الفراق والموت، مشاعر مؤلمة نمر بها عندما نفقد شخصًا عزيزًا علينا.. تجربة تترك أثرًا عميقًا فى النفس، وتجعلنا نفكر فى معنى الحياة والعلاقات الإنسانية. أعلم أن الموت هو الحقيقة الوحيدة التى لا مفر منها، كل منا سيواجه هذا المصير المحتوم. لكننى أكتب عن الموت والفراق بعد أن فقدت أبى وصاحبى فى عامين.. رحلا سريعًا دون أن أودعهما وتركانى فى فراغ كبير وألم لا تُعبّر عنه الكلمات والعبارات.. ألمًا لا يُمكن وصفه، فهو يشبه الغيمة السوداء التى تحجب النور عن الحياة.. يترك أثرًا فى القلب لا يختفى بسهولة. تركنى أبى وكان رحيله بمثابة زلزال هز كيانى، كان لى الحضن الدافئ والسند الذى ألجأ إليه فى أى وقت وتعلّمت منه معنى الرجولة وتحمّل المسئولية، كان القدوة التى يُحتذى بها، والنور الذى يرشدنى إلى الطريق الصحيح. كان أبى هو كل ذلك وأكثر. كان رجلًا بمعنى الكلمة، قويًا فى مواجهة الحياة، حنونًا فى تعامله معى. كان دائمًا هناك ليستمع إلىَّ، ليقدم لى النصيحة، ليكون بجانبى فى كل الأوقات. تركنى أبى بعد أن زرع بداخلى حب الخير وصلة الرحم والتمسك بقيم أصبحت من العملات النادرة فى هذا الزمان. وقبل أن ينتهى العام الثانى لرحيل أبى لحق به صاحبى «وليد».. وكلمة «صاحب» تُقال للدلالة على الصحبة أو الرفقة، وفعلًا كنت يا وليد خير الصاحب وخير الرفيق.. «عشرة عمر» تجاوزت الربع قرن وحتى الآن أتذكر آخر كلماتنا معًا وكانت سرًا بينى وبينك.. أتذكر كيف كنت طيب القلب والروح وكيف كنت صحفيًا يخاف على مهنته ويحبها ويدافع عنها فى كل وقت.. وأشهد لك يا صاحبى بأنك كنت متسامحًا مع الجميع - حتى مع من ظلموك - وكنت تعامل الآخرين بما «أنت أهله وليس بما هم أهله». فى لحظة واحدة، تغيرت الحياة، لم أتجاوز صدمة الرحيل وما زلت أشتاق لصباح يبدأ بوجه أبى، وصوت أبى وابتسامة أبى. أشتاق لرؤية صاحبى وأن نتحدث عن حياتنا وذكريتنا ومستقبل أولادنا، لكنه الموت والفراق أهم دروس الحياة التى تجبرنا على أن نعيشها بكل ما فيها من جمال وألم.