ظلّت احتفالات أكتوبر طقساً سنوياً، تمارسه أجيال عاشت قسوة هزيمة، انتهت بفرحة عارمة صاحبت الانتصار، ونجحت هذه الأجيال فى نقل شعور الفخر لمن وُلدوا فى أعقاب حقبة اتسمت بالصعوبة. مضت الأحوال فى السياق نفسه، إلى أن بدأت محاولات الخداع تتصاعد، بعدما سعى العدو إلى لملمة تداعيات هزيمة قصمت ظهره، عَبْر التلاعب بحسابات المكسب والخسارة، رغم أن ما حققناه على أرض الواقع ينفى أية مزاعم مُستحدثة، خاصة بعد أن استعدنا أراضينا كاملة من براثن احتلاله. بعد هيمنة ال»سوشيال ميديا» والفضائيات، ظهر ما يُمكن أن نطلق عليه اسم «هستيريا أكتوبر»، التى أصابت البعض، فبدأوا يتداولون وجهات نظر عبثية، تتبنى دعوات تخلط السم بالعسل، فيخرج من يطالب بتجاوز جريمة بحر البقر، التى اغتالت براءة تلاميذ لم يرتكبوا ذنباً سوى الذهاب إلى المدرسة. من أطلق هذه الدعوة غلّفها بمبررات تبدو منطقية، لكن الثابت أن إحالة الذاكرة للتقاعد، تؤثر سلباً على الهوية والانتماء. الأمر لا يقتصر على محاولة طمس الذاكرة، بل امتد إلى العبث بثوابت أخرى، فشل العدو نفسه فى طمسها أو تزييفها، مثل ذلك المنشور الذى جادت به عبقرية إعلامى شهير، ادّعى أن أهل غزة يدفعون ثمن فقدان أراضيهم بسبب هزيمة الجيش المصرى فى 1967. المشكلة أنه كلامٌ يمكن أن يُداعب أفكار أجيال لم تُعايش تلك الفترة بحُلوها ومرّها، وربما يبدو لهم منطقياً إذا لم يجد من يردّ عليه بمنطق سليم، فجيشنا كان يدافع عن الأرض والعرض والكرامة، واحتمالات النصر والهزيمة تبقى مطروحة فى كل الحروب، وقد خسرنا أراضى بالفعل ، ثم استعدناها بعزيمتنا فى ميادين القتال وجولات مفاوضاتٍ أقرب لساحات الحروب. وسط مساحات رأيٍ أتلفها الهوى، يُصبح الرد على محاولات التزييف فرْض عَيْن، بعدما تزايدت هجمات كتائب التشويش، لهذا يصبح السكوت على مقولات التشكيك خطيئة، فى زمن أتقن فيه البعض لعبة التلاعب بالحقائق الراسخة، حتى نكاد نشعر أننا أمام أكتوبر آخر، غير ذلك الذى أذاق العدو مرارة الانكسار.