روّج له الإسرائيليون بأنه خط يستحيل العبور، وإن حاول المصريين عبوره فسوف يبيدهم، فقد صمموه ليصبح حصناً منيعاً وتفادوا في تصميمه أخطاء غيرهم، ليصبح خط بارليف أقوى من خط ماجينو، الذي تم بناءه في الحرب العالمية على يد الفرنسيين. أصبح عبور قناة السويس، واقتحام خط بارليف في حرب أكتوبر 1973 المجيدة، واحدًا من أروع الأمثلة على الإنجاز الهندسي والعسكري في التاريخ الحديث، بعدما نجحت القوات المسلحة المصرية في التغلب على مانعين استراتيجيين - مائي ورملي - كان يُعتقد أنهما "مانع منيع" ويتطلبان قوة نووية لتدميرهما. اقرأ أيضا| لحظة تاريخية | تفاصيل أسر القائد الإسرائيلي عساف ياجوري ترويج إسرائيل لخط بارليف "لن تنال عمليات العبور المصرية - إن حدثت - من قبضة إسرائيل المحكمة على خط بارليف، لأن الاستحكامات الإسرائيلية على الخط أشد منعة وأكثر تنظيمًا، ويمكن القول إنه خط منيع يستحيل اختراقه، وإننا الأقوياء إلى حد نستطيع معه الاحتفاظ به إلى الأبد".. هكذا قال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في ديسمبر عام 1969. وفي 10 أغسطس 1973 تحدث "ديان" في كلية الأركان الإسرائيلية، قائلا "إن خطوطنا المنيعة أصبحت الصخرة التي سوف تتحطم عليها عظام المصريين، وإذا حاولت مصر عبور القناة فسوف تتم إبادة مابقي من قواتها". كما قال رئيس الأركان دافيد بن إليعازر "إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري". التحدي الهندسي والعسكري للعبور كانت أبرز التحديات التى واجهت القوات المصرية، هي العائق المائي ل قناة السويس، وخط بارليف كتحصين عسكري ضخم. يتكون خط بارليف من سلسلة من التحصينات الدفاعية يتقدمها ساتر ترابي ضخم يتراوح ارتفاعه من 20 إلى 22 مترًا، صُمم بهذا الشكل ليكون عقبة لا يمكن اجتيازها. ولزيادة التحصينات نصبت إسرائيل أنابيب تحت سطح القناة لضخ مواد حارقة ك"النابالم أو الوقود" لإشعال سطح الماء وتحويل القناة ل"جحيم" في حالة محاولة تفكير المصريين في العبور. هنا سطعت العبقرية الهندسية المصرية في استخدام مضخات مياه عالية الضغط، وهي فكرة اقترحها اللواء مهندس باقي زكي يوسف، متأثرًا بتقنيات التجريف في مشروع السد العالي وحظيت فكرته بقبول كبير، وتم تجربتها علي عدة مراحل. تم تنفيذ الفكرة باستخدام، مضخات مياه صغيرة الحجم تم استيرادها سراً من ألمانيا، وقيل حينها أنها لأغراض زراعية، تم حملها على قوارب مطاطية. سحبت المضخات مياه القناة وضختها بضغط هائل على الساتر الترابي. لتنجح المضخات في فتح 88 ثغرة في الساتر الترابي خلال وقت زمني قياسي يتراوح من ساعتين ل أربع ساعات فقط، بدلاً من 12 ساعة كانت متوقعة للحلول التقليدية. هذا الإنجاز قلل بشكل كبير من الخسائر البشرية المتوقعة ومهّد الطريق لتدفق القوات. الكباري والمعديات أصبح التحدي التالي بعد فتح الثغرات، هو إنشاء كباري آمنة لنقل الموجات التالية من جنود المشاة، ثم عبور الدبابات والمعدات الثقيلة. استطاعت موجات المشاة الأولى العبور باستخدام قوارب مطاطية خفيفة في الدقائق الأولى للهجوم، لتدمير التحصينات الأولى واحتلال النقاط الحصينة "الدشم" على الخط. وتم إنشاء عدد من الجسور العائمة والكباري، حيث أقام سلاح المهندسين العسكري 10 جسور عائمة وهي بمثابة كباري ثقيلة و35 معدية تمثل كباري خفيفة، في خمسة مواقع لعبور الفرق الخمسة المهاجمة. واجه المهندسون قصفًا مكثفًا طوال الليل لتدمير الكباري، لكنهم أظهروا إصرارًا عاليًا في إصلاحها فورًا تحت النيران، وتمكنت القوات المصرية من إنشاء 5 رؤوس كبارى بعمق يصل إلى 3-4 كم شرق القناة في الساعات الأولى للقتال. التأثير النفسي لتحطيم خط بارليف صدمة كبيرة حلت علي الجنود والقادة الإسرائيليين جراء تحطيم خط بارليف حيث تهاوت معه "أسطورة الجيش الذي لا يُقهر" و"الخط الذي لا يمكن اختراقه بأعتبارة اقوي حصن منيع". ثقة عمياء كانت تغمر القيادة والجنود الإسرائيليون أشبه بالثقة المطلقة في خط بارليف ك "حصن لا يمكن اقتحامه"، معتمدين عليه كأساس لخطتهم الدفاعية. لم يساور أي من قادتهم الشك في إمكانية تدميره. ملامح يكسوها الدهشة والذعر حيث وصفت المراجع الإسرائيلية حالة الصدمة والذهول التي أصابت الجنود عند رؤية أبطال الجيش المصري، تتسلق الساتر الترابي وتتوغل في سيناء، ومع ارتفاع صيحات التكبير "الله أكبر" للجنود المصريين، لم يستوعبوا ما يرونه من سقوط بعض الحصون في الدقائق الأولى من القتال بسبب الرعب. انهارت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، واعتبرت وكالات الأنباء العالمية تخلي إسرائيل عن خط بارليف أسوأ نكسة عسكرية في تاريخها. تحطيم خط اقوي حصن في العالم "خط بارليف" أدّى إلى انهيار هيبة إسرائيل وتبخّر الغطرسة التي كانت تسود بعد نكسة 1967، وأثبت الجنود المصريين للإسرائيليين، أنهم عزيمتهم لا تعلين ولديهم القدرة على عبور المستحيل.