يفتح الذكاء الاصطناعي بابًا غير مسبوق أمام الأرامل الروسيات اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب الروسية الأوكرانية، ليمنحهن فرصة "اللقاء الأخير" عبر مقاطع فيديو رقمية تُعيد الجنود الراحلين إلى الحياة مؤقتًا. انتشرت هذه الظاهرة على منصات التواصل الروسية، والتي تحوّلت بسرعة إلى نقاش عالمي حول الحداد في العصر الرقمي، بعد أن كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تفاصيل مثيرة عن سوق رقمية متنامية تُعيد الموتى للحياة لثوانٍ معدودة، مقابل مبالغ مالية زهيدة. لكنها في الوقت نفسه تثير جدلاً، خاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وما خلّفته من جروح لم تندمل في المجتمعين الروسي والأوكراني. اقرأ أيضًا| فيديو| رسائل غير مباشرة.. ماذا قال ترامب للجيش الأمريكي في خطابه الأخير؟ شبح رقمي بدل الوداع الأخير في أحد المقاطع المنتشرة، يظهر رجل في بدلة زفاف فضية يقبّل عروسه، قبل أن يتحول المشهد إلى صورة له بزي عسكري يصعد درجات بيضاء نحو السماء ملوّحًا بيده، في مشهد محاكاة رقمية لضابط روسي لقي مصرعه في صيف 2022 على الجبهة الأوكرانية، حيث لجأت زوجته إلى أحد محرري الذكاء الاصطناعي لصناعة هذا الفيديو باستخدام صور زفافهما وصور قديمة له بالزي العسكري، محاولة أن تصنع لحظة وداع لم تحصل عليها أبدًا. وانتشرت على مواقع التواصل الروسية مئات المقاطع المُماثلة، تُظهر أقاربًا يودّعون أبناءهم وأزواجهم وآباءهم في مشاهد عاطفية تعيد إليهم الحياة لنحو دقيقة واحدة فقط، في مشهد محاكاة: «العيون تومض، والشفاه تتحرك، والأذرع تتشابك في عناقٍ لم يحدث في الواقع قط». ولاقت هذه الظاهرة، التي تُعرف باسم «الإحياء الرقمي»، رواجًا كبيرًا في الإنترنت الناطق بالإنجليزية خلال الصيف الماضي، لكنها في روسيا اكتسبت طابعًا أكثر قتامة بسبب ارتباطها بضحايا الحرب الروسية الأوكرانية. جدل متصاعد أثارت هذه المقاطع انتقادات حادة من أوكرانيين على وسائل التواصل، معتبرين أن تصوير الجنود الروس وهم يصعدون إلى السماء يُمجّد الحرب الروسية الأوكرانية التي قتلت آلاف الأوكرانيين أيضًا، وبينما يرى البعض أنها وسيلة لتخفيف الحزن، يراها آخرون نوعًا من تزييف الذاكرة الجماعية وتجميل المأساة. وبحسب «واشنطن بوست» الأمريكية، أصبحت هذه الظاهرة، تجارة رقمية ناشطة، فمقابل نحو 30 دولارًا فقط، يمكن لأي شخص إرسال صورة لقريبه الراحل إلى محرر على قناة تيليجرام أو على موقع «فكونتاكتي» (النسخة الروسية من فيسبوك) ليحصل على فيديو متحرك قصير، وإذا أراد أن يسمع صوته من جديد، يمكنه دفع 30 دولارًا إضافية للحصول على محاكاة صوتية تستند إلى تسجيلات قديمة، لقراءة كلمات وداع مكتوبة. شهادة أرملة روسية بالنسبة إلى يلينا كيرجيزوفا، أرملة الضابط الروسي الذي ظهر في أحد المقاطع، كان الفيديو بمثابة ختام رمزي، فقد كتبت في نعيٍ مؤثر أن جثمان زوجها لم يُعثر عليه أبدًا في ساحة المعركة، تاركًا عائلاتهم في حالة انتظار وبحث مضنٍ لأشهر طويلة، وعلى إثر ذلك، اضطرت يلينا للقيام بتحقيقات شخصية، وأجرى ابنها اختبار الحمض النووي مرتين على أمل التعرف على رفات والده. أما آنا كورابليفا، مؤسسة إحدى الصفحات على موقع فكونتاكتي، كانت أول من أدخل هذه التقنية إلى روسيا قبل عام تقريبًا، حيث بدأت الفكرة بصناعة فيديوهات لأشخاص يلتقون بأنفسهم في طفولتهم، ثم تحوّلت لاحقًا إلى خدمة موجهة لعائلات القتلى، وبعد أن نشرت أول فيديو لأخت تعانق شقيقها المتوفى، انتشر المقطع بسرعة هائلة، لتتلقى بعدها مئات الطلبات يوميًا، وصلت في ذروتها إلى 500 طلب في اليوم. وصفت كورابليفا، مشروعها بأنه نوع من «العلاج العاطفي» الذي يُساعد الناس على مواجهة الحزن، مُؤكدة أن إنتاج كل فيديو يستغرق يومين تقريبًا، ويتضمن تحسين الصور القديمة وإجراء مقابلات مع العائلات لفهم القصة الشخصية، لكنها في المقابل تواجه كمًا كبيرًا من الرسائل المؤثرة والشتائم معًا، إذ يعتبر البعض ما تقوم به مساسًا بطقوس الحداد، بينما يرى آخرون أنه فرصة للسلام الداخلي. معظم المقاطع تتبع نمطًا ثابتًا، والتي تتمثل في: «جندي يعانق أسرته ثم يصعد إلى السماء على أنغام أغنية روسية مؤثرة»، لكن بعض المشاريع تضيف عناصر رمزية مثل أجنحة الملائكة أو طيور بيضاء ترمز إلى الرحيل، ورغم أن غالبية الطلبات تأتي من أسر الجنود، فإن بعض العائلات استخدمتها لتوديع حيوانات أليفة أو أقارب مسنين. اقرأ أيضًا| بعد ربع قرن.. مبتكر نظرية العقوبات يقر بعجزها عن كبح روسيا