في زمن تتسارع فيه الأخبار عن صفقات المليارديرات، واحتكار الشركات العملاقة للتكنولوجيا والاقتصاد، وارتفاع نفوذ المال فى السياسة الأمريكية، يطلّ السيناتور «بيرنى ساندرز» بكتاب جديد يحمل عنوان «مواجهة الأوليجاركية».. ليس مجرد كتاب سياسى آخر، بل أشبه بصفارة إنذار تصرخ فى وجه واقع يزداد اختناقًا، حيث تتركز السلطة فى يد قلة صغيرة بينما يكافح ملايين الأمريكيين من أجل أجور تكفى وحياة كريمة، بلهجة لا تخلو من الغضب وبنبرة لا تفقد الأمل يدعو ساندرز الأمريكيين إلى إدراك الخطر قبل فوات الأوان، متسائلاً: هل ما زالت الولاياتالمتحدة ديمقراطية، أم إنها تنزلق بهدوء نحو حكم الأقلية الثرية؟ عندما يبدأ ساندرز كتابه الجديد «مكافحة الأوليجاركية» يضع القارئ مباشرة أمام سؤال جوهري: من يحكم أمريكا اليوم؟ هل هى دولة ديمقراطية كما يدّعى دستورها وتاريخها السياسي، أم إنها تحولت تدريجيًا إلى نظام تحكمه قلة من الأثرياء والشركات العملاقة التى تتحكم بمصير الاقتصاد والإعلام والسياسة؟ فى هذا العمل الذى سيصدر فى أكتوبر القادم، لا يكتفى ساندرز بتقديم تشخيص لمرض التفاوت المتصاعد، بل يطلق جرس إنذار يقول فيه إن أمام الأمريكيين فرصة أخيرة لاستعادة ديمقراطيتهم قبل أن تفلت من أيديهم إلى الأبد. ◄ اقرأ أيضًا | إيلون ماسك يخوض حرب إلغاء شاملة على نتفليكس.. ما القصة؟ ◄ الأكثر ثراءً الكتاب يرسم صورة لأمة تميل كفتها يومًا بعد يوم نحو الأقلية الأكثر ثراءً، التى لم تعد تكتفى بتكديس الأموال بل أصبحت تحدد القوانين والسياسات وتقرر من يُسمع صوته ومن يُقصى خارج دائرة التأثير، بينما تكافح الأغلبية لتأمين أساسيات الحياة من سكن ورعاية صحية ووظائف بأجور عادلة. يرى ساندرز أن هذه المظالم ليست عوارض منفصلة، بل أعراضًا لنظام اقتصادى وسياسى بات يتغذى على اختلال التوازن بين السلطة والمال. فى صفحات الكتاب يخصص ساندرز مساحة واسعة لانتقاد إدارة «دونالد ترامب» الثانية، التى تحولت منذ مطلع 2025 إلى ما يشبه مجلسًا للأثرياء على حد وصفه؛ فقد أحاط الرئيس نفسه بأسماء مثل «إيلون ماسك» و«جيف بيزوس» و«مارك زوكربيرج»، الذين لم يكتفوا بدور الممولين بل جلسوا على مقاعد السلطة وصاروا شركاء مباشرين فى الحكم، وهو ما يراه ساندرز تجسيدًا لعصر جديد يذوب فيه الخط الفاصل بين الدولة ورأس المال، وتدار فيه البلاد لمصلحة طبقة محدودة على حساب ملايين المواطنين. ◄ جبهات للنضال ويحذّر ساندرز أيضًا من نزعة استبدادية آخذة فى الاتساع، بدءًا من محاولات السيطرة على القضاء والتضييق على الجامعات ووسائل الإعلام، وصولًا إلى توسيع صلاحيات الرئاسة على نحو يهدد الضوابط الدستورية التى طالما شكلت ركائز الديمقراطية الأمريكية. أما نظام تمويل الحملات الانتخابية فقد بات - فى رأيه - قاطرة للأوليجاركية، حيث يشترى أصحاب النفوذ من كلا الحزبين مواقعهم عبر المال والنفوذ، بينما يزداد شعور المواطن العادى بالعجز والتهميش. لكن الكتاب لا يتوقف عند التشخيص، بل يطرح معالم خطة للمواجهة؛ فساندرز، الذى جاب ولايات حمراء وزرقاء فى جولة أسماها «جولة مكافحة الأوليجاركية»، يجمع بين ما سمعه من عمال وأساتذة وعائلات غارقة فى الديون ليحوّله إلى برنامج سياسى يضع العدالة الاقتصادية فى المقدمة، مطالبًا بأجور أفضل، وسكن، ورعاية صحية شاملة، وإصلاح نظام تمويل الانتخابات، وحماية المؤسسات الديمقراطية من محاولات الهيمنة، إلى جانب مواجهة أى نزعة سلطوية يمكن أن تهدد التوازن بين السلطات. روح الكتاب تقوم على الأمل رغم نبرته التحذيرية، فهو يؤكد أن الديمقراطية ما زالت قادرة على النهوض إذا أدرك الناس حجم الخطر ونظموا أنفسهم فى حركة جماهيرية واسعة لا تكتفى بالشكوى، بل تبنى تحالفات، وتفرض الشفافية، وتضغط عبر صناديق الاقتراع وعبر الشارع. ويذهب أبعد من ذلك بتحميل المسئولية لحزبه الديمقراطي، الذى أهمل - فى نظره - الطبقة العاملة، والاعتماد المفرط على المانحين الأثرياء، مبدّدًا فرصة الإصلاح من الداخل. أهمية الكتاب أنه يأتى فى لحظة يعتبرها ساندرز حاسمة، حيث يرى أن الوقت يضيق وأن قوى الأوليجاركية تتعاظم فى نفوذها، وأن ما كان يوصف يومًا كمخاطر مستقبلية بات واقعًا حاضرًا؛ من تآكل الأعراف الديمقراطية إلى الفجوة الطبقية المتفاقمة إلى تراجع الثقة بالمؤسسات السياسية. لذلك اختار أن يصدره فى صيغة مكثفة ورحلة دعائية واسعة الهدف منها الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، لا إلى النخب وحدها.