في خطوة تؤكد الحضور المصري الفاعل على الساحة الدولية، فازت مصر بعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وهو أحد أهم الأجهزة الرئيسية داخل المنظمة والمسؤول عن رسم سياساتها وتوجيه برامجها في مجالات التعليم والثقافة والعلوم والاتصال. يأتي هذا الفوز ليُجدد مكانة مصر كصوت عربي وإفريقي مؤثر في واحدة من أرفع المنصات الأممية، وليعكس ثقة المجتمع الدولي في قدرتها على الإسهام في صياغة مستقبل الثقافة والتعليم والتنمية المستدامة على مستوى العالم. اقرأ أيضا| يحيى الفخراني عن فوز الدكتور خالد العناني: «فوز مشرف ومكسب» يُعد الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق ومندوب مصر الدائم لدى اليونسكو، أحد أبرز الوجوه التي تمثل جيلًا جديدًا من الدبلوماسية الثقافية المصرية، التي تجمع بين العمق الأكاديمي والخبرة التنفيذية والحضور الدولي المتوازن. فخلال مسيرته، نجح العناني في أن يكون واجهة مشرفة لمصر في المحافل الدولية، إذ عرفه العالم كأستاذ جامعي ومفكر أثري صاحب رؤية حضارية متكاملة، قبل أن يتولى وزارة السياحة والآثار التي شهدت في عهده انطلاقة غير مسبوقة في مشروعات الترميم والترويج الحضاري، منها افتتاح طريق الكباش، ونقل المومياوات الملكية في احتفال عالمي، وإعادة افتتاح المتاحف الكبرى. اليوم، يواصل العناني هذا المسار لكن من بوابة العمل الدبلوماسي الدولي، حاملاً معه رسالة مصر الحضارية والإنسانية إلى العالم، ومؤكدًا أن الثقافة ليست رفاهية، بل قوة ناعمة تمثل خط الدفاع الأول عن الهوية والاستقرار. يأتي فوز مصر بهذا المقعد في لحظة فارقة تمر بها المنطقة العربية والعالم على حد سواء، فإقليميًا، يشهد الشرق الأوسط أزمات متشابكة وحروبًا تهدد الموروث الثقافي والحضاري للشعوب، ما يجعل من وجود مصر داخل المجلس التنفيذي ضرورة لحماية الهوية العربية والتراث الإنساني من محاولات الطمس والتشويه. أما عالميًا، فإن العالم يعيش حالة استقطاب متزايد بين القوى الكبرى وانقسامًا في المواقف داخل المنظمات الدولية، وهو ما يجعل الدور المصري أكثر أهمية في الحفاظ على جسور الحوار والتفاهم بين الشرق والغرب. وبهذا الفوز، تثبت القاهرة أنها لا تزال قادرة على ممارسة دبلوماسيتها المتوازنة، القائمة على الحوار لا الصدام، وعلى القوة الناعمة لا الصلبة، لتصبح نموذجًا يُحتذى في الجمع بين الدور السياسي والإنساني والثقافي. تسعى مصر من خلال هذا المقعد إلى تعزيز حضورها في ملفات جوهرية تتعلق بدعم التعليم العادل والمنصف في الدول النامية، حماية التراث العالمي من النزاعات والتغيرات المناخية، تمكين الشباب والمرأة في مجالات البحث العلمي والثقافة، لا سيما مواجهة خطاب الكراهية وتعزيز الحوار بين الثقافات. كما يُتوقع أن يكون للدكتور خالد العناني دور بارز في دفع مبادرات مصرية داخل اليونسكو تُجسّد رؤية القيادة السياسية المصرية في جعل الثقافة والتعليم أدوات للسلام والتنمية، وليس ساحات صراع أو تهميش. يحمل هذا الانتصار أكثر من دلالة أبرزهم : 1-تقدير عالمي للدور المصري التاريخي في نشر المعرفة والثقافة والتعليم في المنطقة. 2-تجديد الثقة في السياسة الخارجية المصرية التي تجمع بين الواقعية والاعتدال. 3-تأكيد نجاح الدبلوماسية المصرية متعددة المسارات، التي توازن بين التحرك السياسي، والدور الثقافي، والجهد الإنساني. إن فوز مصر بمقعد المجلس التنفيذي لليونسكو ليس مجرد إنجاز بروتوكولي، بل هو ترجمة عملية لرؤية الدولة المصرية في استعادة مكانتها الثقافية والإنسانية عالميًا، بقيادة شخصيات مؤهلة تحمل فكر الدولة وروحها الحضارية مثل الدكتور خالد العناني. في زمن الأزمات والانقسامات، تثبت القاهرة أن الدبلوماسية المصرية قادرة على صياغة صوتٍ عاقلٍ ومؤثر في العالم، وأن الثقافة ستظل دائمًا أقوى سلاح في معارك الإنسانية نحو السلام والتقدم.