تخيل أنك تذهب إلى خياط متخصص ليصنع لك ثوبًا حسب مقاسك وذوقك تمامًا، من حيث نوع القماش، اللون، التصميم، وحتى تفاصيل الجيوب والأزرار. الآن، تخيل أن المادة الكيميائية نفسها يمكن أن تُصنع بنفس الطريقة، أى أن العلماء قادرون على «تفصيل» المواد لتؤدي وظيفة محددة، وهذه هى المعجزة التى تحققها الهياكل المعدنية العضوية، أو ما يعرف اختصارًا ب «الموف»، والتى منح مطورها جائزة نوبل في الكيمياء عام 2025. بهذا التشبيه البسيط يوضح د. محمد الكردي، وكيل جامعة زويل لشئون الدراسات العليا، والأستاذ المتخصص في علوم المواد، قيمة هذه المواد، والتي يمكن أن توصف ب «السحرية»، ذلك لإمكانية تطويعها أو تشكيلها للعديد من التطبيقات ولأغراض مختلفة. ويشرح د. الكردى كيفية تفصيل هذه المواد، موضحًا أنها تبنى من أيونات معدنية تشبه الركائز أو الأعمدة، ترتبط بجزيئات عضوية طويلة تعمل مثل الحبال التى تربط هذه الركائز معًا، والنتيجة هى إطار ثلاثى الأبعاد ملىء بتجاويف صغيرة، يمكن التحكم فى حجمها وشكلها حسب نوع المعدن والجزىء العضوي المستخدم، والذى يختلف باختلاف الوظيفة المطلوبة. ◄ اقرأ أيضًا | فوز العالم السعودي عمر ياغي بجائزة نوبل في الكيمياء ويضيف: «إذا كنت مثلًا تريد تخزين غاز معين، يمكن تصميم التجاويف لتكون مناسبة لهذا الغاز، وإذا كان الهدف امتصاص ثانى أكسيد الكربون من الهواء، يمكن تعديل الروابط لتصبح التجاويف جاذبة له، وإذا كان الهدف إيصال دواء إلى مكان محدد داخل الجسم، يمكن تصميم التجاويف بحيث تحتفظ بالدواء وتفرجه تدريجيا». وبهذه القدرة على التصميم، يقول الكردى إن «هذه المواد منحت الكيميائيين أدوات قوية لمعالجة بعض التحديات الكبرى فى العالم اليوم، مثل تنقية الهواء والماء من الملوثات، وتخزين الطاقة أو الغازات بشكل آمن وفعال، وإيصال الأدوية بدقة إلى الأهداف الصحيحة داخل الجسم». وعمل الكردى وفريقه البحثى على استخدامها فى معالجة مياه الصرف الصناعي حيث ابتكروا نوعًا منها يمكن تغيير تصميمه بسهولة، بحسب نوعية مياه القطاع الصناعى المطلوب معالجة مياهها، وحصلوا بها على براءة اختراع من مكتب براءات الاختراع المصرى. ويضيف أنه «خلال التجارب المعملية، مع مياه الصرف المحتوية على الكروم والأصباغ العضوية، أظهرت مادتهم كفاءة عالية فى معالجة المياه خلال وقت قصير للغاية (10 دقائق)، وبنسبة كفاءة تصل إلى 99 %». ولهذه المزايا الضخمة يرى الكردى أن تكريم الثلاثة العلماء الذين طوروا هذه المواد تأخر كثيرًا، مشيرًا إلى أن كلًا منهم كان له إسهام كبير، وكانت البدية مع الأسترالى ريتشارد روبسون، الذى كان أول من ابتكر الإطار البلورى الواسع التجاويف، ووضع الأساس لفكرة هذه المواد، لكنها كانت غير مستقرة فى البداية، ثم جاء سوسومو كيتاغاوا من اليابان، الذى أظهر أن هذه التجاويف يمكن أن تسمح للغازات بالدخول والخروج، وأن الهياكل يمكن أن تكون مرنة وتتفاعل مع محيطها، ما جعل الفكرة قابلة للتطبيق عمليًا، وأخيرًا، أتى العالم الأردني عمر ياغي، الذى نجح فى تثبيت الهياكل بشكل دائم، وأظهر إمكانية تعديلها حسب الحاجة لتؤدى وظائف محددة مثل تخزين الغازات أو إيصال الأدوية، ليصبح بالإمكان تصميم «مواد مفصلة حسب الطلب».