يحصد الاقتصاد المصرى اليوم ثمار رحلة الإصلاح الاقتصادى التى بدأت عام 2016، بعدما نجحت الدولة فى تحقيق انخفاضات متتالية فى معدلات الفائدة، بالتوازى مع تراجع ملحوظ فى نسب التضخم، واستمرار التدفقات الاستثمارية فى قطاعات اقتصادية متعددة. هذه النتائج انعكست بوضوح على خلق فرص عمل جديدة وتحسن مستويات المعيشة وزيادة معدلات الإنتاج، فى ظل رؤية واضحة لكتابة خريطة اقتصادية جديدة تُبنى على ما تحقق من نتائج إيجابية ودروس مستفادة من تجربة الإصلاح السابقة. تسعى الحكومة إلى تعميق مسار الإصلاح الاقتصادى من خلال استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، بما يدعم الاستقرار المالى ويُحقق تنمية مستدامة قائمة على الشفافية والمسئولية المالية. ويرى خبراء الاقتصاد أن الخفض المتتالى لأسعار الفائدة يُعد مؤشرًا قويًا على استمرار تحسن معدلات التضخم، وانحسار آثار الصدمات العالمية الناتجة عن المتغيرات الجيوسياسية منذ عام 2020. رؤية متكاملة يقول الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادى، إن تجربة مصر فى الإصلاح الاقتصادى خلال السنوات العشر الماضية كانت بمثابة «روشتة شاملة» عالجت الكثير من الاختلالات المالية والنقدية، وأنتجت سياسات مرنة لمواجهة تداعيات الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. وأضاف أن البرنامج أسهم فى مواجهة التحديات الدولية، لكنه يتطلب اليوم مزيدًا من الخطوات لتوسيع قاعدة الإنتاج، وزيادة موارد الدولة من خلال تعميق الصناعة وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وأكد بدرة ضرورة أن تتضمن الخريطة الاقتصادية الجديدة محفزات لتوطين الصناعات الاستراتيجية وآليات لضمان تدفقات استثمارية تتجاوز 10 مليارات دولار سنويًا، مع تحقيق معدل نمو لا يقل عن 6٪، إلى جانب خطة لتصدير العمالة المصرية للأسواق العالمية، بما يعزز من قدرات الاقتصاد الوطنى فى مواجهة تحديات مثل الزيادة السكانية التى تصل إلى أكثر من مليونى نسمة سنويًا. مؤشرات قوية من جانبه، أشار الدكتور أحمد شوقى، الخبير الاقتصادى، إلى أن التعاون مع صندوق النقد الدولى ساعد فى معالجة الإشكاليات المالية والهيكلية، وأدى إلى القضاء على ظاهرة السوق الموازى وتحرير سعر الصرف، مما عزز من كفاءة السوق المصرفى ودعم القطاعات الإنتاجية. وأوضح شوقى أن الموازنة العامة للدولة حققت فائضًا أوليًا بعد استبعاد أعباء الدين، فيما ارتفع الناتج المحلى الإجمالى ليصل إلى نحو 14 تريليون جنيه فى العام المالى 2024/2023، مقابل 10.15 تريليون فى العام السابق، بزيادة لافتة فى معدلات النمو وفق بيانات البنك المركزى المصرى. وشدد شوقى على أهمية توجيه الاستثمارات إلى القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة ومواد البناء، باعتبارها المحرك الأساسى لخفض التضخم، مؤكدًا أن خفض الاستهلاك وحده لا يكفى فى ظل النمو السكانى المرتفع. اقرأ أيضًا | المحاسب الضريبى أشرف عبد الغنى: الإرادة السياسية للرئيس السيسى سر نجاح التيسيرات الضريبية بيئة استثمارية جاذبة وأكد الدكتور شريف فاروق، خبير العلاقات الدولية والأمن الإقليمى، أن السياسات النقدية الحالية للبنك المركزى، خصوصًا خفض أسعار الفائدة واستقرار سعر الصرف، تُحفّز رؤوس الأموال على الاستثمار، وتزيد تنافسية الصادرات، وتخفض تكاليف التمويل للمشروعات. وأشار إلى أن هذه السياسات ساعدت على تعافى الاقتصاد المصرى رغم الأزمات العالمية، ورفعت الناتج المحلى بنسبة 76٪ مقارنة بعام 2016، مع توقعات بوصوله إلى نحو 585 مليار دولار بحلول عام 2026. وأضاف فاروق أن المرحلة المقبلة تتطلب التركيز على زيادة الصادرات وتحقيق الاكتفاء الذاتى فى مجالات الإنتاج، للحفاظ على التحسن المستدام، وإدارة تحديات الدين والتضخم وتقلبات أسعار الصرف. نقطة تحول ويرى الدكتور محمد علاء الدين، الخبير الاقتصادى، أن عام 2016 كان نقطة التحول الكبرى فى تاريخ الاقتصاد المصرى، إذ كانت البلاد تعانى من أزمة نقد أجنبى وارتفاع التضخم والبطالة وضعف الشمول المالى. وأشار إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادى أعاد التوازن للسوق، وحرر سعر الصرف، وهيكل الدعم، وأعاد الثقة فى النظام المصرفى. وأضاف علاء الدين أن ثمار الإصلاح ظهرت بوضوح فى 2025، حيث ارتفعت احتياطيات النقد الأجنبى إلى أكثر من 49 مليار دولار، وتراجعت البطالة إلى نحو 7٪، فيما قفزت نسبة الشمول المالى إلى 76.3٪. كما ارتفعت الصادرات غير النفطية بنسبة تقارب 50٪ منذ عام 2016، مما أسهم فى تحسن مستويات المعيشة وفتح آفاق جديدة للشباب والنساء فى سوق العمل. وختم علاء الدين مؤكدًا أن مصر انتقلت من مرحلة «إدارة الأزمة» إلى مرحلة بناء اقتصاد قادر على المنافسة عالميًا، لكنها تحتاج فى المرحلة المقبلة إلى قفزة نوعية فى مجالات الابتكار، وتنويع الصادرات، ورفع جودة فرص العمل لضمان استدامة النمو وتحويل الأرقام إلى واقع ملموس يشعر به المواطن.