لا تزال حرب أكتوبر تحتل مكانًا خاصًا، حميمًا فى قلب كل مصرى، ذلك اليوم الذى انتصرنا فيه على مخاوفنا الرهيبة، اقتحمنا خط بارليف المنيع، وعبرنا الهزيمة. تلك الروح المليئة بالإصرار، المتمسكة بالأمل كانت هى السر والتميمة التى منحتنا هذا المجد والنصر العظيم. لذلك أسعدنى جدا صدور كتاب «وانتصرنا» عن دار «دوّن» للطباعة والنشر يضم بين غلافيه صورًا لقصاصات الصحف والمجلات قبل وأثناء وبعد حرب أكتوبر 1973. نوستالجيا تطفو فوق صفحات الكتاب الأنيق، الجميل الذى يحكى قصة الانتصار الكبير الذى نفخر به ونتباهى أننا صناعه. كيف صنعت مصر وقائدها الرئيس محمد أنور السادات والقوات المسلحة ملحمة عسكرية لا تزال تدرس فى أكبر الجامعات ومراكز الدراسات الاستراتيجية فى العالم. الخداع الاستراتيجى المحبوك، والمحكم لاختيار ساعة الصفر، قرار الحرب وتحديد موعدها بالدقيقة والثانية بناء على حسابات وتكتيك سياسى فائق الذكاء والدهاء. الطلعة الجوية الحاسمة، القوية، بقيادة الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك التى كان لها دور كبير ومؤثر فى النصر الذى تحقق. أطالع قصاصات كتاب «وانتصرنا» فأشعر بشحنة قوية من المشاعر المختلطة، أقول لنفسى نحن المصريين صنعنا هذا النصر التاريخى فعلًا، أتذكر مع عناوين الصحف فى ذلك الوقت قبل اثنين وخمسين عامًا. استدعى ذكريات غالية وقصص بطولات مذهلة، تصنع أفلامًا عالمية، أبطالها جنود وقادة فى الجيش المصرى الباسل. وأتساءل: متى سوف تظهر هذه القصص الإنسانية على شاشة السينما المصرية؟ تقصير كبير فى حق تاريخنا أن نتباطأ، ونتكاسل كل هذا الوقت فى إنتاج أفلام تليق بحرب أكتوبر وأبطالها. الأغنيات التى جسدت الحرب والنصر كثيرة، عظيمة، وباقية حتى الآن نرددها جميعا، وتخفق قلوبنا فرحًا، شحنًا، وتأثرًا مع ألحانها وكلماتها، لكن الدراما بكل أسف لم تقم بدورها حتى الآن فى تجسيد وتوثيق نصر أكتوبر 1973. هذه الحالة المصرية الخالصة، وتلك الروح الوطنية العاشقة لتراب الوطن هى التى نحتاج إليها الآن أكثر من أى وقت مضى. صحيح أننا لا نخوض حربًا عسكرية، لكننا نواجه حروبا شتى، مختلفة فى أنواعها وأشكالها، ومن أكثر من جهة، وأكثر من دولة. وليس هناك أقوى من الدراما فى تفجير مشاعر حب الوطن والانتماء الكامنة فى قلوبنا جميعا، والتى تظهر تلقائيا وقت الخطر. فهل نجد بين صناع السينما والدراما التليفزيونية من يتحمس لإنتاج عمل بإنتاج ضخم يروى ملحمة العبور؟