نعم «حل الدولتين» بند غائب فى مبادرة الرئيس ترامب للسلام، ولم تقدم خطة واضحة لإقامة الدولة الفلسطينية، واكتفت بالإشارة إلى «مسار ذو مصداقية» مرتبط بإصلاحات داخل السلطة الفلسطينية، دون تحديد جدول زمني، ولا ضمانات ولا التزام إسرائيلى صريح، وهذا يعنى عملياً أن حل الدولتين، وهو جوهر أى تسوية عادلة، ظل مؤجلاً. ووضعت المبادرة تصورا ل «اليوم التالي»، يشمل مجلساً دولياً وعربياً يشارك فيه ممثل للسلطة الفلسطينية، وحكومة تكنوقراط مستقلة فى غزة، وقوة أمنية مشتركة تضم فلسطينيين وعرباً ومسلمين.. ويبدو هذا أفضل من استمرارالاحتلال، لكنه يصطدم بواقع صعب يتمثل فى الانقسام الفلسطينى الداخلي، ورفض نتنياهو لأى دور للسلطة الفلسطينية، وتداخلات إقليمية تجعل التنفيذ مهمة فى غاية الصعوبة. ومن ايجابيات المبادرة ما يتعلق بقضية التهجير، وتجاهلت تماماً فكرة التهجير القسري، ولم تتبنّ مشاريع سابقة مثل «ريفييرا غزة» التى روّج لها الرئيس الامريكى والاسرائيليون، وتحدثت عن بقاء الفلسطينيين فى أرضهم، وهو أمر يُحسب لها. ومن الإيجابيات أيضا إعادة الإعمار، واقترحت المبادرة خطة تمويل من الدول العربية والإسلامية، مع إشراف دولى لضمان الشفافية، وتمنح الفلسطينيين أملاً بعودة الحياة إلى غزة، لكنها فى الوقت نفسه قد تتحول إلى ورقة ضغط بيد الأطراف الكبرى إذا تعطلت البنود الأخرى. ومن أهم بنود المبادرة تصور ل «الخروج الآمن لعناصر حماس» الذين يتخلون عن السلاح مقابل عفو شامل، وتبطل الذريعة الاسرائيلية لاستمرار الحرب، وتنص على انسحاب تدريجى للقوات الإسرائيلية من غزة، والإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين بينهم محكومون بالمؤبد، مما يعنى اعترافاً ضمنياً بأن استمرار اعتقالهم لم يجلب الأمن لإسرائيل ولم يوقف المقاومة. لكن نتنياهو لا يرى فى هذه البنود إلا تهديداً لاستمراره فى الحكم، ويكشف تقرير ل «اكسيوس» جوهر الخلاف، حيث تريد الولاياتالمتحدة نزع سلاح حماس ضمن «تفاهم سياسي»، بينما نتنياهو يصرعلى «نزع قسرى» يضمن استمرار الاحتلال. احترت فى ان اجد عنوانا أفضل من «سلام يمشى على عكازين»، والمبادرة فيها نصف كوب مملوء بوعود ايجابية مثل وقف الحرب وتبادل الأسرى وإعادة الإعمار ومنع التهجير، وفيها ايضا نصف كوب فارغ لأنها لم تقترب من لبّ القضية: إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ولكن كما يقولون: «الأعرج» أفضل من «الكسيح»، ووقف اراقة الدماء افضل من استمرار المجزرة، وتخلى حماس عن السلاح أفضل من ارتداد شظاياه لصدور الفلسطينيين أنفسهم، ومبادرة ال 21 بندا لترامب افضل من تهديدات نتنياهو بمحو فلسطين من الوجود. وفى المحصلة.. تقدم المبادرة «تصوراً امريكيا» لتحقيق التوازن بين الأمن الإسرائيلى والحقوق الفلسطينية، ولكنها تتجاهل لبّ الصراع المتمثل فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يتطلب معارك دبلوماسية عربية على كافة الاصعدة.