استيقظت على أنغام المنبه المزعجة في الساعة الخامسة فجرا، بعد محاولات فاشلة لتجاهله، ولكنه يصر كعادته على تذكيري بأن وقت المعركة قد حان، فالأمومة ليست وردية، ومهامي لا تنتهي عند القبلات والأحضان. ولأننا في بداية السنة الدراسية، فإن مهامي تبدأ بتحضير ال«لانش بوكس»، تسللت إلى المطبخ على أطراف أصابعي، أملا في سرقة دقائق من الهدوء والسلام قبل بدء الفوضى، وفتحت الثلاجة لا بحثا عن الطعام، وإنما عن فكرة تنقذني من حيرتي اليومية. ولأن أولادي مصابون ب«الانتقائية» في الطعام، ويرفضون معظمه إلا ما رحم ربي، ويرفضون وضع البيض والبطاطس وجميع أنواع الجبن في اللانش بوكس، لأنهم يفقدون مذاقهم وحرارتهم بمرور الوقت، فتزيد حيرتي اليومية، "مطلوب أكل 5 نجوم". أمسكت باللانش بوكس وتذكرت جملة العبقري توفيق الدقن في فيلم طاقية الإخفاء «العلبة دي فيها ايه؟».. السؤال الذي يطاردني كل صباح كأنه لغز يومي. «جروبات الماميز».. أسرعت في فتحها أملا أن ينزل علي الوحي بفكرة تحضير اللانش بوكس، وياليتني ما أملت بها. فهناك مامي تقطع الخيار والجزر، وتعطي كل شريحة منهما قلب الأخرى، والثانية تحول شرائح التوست لوجوه حيوانات مبتسمة، أندهش ما المغري أن يأكل الأولاد وجه كلب مبتسم؟، أما الثالثة فتضع الموزة في حافظة خاصة على شكل موزة أيضا، تحول الحوار على تحضير اللانش بوكس إلى مسابقة فن تشكيلي. ولأن الفضول دائما يقودني إلى الكارثة، فررت من جروبات الماميز على واتساب إلى التيك توك، حيث العالم الموازي. في التيك التوك عشرات المقاطع التي تتناول تحضير اللانش بوكس، جميعهم لا يمتون للواقع بصلة، ولكنهم وسيلة للبحث عن الترند، فهناك من تضع الحمام والرز والملوخية، وأخرى تضع محشي مشكل وتضع الشوربة في زجاجة مياه، مع ابتسامة سمجة "صباح الخير يا ماميز.. صباح النشاط والإيجابية". نظرت إلى الخيارة التي طالت جلستها في يدي "إيجابية ايه وأنا عاجزة عن عمل ساندويتش لا ترفضه لجنة التذوق في بيتي"؟! في تلك اللحظة تذكرت أمي التي كانت تستيقظ فقط قبلنا بنصف ساعة، تصلي وتضع ساندوتش جبنة بيضاء، أو بيض، وآخر حلاوة طحينية، في كيس بلاستيكي يعاد استعماله على مدار العام، مع تحذير صارم بعدم فقدانه أو رميه، ومع ذلك كنا نعود من المدرسة سعداء، نطق لساني "يا بختك يا أمي فلتي من الجروبات والترندات ولعنة اللانش بوكس". قطع شرودي صوت أطفالي «مامي.. حضرتي اللانش بوكس؟»، وأمسك ابني به وقال في تلهف «العلبة دي فيها ايه؟» فابتسمت وقلت له فيها "أكل قليل وحيرة كتير، وحب أد الدنيا.. وكفاية كده يا بطل".