تستعيد مصر في هذه الأيام، واحدة من أعظم صفحات المجد والفخر في تاريخ الأمة، ذكرى انتصارات حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، التي جسدت ملحمة بطولية سطرها جنود القوات المسلحة المصرية بدمائهم الطاهرة وعزيمتهم التي لا تلين. اقرأ أيضا | على خط النار :يوميات حرب أكتوبر في السادس من أكتوبر، الموافق العاشر من رمضان، عبر أبطال الجيش المصري قناة السويس، وحطموا خط بارليف المنيع، في معركة استردت بها مصر كرامتها وأرضها، وأعادت للأمة العربية ثقتها في قدرتها على النصر، رغم كل التحديات. وتُعد ذكرى أكتوبر مناسبة وطنية خالدة، لا تقف فقط عند حدود النصر العسكري، بل هي شاهد حي على تلاحم الشعب مع جيشه، وعلى إرادة لا تنكسر، وإصرار على استعادة الأرض والكرامة، لتظل محفورة في الذاكرة، جيلاً بعد جيل. في الذكرى ال 52 من حرب أكتوبر المجيدة، لم يكن نصر أكتوبر مجرد انتصار عسكري، بل كان درسا في إدارة الذكاء والإرادة والتخطيط، حيث المفاتيح اللوجيستية، الهندسية والنفسية، والتي صنعت فارقا كبيرا يوم الحسم. 52 عاما، مرت على نصر أكتوبر، ولأن لكل معركة مفاتيحها، فإن مفاتيح حرب أكتوبر كانت استثناءً تاريخيا، فبينما كانت المدافع تقصف والطائرات تحلق، كانت هناك عقول تخطط وقلوب تؤمن بالله وتثق في نصره. . وفي هذا التقرير نستعرض 6 محاور فتحت باب النصر في أكتوبر 1973: 1- مفتاح الخداع العسكري بذكاء بالغ استطاع الجيش المصري أن يخدع العدو على كل المستويات، ولأن المعلومة كانت أخطر من الرصاصة، نشأت أهمية الخداع العسكري في هذه الحرب. وشمل الخداع العسكري، الإعلان عن تدريبات روتينية، وتنظيم دورات رياضية للعساكر، واجازات مفتوحة للضباط، وزيارات حج لآخرون. ولذلك ظل العدو غير مستعد، ويعتبر قيام الحرب من المستحيلات، خصوصا أنه شهر رمضان حيث الصيام والعبادة، حتى ساعة الصفر والتي كانت في الثانية ظهرا. 2- مفتاح الهندسة والعبقرية الميدانية "خط بارليف لا يقهر"، كانت هذه الجملة النغمة التي يكررها العدو، ويتغنى بها، غير عابئ بقدرات وذكاء الجيش المصري حتى جاء الرد من رجال "لا يعرفون المستحيل". وكانت " مضخات المياه" الفكرة البسيطة والحل السحري القاهر لخط بارليف، حيث تم فتح عشرات الثغرات في الساتر الترابي خلال ساعات قليلة، وتحول المستحيل إلى ممكن، وخط بارليف أصبح معبرا بفضل الهندسة التي أصبحت في الحرب سلاحا وليس مجرد علم. ولم تتوقف المعجزة عند ذلك، فبينما كانت المدافع تمهد للعبور، كان الجنود يفردون القوارب الخشبية والمطاطية فوق سطح المياه، ليصنعوا أول جسور العبور بأجسادهم، حيث كتبت أول سطور النصر. 3- مفتاح الإمداد والتموين من الوقود إلى الذخيرة والطعام، كانت خطوط الإمداد تعمل في صمت وانضباط، حتى تستمر هذه الحرب لأيام وليالي متواصلة دون انقطاع. وفي حرب أكتوبر، كانت خطة الإمداد المصرية واحدة من أعقد العمليات، حيث تم تجهيز شبكة متكاملة من الطرق الميدانية حتى ضفة القناة، لتأمين حركة الدبابات والذخائر والمؤن، وكانت الشاحنات تسير ليلا تحت تعتيم كامل. وفي الميدان كانت ورش الإصلاح المتحركة تصلح الدبابات، وتقوم فرق التموين الطبي بتوصيل المستلزمات الطبية للمستشفيات الميدانية. 4- مفتاح الحرب النفسية والإيمان "الله أكبر" لم يكن هتافا فقط بل كان بمثابة طلقات معنوية اخترقت جدار الخوف، في قلوب الجنود الصائمين، حيث كان شهر رمضان المبارك، وكانت تلك الصرخة الموحدة تمنحهم طاقة مضاعفة وثقة لا تهتز، حيث آمن الجنود بأن القوة الحقيقة ليست في السلاح والتكنولوجيا وحدهما، بل في الإيمان بالبلد وقضيته. 5- مفتاح التلاحم الشعبي لم تكن حرب أكتوبر مهمة الجيش فقط، بل كانت معركة الوطن بأكمله، بداية من النساء اللاتي تبرعن بالذهب والدم، وحتى عمال المصانع الذين ضاعفوا الإنتاج، مرورا بالفلاحين الذين حملوا الغذاء للجبهة. كان كل بيت مصري خندقا صغيرا، وكل مواطن جبهة دعم، فكان ذلك التلاحم الشعبي مفتاحا هاما للنصر. 6- مفتاح القرار والإرادة كان هذا المفتاح هو الأهم، حيث أدار كل المفاتيح الأخرى، فحين اجتمعت الإرادة السياسية والعسكرية والشعبية، أصبح العبور قرارا لا يمكن تأجيله وقدرا لا يمكن الفرار منه. وفي الثانية ظهرا، حيث كانت ساعة الصفر، تحول القرار إلى نصر. وبذلك رسم المصريون معادلة النصر، التي مازالت صالحة في عصر الذكاء الاصطناعي، فكما انتصرت العقول في 1973، ستبقى هي السلاح الأقوى في معارك الغد.