فى زمنٍ باتت فيه الصورة أبلغ من الشهادة، والعدسة أصدق من الرواية، تتقدّم الكاميرا اليوم لتصير سلاحًا جديدًا فى معركة الأمن، وأداة حاسمة فى ميزان العدالة، ومرآة دقيقة تعكس سلوك البشر عند لحظة الحقيقة. لم تعد مجرد أداة تقنية عابرة تُعلَّق على جدار أو تُثبت فى زاوية شارع، بل صارت فاعلًا اجتماعيًا ونفسيًا، تُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان، بين الفرد وسلوكه، بين الجريمة والعقاب، وبين العام والخاص، بل وبين الحرية والانضباط. الكاميرا التى كانت فى بداياتها وسيلة أرشيف وتوثيق، أضحت اليوم شاهدًا على عصر يزداد فيه الهوس بالرقابة، ويتعمق فيه النقاش حول الحريات الشخصية وحدود الخصوصية. فى مجتمعات تتفاوت فى وعيها وثقافتها، تتكثف الأسئلة: هل تسهم الكاميرا فى تعديل سلوك الأفراد أم تُخضعهم لقانون العين الرقيبة؟ هل هى درع ضد الجريمة، أم جريمة ووسيلة للفضيحة؟ فى هذا التحقيق تفتح «الأخبار» عدسة العدالة على اتساعها، وتستعرض بعيون الخبراء الأمنيين والنفسيين والقانونيين أثر انتشار الكاميرات فى الفضاء العام، بالاستناد إلى شهادات د. أحمد البهنساوى، ود. دعاء سيف، أستاذى علم النفس، واللواء فؤاد علام، واللواء محمد على كامل، خبيرى الأمن، والمحامى ضياء الدين الجارحى . من منظور علم النفس، يضعنا د. أحمد البهنساوى أمام حقيقة عميقة: الإنسان يتجمّل حين يعلم أنه مرصود. منطق المراقبة يفرض سلوكًا منضبطًا، لا ينبع بالضرورة من الإيمان بالقانون، بل أحيانًا من الخوف من العقوبة. الكاميرا هنا تتحوّل إلى محفّز للسلوك السوى، لكنها تطرح فى الوقت ذاته سؤالًا أخلاقيًا: هل نريد مجتمعًا يتصرف بانضباط خوفًا من الكاميرا، أم وعيًا بالقيم؟ وهل تعديل السلوك الخارجى تحت ضغط المراقبة كافٍ لصناعة إنسان سوى؟ إن ما يسميه البهنساوى «التعديل السلوكى الناتج عن الوعى بالرقابة» يكشف عن جانب خفى فى النفس البشرية، حيث تتشكل طبقات جديدة من الطاعة والامتثال، تنسحب على كل مناحى الحياة، وربما تؤسس لعصر يُقاد فيه السلوك لا بالضمير، بل بالخوف من الكاميرا. ومن زاوية علم النفس الاجتماعى، تنبّه د. دعاء إلى بُعد أعمق فى استخدام الكاميرات، أن ليس كل من يراقب يسعى للأمان، فالبعض يفعل ذلك مدفوعًا بقلق داخلى، أو رغبة فى السيطرة.. هنا تتحوّل الكاميرا من أداة حماية إلى مرآة لاضطرابات دفينة، تعكس الخوف من المجهول أو وساوس التربص. وتشدّد د. دعاء على أن الاستخدام غير المتوازن للمراقبة يُفصح عن شخصية تفتقر للثقة، وتنشد الأمان من خلال الهيمنة. أما على الجانب الأمنى، فإن اللواء فؤاد علام يرسم صورة أكثر عملية، وأكثر صرامة. فالكاميرا عنده ليست فقط وسيلة ردع، بل أداة تحقيق وعدالة، تُحدّد هوية الجانى، وتُقيم الأدلة، وتُغلق الملفات المفتوحة. لكنه لا يُنكر أن ثمن هذا الأمان مرتفع؛ فبناء منظومة مراقبة متكاملة يتطلب استثمارات مالية ضخمة، وتدريبًا احترافيًا، وتشريعًا ضابطًا يحمى الأفراد من الاستغلال والانتهاك. هو يؤمن بدور الكاميرا فى الوقاية قبل التدخل، فهى تمنع الفعل فى مهده، وتزرع الخوف فى قلب المعتدى قبل أن يرتكب الفعل، وهو ما يُنتج مجتمعًا «متردّدًا فى الجريمة». لكن هذه الفاعلية الأمنية لا تُخفى الوجه الآخر للكاميرا، ذلك الذى يشير إليه اللواء محمد على كامل، حين يربط بين الكاميرا وأخلاقيات الفضاء العام. فى ظل الانهيار الأخلاقى، وسلوكيات الفوضى، أصبحت الكاميرا بمثابة «الحارس الإلكترونى»، الذى يُعيد شيئًا من النظام إلى شوارع فقدت بوصلتها. غير أن هذا الحارس، رغم صمته، قد يكون عدوًا خفيًا حين يستخدمه البعض بغير وعي، فيتحول من شاهد للحق إلى أداة فضح وتشهير، ومن حلمٍ للخصوصية إلى كاشف للعورات، والقانون المصرى لم يغفل ذلك، حيث يتضمن نصوصا تحمى الحياة الخاصة وتحظر اختراق خصوصية الأشخاص بالتصوير أو النشر على مواقع التواصل دون علمهم. الخوف من العقوبة من جانبه، قال د. أحمد البهنساوى، أستاذ ورئيس قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة أسيوط، إن سلوك الإنسان بشكل عام يختلف عندما يشعر بأنه مراقب، مقارنةً بسلوكه حين لا يشعر بوجود رقابة. وأشار إلى أن بعض التجارب النفسية أثبتت أن الأفراد الذين يعلمون أنهم محل ملاحظة يميلون إلى التجمل فى سلوكهم، ويتصرفون بشكل أكثر انضباطًا. وأوضح أن وجود الكاميرا فى الشارع أو المؤسسات أو أماكن العمل يضع الفرد أمام احتمالية المساءلة والمحاسبة، وهو ما يدفعه لتعديل سلوكه خوفًا من العقوبة، مستشهدًا بحالة السائق الذى يدرك أن الطريق مراقب بالكاميرات، فيلتزم بالقواعد تجنبًا للغرامة، فى حين أنه قد يتصرف بعشوائية إذا غابت الرقابة. ولفت إلى أن هذا التباين يعود إلى الانضباط الذاتى الناتج عن التنشئة والتربية، موضحًا أن المجتمعات المتقدمة تعتمد على السلوك القائم على احترام القوانين، حتى فى غياب الرقابة المباشرة، مع الاعتراف بوجود حالات شاذة تحاول خرق القانون أو ارتكاب الانتهاكات رغم وجود الرقيب. وأضاف أن الإنسان، إذا وُضع تحت المراقبة لفترة طويلة وكان على وعى بذلك، فإن سلوكه غير المنضبط قد يتطور إلى سلوك طبيعى ومنتظم، ويظل محافظًا عليه حتى بعد زوال الرقابة، نتيجة لما يحدث من «تعديل سلوكى» داخلى. وأكد أن هذا النوع من التعديل يُلاحظ فى حالات التشدد المرورى، إذ يتجه الفرد لتغيير سلوك القيادة غير السوى بعد تعرضه لغرامات عالية. وشدد على أن وجود الكاميرا فى عصر متشابك يسهم فى تقليل معدلات الجريمة والعنف، خاصةً فى الحالات التى يتم فيها التحقق الفعلى من الوقائع التى ترصدها العدسة، مشيرًا إلى ما يحدث فى المجتمع المصرى مؤخرًا من تدخل الشرطة والنيابة العامة بناءً على مشاهد ترصدها الكاميرات لمخالفات مرورية، مشاجرات، أو تعديات، ويتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعى حتى يتم تحديد المسئولين عنها ومحاسبتهم قانونيًا، وهو ما يمثل شكلًا من أشكال الردع العام. التوثيق للمواطنين.. «حق» وأشار إلى أن الكاميرا أصبحت الآن تحل «لغزًا جديدًا»، بوصفها آلة توثيقية لا تحتمل التلاعب، ولا تحتاج إلى شهود، فهى بذاتها الشاهد الصامت على الجريمة وعلى مرتكبها. وأضاف أن الكاميرا باتت جزءًا أساسيًا من المحال والمناطق التجارية، وكذلك من حياة الأفراد العاديين، إذ يُعاد توظيفها فى الشوارع بهدف الحماية وتوثيق الأحداث كما وقعت، دون تدخل من أحد. «التريند».. إساءة استخدام وتابع حديثه موضحًا أن مسألة الحريات العامة والخاصة تختلف من مجتمع لآخر، بل تتفاوت داخل المجتمع الواحد حسب الثقافة والوعى، لافتًا إلى أن المقارنة بين الأرياف والمدن أو المناطق الصناعية لا تكون دقيقة، لأن لكل بيئة خصوصيتها. وأكد أن الثقافة المجتمعية هى التى تتحكم فى الفصل بين ما هو عام وما هو خاص، مشيرًا إلى أن بعض الأفراد ينشرون أمورًا خاصة على العلن نتيجة لسوء الفهم، أو بدافع الهوس بالتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعى، والسعى وراء التريند والمكاسب الشخصية. وأوضح أن ذلك أحيانًا يؤدى إلى تزييف الوعى الجماهيرى، لاسيما فى المجتمعات التى تفتقر للانفتاح، مما يخلق حالة من الخلط بين العام والخاص، ويُسبب لغطًا كبيرًا يستدعى تعزيز التوعية المجتمعية. وأضاف أن زيادة الوعى العام تمكّن الأفراد من التفرقة بين المجالين، وأن غياب الفهم القانونى يُفاقم المشكلة، حيث قد يتورط البعض فى ممارسات تضعهم تحت طائلة القانون، مثل ترويج الشائعات، خصوصًا فى فترات الأزمات الاقتصادية أو السياسية، مثل أوقات الانتخابات. تطفل على الآخرين! ومن جانبها، أكدت د. دعاء سيف، أستاذة علم النفس الاجتماعى، أن الكاميرا تُعد أداة حماية فى الأساس، ويجب استخدامها ضمن حدود واضحة تهدف إلى الحفاظ على الأمان العام، كما هو الحال فى المؤسسات الرسمية والبنوك والهيئات العامة، لكنها ليست وسيلة للهيمنة أو التطفل على الآخرين. وأضافت أن الاستخدام المتوازن لأنظمة المراقبة يُعبّر عن احترام الشخص لذاته وللآخرين، موضحة أن الكاميرا ليست خيرًا مطلقًا أو شرًا مطلقًا، بل يعتمد تأثيرها على دوافع من يستخدمها والغرض من تركيبها. وأوضحت أن بعض الأشخاص يلجأون إلى المراقبة بسبب اضطرابات نفسية، مثل القلق المرضى أو الوسواس القهرى، حيث يسعى الفرد إلى التحكم الكامل فى محيطه هربًا من المفاجآت المحتملة أو من الشعور بفقدان السيطرة.. وأشارت إلى أن الكاميرا فى هذه الحالة تُستخدم كوسيلة لتقليل التوتر الداخلى، لا كأداة أمنية فحسب. وأكدت أن بعض الشخصيات المصابة بهوس المثالية أو الخوف المفرط من الانتهاك «سواء للخصوصية أو السلامة الشخصية» قد تلجأ إلى تركيب الكاميرات ظنًا بأنها توفر لهم بيئة مثالية وآمنة، رغم أن هذا السلوك فى بعض الأحيان ينطوى على انتهاك متبادل لخصوصيات الآخرين. ولفتت إلى أن هناك من يعانى من فضول مرضى تجاه حياة الآخرين، ويجد متعة فى مراقبتهم دون إذن، وهو ما يعكس شخصية شكاكة ومتوترة ومليئة بالريبة وعدم الثقة. وأشارت إلى أن هذه الممارسات تؤدى غالبًا إلى العزلة الاجتماعية، حيث ينفر الناس ممن يسىء استخدام الكاميرا فى التجسس أو تتبع تفاصيل لا تخصه. تسجيلات مضللة! وأشارت إلى أن الكاميرا، رغم أهميتها فى توثيق الوقائع، تبقى «عينًا بلا مشاعر»، لا تنقل الظروف النفسية أو السياق المحيط بالمشهد، وهو ما يجعل بعض التسجيلات مضللة عند استخدامها خارج إطارها الزمنى والمكانى؛ فقد يرى المشاهد شخصًا يحمل شيئًا من مكانه دون أن يفهم دوافعه، لأن الكاميرا لا تنقل إلا ما تراه العدسة، دون تفسير أو إحساس. واختتمت بتأكيد أن الكاميرا أداة مفيدة حين تُستخدم بضوابط واضحة، لكنها تتحول إلى أداة مؤذية إذا استُخدمت بدوافع غير ناضجة أو بهدف التسلط، مشددة على أن التوازن فى الاستخدام هو ما يعكس النضج النفسى والاجتماعى للفرد، ويعزز احترامه لخصوصية ذاته وخصوصية الآخرين فى آن واحد. وسيلة لتعزيز الأمن ومن جهته، قال اللواء فؤاد علام، الخبير الأمنى، إن الكاميرات المستخدمة داخل أجهزة الأمن تؤدى دورًا أساسيًا فى إقامة الأدلة ضد مرتكبى الجرائم، والمساعدة فى تحديد هوية الجناة والتعرف عليهم والوصول إليهم بسهولة، موضحًا أن توظيف الكاميرا هنا مرتبط مباشرة بتحقيق العدالة والوصول إلى المجرمين. وأضاف أن الكاميرات المستخدمة فى المحال التجارية وغيرها من الأنشطة المشروعة تُعد وسيلة فعالة لتعزيز الأمان، خاصةً فى حالات السرقة، حيث تُسهم فى كشف هوية اللصوص وتقديم الأدلة اللازمة للجهات القضائية، ما يجعلها أداة توثيق قوية فى يد أصحاب النشاط القانونى. تحديات صعبة وأكد أن من أبرز إيجابيات الكاميرا أنها تُقيم الأدلة بشكل واضح أمام جهات التحقيق، إلا أن التكلفة المالية العالية لبناء نظام مراقبة جيد تُمثل السلبية الأبرز، نظرًا للطلب المتزايد على هذه الأجهزة، وارتفاع تكاليف تركيبها وتشغيلها بشكل متكامل. وأشار إلى أنه فى حال تم استخدام الكاميرات فى أعمال مخالفة للعادات والتقاليد، أو تم توظيفها فى ممارسات تُعد من قبيل الجرائم الأخلاقية، فإن هذا يُعد انتهاكًا واضحًا لخصوصية الآخرين. وشدد على أن الخطر لا يكمن فى وجود الكاميرا، بل فى انحراف القائم على تشغيلها، إذ إن استخدامها فى سياقات منافية للأخلاق والمبادئ يمثل شكلاً من أشكال اختراق الخصوصية لا يمكن التساهل معه. دور وقائى وأشار علام إلى أن أهمية الكاميرات لا تقتصر فقط على توثيق الجرائم بعد وقوعها، بل تتعدى ذلك إلى القيام بدور وقائى استباقى، من خلال وجودها الظاهر الذى يُشعر الأفراد برقابة مستمرة، ويمنع البعض من ارتكاب أى فعل مخالف فى لحظة تردد، وهو ما يقلل بشكل ملحوظ من احتمالات حدوث الجريمة من الأساس. وأضاف أن تسجيلات الكاميرات تُمثل عنصرًا أساسيًا فى التحليل الجنائى للوقائع، حيث يُمكن لجهات التحقيق مراجعة توقيتات الأحداث، وتحليل سلوكيات المتورطين، واستنتاج دوافعهم أو شركائهم، وهو ما يُعزّز من كفاءة التحقيقات، ويُسرّع عملية التوصل للفاعلين. وأكد على أهمية وجود كوادر مؤهلة ومُدرَّبة لتشغيل ومراقبة الكاميرات، مشيرًا إلى أن ضعف التأهيل الفنى أو غياب الرقابة على أنظمة المراقبة قد يؤدى إلى فقدان الأدلة، أو استخدام المادة المصورة بطرق غير قانونية، مما يفتح الباب لتجاوزات لا تقل خطورة عن الجريمة نفسها. ولفت إلى ضرورة أن يكون تشغيل أنظمة المراقبة خاضعًا لإطار قانونى صارم، يضمن حماية الحقوق الشخصية، ويحدد ضوابط الاستخدام، ومسئولية القائمين على تشغيل الأنظمة، ومحاسبة من يتعمد الإضرار بالآخرين تحت غطاء التوثيق. وسيلة للبراءة ومن جانبه، قال اللواء محمد على كامل، الخبير الأمنى، إن 60% من قضايا السرقة يتم كشفها من خلال كاميرات المراقبة، مؤكدًا أن هذه الكاميرات لا تُستخدم فقط لإثبات الاتهام، بل قد تكون سببًا مباشرًا فى إثبات البراءة. وأضاف أن الكاميرات تسببت فى تراجع كبير فى محاولات خرق القانون، وأدت إلى ردع المخالفين، إذ أصبح الأفراد يترددون فى ارتكاب أعمال الشغب أو حمل الأسلحة البيضاء خوفًا من ظهورهم موثقين بالصورة أو الفيديو، مما يُثبِت عليهم الجريمة بشكل مباشر. وأشار إلى أن مثال الشاب «شهاب» الذى يقود «توكتوك» وتم القبض عليه بعد تصويره ونشر الفيديو، يعكس هذا التحول فى أثر التصوير على ضبط السلوك العام. وشدد على أن الكاميرات أسهمت، فى ظل الانحدار العام فى الذوق وانهيار المنظومة الأخلاقية فى الشوارع، فى إعادة شىء من الاحترام للفضاء العام. وأكد أنه لو لم تكن الكاميرات موجودة، لارتفعت معدلات الجريمة بشكل أكبر بكثير. الكاميرات.. «حارس إلكترونى» ولفت إلى أن كثيرًا من الأنشطة مثل المصانع والمزارع ومعارض السيارات تعتمد الآن على كاميرات المراقبة بدلًا من الحراس، حيث يمكن استبدال 20 خفيرًا ب20 كاميرا وغرفة تحكم، مما يؤدى إلى خفض التكلفة ورفع الكفاءة الأمنية لأصحاب هذه الأنشطة. انتهاك الخصوصية! وفيما يتعلق بسلبيات الكاميرا، قال إنها قد تكون وسيلة ل»فضح الستر»، حين يستخدمها البعض دون وعى بحدود الخصوصية. وأوضح أن فكرة الحرية وانتهاك الخصوصية مرتبطة بمكان التصوير، فالأماكن العامة ليست ملكية خاصة، ولا تتمتع بخصوصية كاملة، بينما تثبيت كاميرا تُطِل مثلًا على «بلكونة الجار» يُعد انتهاكًا صارخًا للخصوصية. وأكّد فى المقابل أن وضع الكاميرات فى الأماكن التى يُحتمل دخول اللصوص منها، مثل الأسطح والسلالم، يُعد من قبيل الحماية والأمان، وهو حق مشروع لصاحب المكان. وأضاف أن الحرية الشخصية ليست مطلقة، بل مُنظّمة بقواعد وقوانين، ف»الإنسان حر ما لم يضر»، ومن لا يفعل ما هو مخالف ينبغى ألا يخشى الكاميرا. التصوير دون إذن غير مشروع.. ونشر «الفعل الفاضح» جريمة ثانية أكد ضياء الدين الجارحى المحامى أن التصوير فى ذاته قد يشكّل جريمة إذا تم فى أماكن خاصة أو دون إذن من أصحاب الشأن، موضحًا أن القانون المصرى يعتبر الخصوصية حقًا أصيلًا، وأى تصوير أو تسجيل يتم دون موافقة الشخص يُعد انتهاكًا لها. وأضاف أن الأماكن الخاصة تشمل المنازل والشقق السكنية وغرف النوم والحمامات وغرف تبديل الملابس والعلاج داخل العيادات أو المستشفيات، وأيضًا مكاتب العمل أو السيارات الخاصة عندما تكون مغلقة ويُفترض فيها الخصوصية. وأوضح الجارحى أن استخدام الكاميرات فى هذه الأماكن بدون إذن أو علم الشخص يُعرض صاحب الكاميرا للمساءلة القانونية حتى لو لم يتم نشر الصور أو المقاطع، لأن مجرد التصوير يُعد اعتداءً على حرمة الحياة الخاصة وفق المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، والتى تنص على الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه لكل من انتهك حرمة الحياة الخاصة أو اعتدى على القيم الأسرية للمجتمع. وأكد أن القانون يفرّق بين التصوير المصرح به والتصوير غير المشروع، مشيرًا إلى أن كاميرات المراقبة المسموح بها قانونًا هى تلك التى تُركّب فى الأماكن العامة أو المحال التجارية أو المؤسسات لأغراض الحماية والأمن، بشرط ألا تُوجَّه نحو بيوت الناس أو أماكن تُعد بطبيعتها خاصة، وألا تُستخدم لتسجيل الأصوات أو نشر اللقطات دون سبب مشروع. وأضاف أن تصوير واقعة تتضمن فعلًا مخالفًا للقانون لا يبرر نشرها على مواقع التواصل الاجتماعى، فحتى لو تضمّن المقطع جريمة ك «الفعل الفاضح»، فإن نشره يُعد جريمة أخرى مستقلة، والعقوبة قد تصل إلى الحبس وفق المادة 178 من قانون العقوبات والمادتين 25 و26 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لأن النشر العلنى لمواد فاضحة أو مسيئة يُعد مساسًا بالآداب العامة والخصوصية فى الوقت نفسه. وشدد الجارحى على أن الإجراء الصحيح هو تسليم الفيديو أو الصور التى تتضمن واقعة مخالفة للقانون إلى الجهات القضائية أو الأمنية المختصة، مثل النيابة العامة أو الشرطة، دون نسخها أو تداولها على أى وسيلة إلكترونية، حفاظًا على سلامة الموقف القانونى للشخص الذى صوّر أو حصل على المادة .