: أحد المهرجانات الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يهدف إلى خلق تواصل أفضل بين الثقافات من خلال السينما، ووصل صناع الأفلام من المنطقة بنظرائهم الدوليين من أجل تعزيز روح التعاون والتبادل الثقافي. يلتزم المهرجان باكتشاف الأصوات السينمائية الجديدة، ويتحمس ليكون محفزًا لتطوير السينما في العالم العربي، خاصة من خلال ذراع الصناعة الخاصة به، منصة سيني جونة.