بالتأكيد.. لم يكن هذا ما يريده نتنياهو أو يتوقعه مجرم الحرب، بنى حساباته على أن القوة العسكرية سوف تحسم الحرب فى غزة بكل سهولة، وبأن تأييد الغرب سيظل كما هو للأبد، وأن الصمت العالمى على جرائم إسرائيل سيتواصل، والأهم أمران: أن الغضب العربى والإسلامى والدولى لن يتحول إلى فعل مهما وصل الأمر فى حرب الإبادة، وأن التأييد الأمريكى لن يتأثر مطلقا بأى ضغوط، وأنه سيظل قادرا على الانتقال من حرب إلى أخري، ومن مذبحة إلى إبادة.. متمسكا بوهم «النصر المطلق»، الذى لا يأتي، وبإشعال المزيد من الحرائق فى كل المنطقة ليظل فى الحكم ويبتعد عنه شبح السقوط الذى لا يعني - بالنسبة له - إلا الوقوع فى يد العدالة التى تطارده ليدفع ثمن جرائمه كأى مجرم حرب آخر. فى الواقع الحى كان العالم يتغير، مع صمود أسطورى لشعب فلسطين، ومع انكشاف كامل للوجه الحقيقى لإسرائيل بكل عنصريته ووحشيته. دمرت إسرائيل غزة لكنها دمرت أيضا صورتها الكاذبة التى خدعت بها العالم طويلا. عامان من حرب الإبادة وحصار الجوع وقتل الأطفال وإفشال كل محاولات إنهاء المذبحة الإسرائيلية لم يكن ممكنا إلا أن ينتهيا وإسرائيل وحدها فى مواجهة عالم مختلف يطلب العدل ولا يستطيع أن يواصل الصمت على جرائم إسرائيل، عالم يناصر الحق الفلسطينى ويدرك أن ما يحدث فى غزة هو عار على الإنسانية كلها لا يمكن أن يستمر. ووسط هذا كله، لم يكن ممكنا إن تظل مصالح أمريكا رهينة لدى جنون الحرب عند نتنياهو للأبد. ولم يكن ممكنا أن يتم تجاهل ما يحدث وتغييرات حتى داخل أمريكا نفسها حيث أصبحت هناك غالبية «خاصة بين الشباب» تدين سياسة إسرائيل وترفض أن تتحمل واشنطن عواقب هذه السياسات أو تتحمل عبء حروب نتنياهو. وفى النهاية جاء اقتراح الرئيس الأمريكى الذى تم التوافق على تنفيذ مرحلته الأولى بعد مفاوضات شاقة اختتمت فى «شرم الشيخ» وهى المرحلة التى تنص على إيقاف الحرب وتدفق المساعدات وبدء الانسحاب الإسرائيلى والإفراج عن الرهائن والأسري. وهو إنجاز مهم يمكن البناء عليه لكى يكون الاتفاق النهائى عادلا ومنصفا، ولكى يكون الأفق السياسى «وليس الاقتصادى فقط»، هو الأساس للسلام الحقيقى الذى يرسخ حقوق شعب فلسطين فى أرضه وحريته ودولته المستقلة التى تضم الضفة وغزة والقدس وتفتح الباب أمام حل الدولتين الذى لا بديل عنه لأمن وسلامة المنطقة كلها. لاشك أن المهمة صعبة والطريق مليء بالفخاخ وأولها وأخطرها أن نتنياهو لن يستسلم بسهولة حتى وهو يرى أن كل شيء يتغير من حوله، وأن العالم كله يقول «كفي» وأن الرئيس الأمريكى يقول له: أنك لا تستطيع أن تحارب العالم!! المهم الآن أن يستمر الضغط العربى والدولى على إسرائيل، وأن يستمر الحوار العربى مع أمريكا بثقة كاملة فى أن السلام لابد أن ينتصر فى النهاية، لكن شرط السلام هو العدل وطريقه واضح إذا توافرت الإرادة واختفى الهوس المجنون بإشعال الحروب. الطريق إلى سلام حقيقى لن يكون سهلا، ومصر قادرة - بحكم التجربة والموقع والمكانة والمسئولية - أن تواصل جهدها الذى لم ينقطع من أجل فلسطين التى تظل دائما فى قلب أمننا القومي. هام جدا أن نحافظ على كل الأوراق العربية والدولية فى هذه المعركة، وهام جدا أن نستكمل جهدنا لتوحيد الساحة الفلسطينية، والأكثر أهمية أن تكون الرؤية المصرية والعربية لإعمار غزة وتأكيد سلطة الدولة الفلسطينية على أرضها حاضرة وفاعلة لاختصار الطريق إلى السلام والاستقرار فى المنطقة. لن يستسلم نتنياهو بسهولة، لكنه بلا شك يدرك جيدا أنه سيكون وحده بالفعل إذا قرر أن يحارب العالم!