فى قلب باريس، وقع حادث زلزل الأوساط الدبلوماسية العالمية بالعثور على جثمان سفير جنوب إفريقيا فى فرنسا، «إيمانويل مثيثوا» ملقى من الطابق الثانى والعشرين بفندق «حياة ريجنسي»، حادث وُصف رسميًا بالغامض، لكنه يثير تساؤلات عديدة: هل كان سقوطًا عرضيًا حقًا؟ أم أن يدًا خفية امتدت لإسكات صوت أربك حسابات الاحتلال الإسرائيلى فى المحافل الدولية؟! التفاصيل الأولية زادت المشهد تعقيدًا، فالنافذة التى خرج منها السفير كانت مؤمَّنة ومغلقة بإحكام، ما يجعل فرضية السقوط العارض شبه مستحيلة، وقبل العثور على جثمانه، اختفى الدبلوماسى المخضرم فى ظروف غامضة، وسط أنباء عن رسالة مقتضبة ومقلقة بعثها لزوجته قبل أن يُغلق هاتفه نهائيًا، وبعد ساعات قليلة وجد جسده محطّمًا على الأرض، كل تلك المعطيات تجعل المشهد أقرب إلى جريمة سياسية مكتملة الأركان. أسلوب الاغتيال يذكّرنا بوقائع مشابهة شهدتها عواصم أوروبية، وهو النمط الذى ارتبط ب «بصمة» الموساد الإسرائيلى فى تصفية خصومه، وسواء ثبتت هذه الفرضية أم لا، فإن هذا التشابه يثير أسئلة مشروعة حول الجهة صاحبة المصلحة، والقدرة على تنفيذ عملية بهذه الدقة فى قلب أوروبا، وتحت أنظار أجهزة الأمن الفرنسية، خاصة أن «مثيثوا» لم يكن مجرد سفير عادي، بل من أبرز الأصوات الداعمة لبلاده فى معركتها القضائية غير المسبوقة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فضلًا عن تأثيره المباشر فى البرلمان الفرنسى والدوائر السياسية، بما فى ذلك مجموعات الضغط الساعية للاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم حل الدولتين. فى تقديرى أنها رسالة دموية مزدوجة: إلى بريتوريا كى تدفع ثمن جرأتها القانونية فى مواجهة إسرائيل، وإلى باريس وأوروبا بأن الانخراط فى مسار الاعتراف بفلسطين سيُقابل بالرصاص والدم، ورغم جسامة الواقعة، يخيّم الصمت على العواصمالغربية، فيما بدت البيانات الرسمية مقتضبة وباردة، تكشف عن ارتباك أو حتى تواطؤ ضمني! هذا الرحيل المأسوى ليس حادثًا عابرًا، بل قضية سياسية من العيار الثقيل، تمثل اختبارًا صارخًا لقدرة أوروبا على حماية سيادتها وهيبتها، والصمت إزاء هذه الجريمة يمنح القتلة رخصة مفتوحة لمواصلة الاغتيالات، ويحوّل العواصمالغربية إلى مسارح مفتوحة لعمليات تصفية الحسابات السياسية، فما جرى فى باريس لم يكن مجرد سقوط جسد من خلف نافذة محكمة الإغلاق، بل محاولة لاغتيال فكرة، وكسر صوت، وإسكات ضمير كان يصرخ فى وجه القتلة بلا هوادة، ويبقى السؤال: هل ستسمح باريس أن تتحول أرضها إلى ساحة لتصفية الحسابات الإسرائيلية؟