قضية اختفاء الأسورة الذهبية النادرة للملك بسوسنس الأول من مخازن المتحف المصرى بالتحرير فجّرت عاصفة من الغضب الشعبي، وأعادت إلى الواجهة ملف حماية تراث مصر. فالأسورة، المصنوعة من الذهب والمطعمة بالعقيق والفلسبار، ليست مجرد قطعة أثرية، بل شاهدة على حضارة عمرها آلاف السنين. فكيف لقطعة بهذا الثقل التاريخى أن تختفى من أعرق المتاحف؟ كيف لمخازن أثرية تضم كنوزا لا تقدر بثمن أن تكون بلا كاميرات مراقبة أو نظام أمنى مركزى يراقب على مدار الساعة؟ وربما ما يجعل قضية الأسورة الذهبية أكثر خطورة أنها ليست الحادثة الأولى فى تاريخ المتحف المصرى بالتحرير. فمنذ افتتاحه عام 1902، تكررت وقائع الفقد والسرقة أكثر من مرة، أبرزها اختفاء 38 قطعة أثرية عام 2004 لم يسترد منها شيء، ثم جاءت أحداث ثورة يناير 2011 لتشهد أكبر عملية نهب، حيث سرق ما يقرب من 51 قطعة أثرية نادرة من بينها تماثيل لتوت عنخ آمون وإخناتون ونفرتيتي، ولم يسترد سوى عدد محدود منها. واليوم تعود الأزمة مع اختفاء الأسورة الذهبية، لتفتح جرحا قديما وتؤكد أن الخلل ليس فى حادث فردي، بل فى منظومة أمنية وإدارية مترهلة سمحت بتكرار المشهد أكثر من مرة. القضية إذن تتجاوز الأسورة نفسها لتطرح سؤالا وجوديا كيف نضمن بقاء آثارنا وحضارتنا فى متاحف بلا صيانة أو رقابة؟ المفارقة الأكبر أن الكارثة كشفت عن ثغرات لا تصدق مخازن آثار بلا كاميرات مراقبة! كيف يعقل أن تكون القطع التى لا تقدر بثمن فى حراسة جدران صامتة بلا عين تراقب؟ السؤال الذى يطرحه الشارع اليوم من هو الجانى الحقيقي؟ هل هو اللص المجهول الذى مد يده إلى الذهب، أم المنظومة التى أهملت أبسط معايير الحماية؟