هل يمكن أن تنهار الأعجوبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة؟ .. ذلك هو السؤال الذى طرحته منصة « nplus1.ru «، العلمية الروسية، فى تقرير أعاد تسليط الضوء على دراسة مصرية نُشرت قبل خمسة أعوام، تناولت مؤشرات التآكل البطيئة فى صخور الأهرامات الثلاثة بالجيزة. ورغم أن المنصة اكتفت بعرض نتائج الدراسة المنشورة بدورية «علوم التراث»، إحدى دوريات مؤسسة «نيتشر»، دون تقديم إجابة قاطعة، فإن طريقة العرض أوحت للبعض بأن سيناريو الانهيار قد يكون قريبًا، وهو ما نفاه بشكل قاطع الدكتور سيد حميدة، رئيس قسم الترميم بكلية الآثار بجامعة القاهرة، والباحث الرئيسى بالدراسة، فى تصريحات خاصة ل»الأخبار». يقول د. حميدة: «صحيح أننا رصدنا بعض مؤشرات الضعف، لكن يجب ألا ننسى أننا أمام بناء صمد لأكثر من أربعة آلاف عام حتى الآن».. وأضاف: «الأهرام بُنيت لتبقى خالدة، وما رصدناه من مشكلات لا يعنى أنها مُهددة بالفناء على المدى القريب، بل هى دعوة إلى العناية المستمرة بهذا البنيان العظيم، حتى تكون إجابتنا عن السؤال الذى طرحته المنصة الروسية: نعم، يمكن للأهرام أن تبقى أربعة آلاف عام أخرى». اختبارات المتانة تكشف مفاجأة وخلال هذا العمل، تمت الدراسة غير المتلفة على مواد بناء الأهرام، وشملت اختبارات الموجات فوق الصوتية، ومقاومة الثقب، وغيرها من الاختبارات الميكانيكية غير المتلفة، لقياس مدى متانة صخور وأحجار البناء للأهرام الثلاثة (خوفو، خفرع، منقرع). وكانت النتيجة مفاجئة، إذ لم تتحمل المواد ضغطًا يتجاوز 17.8 ميجاباسكال، وهى قيمة منخفضة مقارنة بمواد البناء الحديثة، إذ يتحمل الرخام نحو 50 ميجاباسكال، بينما يجب أن يتحمل الحجر الجيرى المُستخدم فى البناء نحو 60 ميجاباسكال. وبحسب الدراسة، جاء هرم خفرع فى المرتبة الأولى من حيث الصلابة، إذ تراوحت قوة تحمله بين 12.1 و17.8 ميجاباسكال، يليه هرم خوفو (بين 12.14 و15.16)، بينما كان هرم منقرع الأضعف (بين 10.2 و13.08). ورغم هذه النتائج، شدد حميدة، على أن «هذه القيم لا تعنى ضعف الأهرام، بل تعكس طبيعة المواد الجيرية القديمة التى فقدت جزءًا من تماسكها بفعل الزمن، لكنها لا تزال تحتفظ ببنيتها الإنشائية المتماسكة». أرض مستقرة.. وإعجاز هندسى لا يُصدَّق وأشارت الدراسة إلى أن وزن الهرم الأكبر يبلغ نحو 6 ملايين طن، وهو ما ينتج عنه إجهاد هائل لا يمكن لأى منطقة أخرى بالعالم تحمله سوى المنطقة المُشيَّد عليها الهرم. كما أوضحت أن الهرم الأكبر والأوسط بُنيا على تل صخرى يبلغ ارتفاعه نحو 12 مترًا، مما ساعد على استقرارهما وبنائهما بذلك الحجم الهائل. وأكدت الدراسة أنه لم يتم رصد أى هبوط فى التربة أو الصخور الحاملة للأهرامات رغم مرور أكثر من 4500 عام على بنائها، فى حين تشير الدراسات الهندسية الحديثة إلى أن أى منشأ يتعرض لهبوط بمُعدل 15 سم كل 100 عام، ومن هنا يأتى الإعجاز الهندسى الرهيب لبناء الأهرامات. خطر قادم من باطن الأرض لم يكن تلف صخور وأحجار البناء، الخطر الوحيد الذى رصدته الدراسة، إذ حذرت من ارتفاع منسوب المياه الجوفية فى هضبة الجيزة نتيجة تسرب المياه من القنوات الزراعية والتوسع العمرانى الكبير بضواحى القاهرة. وأوضحت أن هناك طبقتين من المياه الجوفية تحت المنطقة الأثرية، الأولى على عمق يتراوح بين 1.5 و4 أمتار قُرب تمثال أبى الهول، والثانية على عمق 4 إلى 7 أمتار قُرب الأهرامات نفسها. ومع استمرار الزحف العمرانى نحو المنطقة، قد يؤدى ارتفاع منسوب المياه أكثر إلى تلف التربة وتسارع تفكك أحجار البناء القديمة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لأساسات الأهرامات وأبى الهول. كما أشارت الدراسة إلى احتمالية استخدام المصرى القديم نظامًا يعتمد على الحبال والبكر فى عمليات رفع الكتل الضخمة أثناء البناء، مُرجحةً أن بعض الممرات داخل الأهرامات استُخدمت كمنحدرات أثناء عملية التشييد، وليس كممرات داخلية فقط. نتائج تكشف مصادر الأحجار واعتمد البحث على تحاليل بتروجرافية وجيوكيميائية دقيقة لتحديد مصادر الأحجار، واتضح أن أحجار الكسوة الخارجية لهرم خوفو جُلبت من محاجر طرة شرق النيل، وأحجار هرم خفرع استُخرجت من محاجر المقطم ومصرارة، وأحجار منقرع صُنعت من الجرانيت القادم من أسوان.. وأكدت الدراسة أن الأهرام شُيَّدت بالكامل من مواد طبيعية، وليس من «خرسانة صناعية» كما تزعم بعض الفرضيات الحديثة، كما أوضحت أن كثيرًا من أحجار الكسوة سقطت خلال زلزال عام 1303م، وأُعيد استخدام عدد منها فى بناء منشآت قبطية وإسلامية بالقاهرة. توصيات للحفاظ على الخلود توصى الدراسة بضرورة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى والتعلم العميق لرصد معدلات تلف الأهرام بدقة عالية، من خلال تثبيت نقاط رصد «مستشعرات» مرتبطة بتطبيق رقمى يتيح مراقبة حالتها بشكل مستمر، لضمان التدخل المبكر عند ظهور أى مؤشرات ضعف جديدة. كما شددت على أن استمرار التوسع العمرانى وارتفاع المياه الجوفية قد يسرع تلف هذه المعالم الفريدة، داعيةً إلى تبنى خطة وطنية شاملة للترميم والمراقبة الجيولوجية باستخدام تقنيات غير تدخلية تحافظ على الأثر دون المساس ببنيته الأصلية. وفى ختام حديثه، قال حميدة: «عادةً ما تركز الأبحاث على الممرات والفراغات داخل الهرم، ونادرًا ما يُلتفت إلى مشكلات الاستدامة التى تهدد بنيانه، ورسالتنا هى أن الأهرام لا تُفنى، لكنها تحتاج إلى رعاية مستمرة لتبقى كما أرادها المصريون القدماء: رمزًا للخلود».