فى زمن تتغير فيه خرائط التحالفات بسرعة، تظل العلاقة بين القاهرةوواشنطن واحدة من أكثر المسارات السياسية ثباتًا فى الشرق الأوسط، لكنها أيضًا من أكثرها حساسية فمنذ صعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وجدت مصر نفسها أمام إدارة تتحدث بلغة المصالح لا الشعارات، وإزاء رئيس يرى فى الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى نموذجًا للقائد القادر على حفظ الاستقرار وسط عواصف المنطقة. اقرأ أيضًا | برج القاهرة يتزين بألوان فلسطين احتفالًا بالسلام ومع اقتراب لقاء شرم الشيخ المرتقب بين الرجلين، تبدو العلاقات المصرية - الأمريكية على أعتاب مرحلة جديدة، تمزج بين الحذر والدفء، وبين البراغماتية والتحالف المحسوب. فى الولاية الأولى لترامب، اتسمت العلاقات المصرية - الأمريكية بالدفء النسبى بعد سنوات من الفتور خلال عهد باراك أوباما. كان ترامب يرى أن «مصر تحارب الإرهاب بشجاعة»، وأشاد بالسيسى أكثر من مرة فى المؤتمرات الدولية، فى حين وجدت القاهرة فى إدارة ترامب دعمًا سياسيًا يخفف من الضغوط الحقوقية والانتقادات الغربية التى واجهتها بعد عام 2013. وبالفعل، شهدت تلك السنوات تعاونًا وثيقًا فى مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب فى سيناء، وتبادلًا مستمرًا للمعلومات بين الأجهزة، فضلًا عن استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية التى تعد ركيزة أساسية فى العلاقات بين البلدين. غير أن هذا التقارب لم يكن خاليًا من التحديات فبعض دوائر واشنطن كانت ترى فى دعم مصر ضرورة استراتيجية، فيما كانت أصوات أخرى تنتقد ومع ذلك، فضّل ترامب أن يبقى على هذا الخط الدافئ مع السيسى، معتبرًا أن الأولوية لمكافحة الإرهاب وحماية المصالح الأمريكية فى المنطقة، لا للدخول فى سجالات داخلية. فى تلك السنوات، نشأت بين الرجلين علاقة شخصية لافتة السيسى من جانبه وصف ترامب بأنه «صديق مصر المخلص»، فيما قال ترامب خلال أحد لقاءاتهما «إنه شخص رائع، قام بعمل رائع فى ظروف صعبة». هذا النوع من الخطاب لم يكن شائعًا فى العلاقات الدبلوماسية الأمريكية - العربية، لكنه عكس انسجامًا فى اللغة والمصالح. فقد كان ترامب ينظر إلى مصر كحليف مستقر قادر على ضبط إيقاع الشرق الأوسط، فيما كانت القاهرة تراهن على ترامب كشريك لا يبدد التحالفات بسبب القيم أو الشعارات. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025 فى ولايته الثانية، دخلت العلاقة بين البلدين مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا. العالم تغيّر، والمنطقة تتقلب على وقع حرب غزة الممتدة، وتوترات البحر الأحمر، وصراع النفوذ بين القوى الإقليمية. فى هذا المناخ، عادت واشنطن إلى الاعتماد على القاهرة كوسيط لا غنى عنه فى الملفات الفلسطينية، خاصة فى جهود وقف إطلاق النار وإدارة المعابر واحتواء التصعيد. ترامب، الذى أراد أن يسوّق لنفسه كرئيس «صانع للصفقات»، وجد فى السيسى شريكًا موثوقًا فى مساعيه لتثبيت تهدئة إقليمية، ولم يتردد فى الإشادة بدور مصر أمام الإعلام الأمريكى والدولي. خلال الأشهر الأخيرة، ازدادت لغة المديح المتبادل. الرئيس الأمريكى وصف السيسى بأنه «رجل قوى يعرف كيف يحافظ على بلاده»، كما أكد أن «مصر تلعب دورًا استثنائيًا فى استقرار المنطقة». وفى المقابل، حرصت القاهرة على إبراز روح الشراكة مع واشنطن، خصوصًا فى القضايا الأمنية والاقتصادية. لكن خلف هذا المديح العلنى، كانت هناك مساحة من الحذر؛ فالإدارة الأمريكية الجديدة - القديمة لا تخفى رغبتها فى أن ترى القاهرة أكثر توافقًا مع خطط واشنطن الإقليمية، بينما ترفض مصر أن تتحول إلى أداة ضغط أو مجرد منفّذ لسياسات البيت الأبيض. ومع اقتراب عقد اللقاء المرتقب بين الرئيسين فى شرم الشيخ، تكتسب العلاقات المصرية - الأمريكية أهمية إضافية. فالقمة المنتظرة لا تبدو مجرد زيارة بروتوكولية، بل اختبار حقيقى لمستقبل التنسيق بين البلدين فى ملفات حيوية، أبرزها مسار الحرب فى غزة، وإعادة الإعمار، وضمان استقرار البحر الأحمر، إلى جانب قضايا الاستثمار والطاقة. ومن المرجح أن يسعى ترامب إلى توظيف اللقاء لإظهار نجاح دبلوماسى سريع يعزز صورته الدولية، فيما ستركّز القاهرة على تأكيد استقلالها السياسى وقدرتها على الجمع بين الشراكة مع واشنطن والحفاظ على توازن علاقاتها الإقليمية. التوقعات لما بعد اللقاء تشير إلى أن الطرفين سيسعيان إلى تعميق التعاون الأمنى والاقتصادى دون المساس باستقلالية القرار الوطنى. فترامب بحاجة إلى شريك قوى ومستقر فى المنطقة لإدارة ملفاتها دون تورط أمريكى مباشر، ومصر تدرك أن شراكتها مع واشنطن تمنحها ثقلاً دوليًا لا يمكن تجاهله. وإذا نجح لقاء شرم الشيخ فى تأكيد هذا التوازن بين «التحالف والندية»، فإن العلاقات المصرية-الأمريكية مرشحة لدخول مرحلة جديدة من «البراغماتية المتبادلة»، حيث المصالح تتقدم على الشعارات، والتفاهم الواقعى يحل محل الاصطفاف الأيديولوجى.