على الهواء.. الرئيس السيسي يدعو ترامب لزيارة مصر    بقرار رئاسي: صرف حافز 1000 جنيه للمعلمين بداية من الشهر المقبل    رسميًا.. سعر الدولار بأقل من 47.50 جنيه    جامعة حلوان تكرم طلابها الفائزين في مسابقة «الطالب الأعلى إنجازًا»    الصليب الأحمر يعلن فقدان 7 من طواقمه في غزة    أردوغان: حماس مستعدة للسلام والمفاوضات    رفع الأثقال، سارة سمير تخوض منافسات وزن 77 كجم ببطولة العالم اليوم    الأرصاد تحذر من طقس غير مستقر لمدة 3 أيام.. أمطار ورياح وانخفاض ملحوظ في الحرارة    ضبط قائد دراجة كهربائية صدم سيدة وفر هاربا ببني سويف    بعد أزمة "رقم واحد يا أنصاص"، محمد رمضان يطرح أغنيته الجديدة اليوم    5 مرشحين عن دائرة إسنا يتقدمون بأوراقهم لانتخابات مجلس النواب حتى الآن    روبوت آلي وعروض القوة القتالية في حفل تخرج طلاب أكاديمية الشرطة    الخارجية الإسرائيلية: ترحيل ركاب سفن أسطول الحرية قسريا على الفور    أوكرانيا وألمانيا تبحثان تعزيز التعاون في قطاع الدفاع    بن جفير يقتحم الأقصى مجددًا وسط توتر أمني في عيد العرش اليهودي    توجيه رئاسي بإطلاق اسم الدكتور أحمد عمر هاشم على مسجد وطريق ومحطة قطار    «الشكاوى الحكومية» تتلقى 13.5 ألف شكوى واستغاثة صحية    صحيفة دنماركية تكشف تفاصيل تعاقد الأهلي مع ثوروب    السيسي يوجه بإطلاق اسم أحمد عمر هاشم على مسجد وطريق ومحطة قطار    أسعار الدواجن في مطروح اليوم    القبض على رئيس حي شرق بالإسكندرية بعد ساعات من تولي منصبه في قضية رشوة    إخلاء سبيل عصام صاصا و15 آخرين في مشاجرة ملهى ليلي بالمعادي    التعليم تُعيد المعلمين المحالين للمعاش خلال العام الدراسي الحالي إلى العمل    مصرع صغير وإصابة 3 آخرين في مشاجرة بالأسلحة النارية بسوهاج    تباين أداء مؤشرات البورصة في مستهل تعاملات الأربعاء    الرئيس السيسي مطمئنا المصريين: مفيش حد يقدر يعمل حاجة مع مصر    سفير بولندا: سعداء بفوز العناني برئاسة اليونسكو ونعتبره خبيرا عالميا    ليلى أحمد زاهر تخطف الأنظار بإطلالة كاجوال من سيارتها    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات شرق المدينة ورأس التين وجمال عبدالناصر بالإسكندرية    قافلة «حياة كريمة» تقدم خدماتها الطبية بالمجان للمواطنين بقرية صندفا ببني مزار    هيئة الدواء تستقبل وفداً لبنانياً رفيع المستوى للاطلاع على التجربة التنظيمية المصرية الرائدة    إدخال 16 شاحنة نقل مياه و5 سيارات إسعاف إماراتية من معبر رفح إلى غزة    تعاون بين جامعتي القاهرة ونيو جيزة في الدراسات العليا لطب الأسنان    إصابة 9 أشخاص في تصادم سيارتين بالطريق الحر بالقليوبية    من داخل الطائرة الانتحارية    يد - بعثة الأهلي إلى المغرب للمشاركة في بطولة إفريقيا    اليوم.. الأهلي يعود للتدريبات استعدادا لمواجهة أيجل البوروندي    8 أكتوبر 2025.. الدولار يستقر أمام الجنيه عند أدنى مستوياته خلال 16 شهرا    عروض فنية وندوات ثقافية.. احتفالات متنوعة نظمها قطاع المسرح في ذكرى النصر    ميكانيكية «الضوء» على خشبة المسرح    في ذكرى رحيله، شادي عبد السلام عبقري السينما المصرية الذي سبقه الزمن ورفض أن يساوم على التاريخ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في محافظة الأقصر    رئيس هيئة الشراء الموحد يبحث مع مستشار الرئيس للصحة الموقف التنفيذي لمشروع «المخازن الاستراتيجية»    ميناء دمياط يستقبل 30 سفينة متنوعة اليوم    دراسة تحذر: تناول علبة مشروبات غازية يوميًا يرفع خطر الإصابة بمرض كبدي خطير ب60%    وحدة أورام العيون بقصر العيني تقدم خدمات تشخيص وعلاج متكاملة بالمجان    «الاعتماد والرقابة» تستقبل وفدًا لبنانيًا للاطلاع على التجربة المصرية في تطبيق التأمين الشامل    ختام الدورة المجمعة الأولى بدورى مرتبط السلة رجال اليوم    أكسيوس: ويتكوف وكوشنر يصلان شرم الشيخ للانضمام لمفاوضات إنهاء حرب غزة    تزوجت بقصد الإنجاب عبر الحقن المجهرى دون جماع والطلاق بعده.. ما حكم الدين    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    «كنت أسير خلفه».. كيف بشر نبي الله الراحل أحمد عمر هاشم بمستقبله    ابنة أحمد راتب: أشهد الله أنك يا حبيبي تركت في الدنيا ابنة راضية عنك    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة المغرب وديًا    «تعابين متعرفش تمسكها».. 3 أبراج بارعة في الكذب    «حرام عليكم الجمهور.. ادوا للنادي حقه».. ميدو يوجه رسائل بشأن الزمالك    فيريرا يخطر أجانب الزمالك بموعد الانتظام في التدريبات تجنبا للعقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«حجز ».. كلمة أربكت سوق الكتاب فى مصر!
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 29 - 09 - 2025


أسامة فاروق
أسواق الكتب القديمة من العلامات الراسخة فى مصر، ولعلها تكون الأقدم فى المنطقة سور الأزبكية يظل الأبرز والأكثر حضوراً فى هذا العالم، كما أنه لم يعد وحده من يحتكر المشهد، بل انتشرت عبر السنوات مكتبات صغيرة، وأكشاك متناثرة، وفرشات على الأرصفة، فى القاهرة والجيزة والإسكندرية وبعض المحافظات، مما جعل سوق الكتب المسُتعملة أكثر حيوية وتنوعاً.
لكن مع الأزمة الاقتصادية، وازدهار مواقع التواصل الاجتماعي، تبدل وجه هذه التجارة بدأ الأمر بمجموعات صغيرة على فيسبوك كان هدفها الأساسى التعريف بالكتب والكتّاب وعقد الندوات، ثم تحول بعضها للنشر بعد ذلك، وبعضها الآخر كون مجموعات مغلقة لبيع الكتب القديمة والمستعملة، تزايدت الفكرة تدريجيا إلى أن وقع الانفجار الكبير: عشرات الصفحات على "فيسبوك" و"إنستجرام" وكل مواقع التواصل، صارت بمثابة منصات عرض كبرى، تسهّل عملية البيع والشراء، وتفتح المجال أمام جمهور أوسع لم يكن مُعتاداً على التردد حتى على سور الأزبكية.. "حجز" كلمة السر التى تفتح أبواب هذا العالم الآخذ فى الاتساع. كلمة سحرية تخفى وراءها عالما عجيباً وكنوزاً لا تخطر على بال. ليس عليك إلا أن تتابع هذه الصفحات وتكمن خلف شاشتك وتتحين الفرصة المناسبة لتكون الفائز بالتعليق الأول على الكتاب الذى تريد.
مكتفياً حتى بالحرف الأول من الكلمة السحرية! بعدها يصبح الكتاب ملكك، ويصلك بالاتفاق مع البائع إما عبر المقابلة الشخصية أو التوصيل حتى باب المنزل.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. مؤخراً دخل متغير جديد غير القواعد وهز الثوابت؛ فالسوق الذى بدأ ببيع الكتب القديمة والمسُتعملة فقط، أخذ فى التوسع لتعرض الصفحات أيضاً كتباً جديدة لم يمض على صدور بعضها سوى أيام! وتُباع بأسعار أقل بكثير من المكتبات ودور النشر، وتشهد بالطبع إقبالاً كبيراً. متغير أربك سوق الكتاب وفتح الباب أمام أسئلة معقدة ليس فقط عن المشروعية، والاستمرارية، والحقوق، ولكن أيضا عن حدود السوق، ونوعيات الجمهور، وأساليب التسعير.
هنا نقترب أكثر من هذا العالم؛ نرصد مساراته القديمة والجديدة، نحاور تجاره وزبائنه، نحاول أن نفهم من أين تأتى هذه الكتب، وكيف تتحرك، ودلائل الانفجار الكبير وتوابعه، وما الذى ينتظر سوق الكتاب وسط هذه المتغيرات المتسارعة..
الشاعر عبد التواب سلامة من أوائل العاملين فى مجال بيع الكتب على فيسبوك، وحقق فيه سمعة ملحوظة. لكن البداية الحقيقية كانت من الأزبكية. فى أواخر 2015، وأوائل 2016 كان قد أنهى دراسته الجامعية وبدأ رحلة البحث عن عمل.
خلال هذه الفترة لم يتوقف شغفه بالكتب، والقديم منها على وجه الخصوص، لذا استمرت رحلاته للأزبكية وسور السيدة زينب وفرشات الكتب فى شوارع القاهرة، يقول: «لا تتخيل سعادتى بهذا الطقس، ذات مرة أنفقت كل ما معى من مال على الكتب وعدت إلى منزلى سيراً على الأقدام!».
فى إحدى جولاته المتكررة للأزبكية، لاحظ أحد باعة السور تردده الدائم على المكان، وعندما عرف أنه يبحث عن عمل أيضاً بجوار شغفه بالكتب، عرض عليه الانضمام إليه، وافق عبد التواب حتى قبل أن يعرف المقابل المادي، مكتفياً بأن يحقق حلمه بالبقاء بين الكتب، عرف بعدها أنه لن يحصل سوى على 40 جنيهاً فى اليوم لكنه لم يهتم، وأكمل العمل فى الأزبكية حتى أنهى مرحلة الدراسات العليا «عرفت وقتها أنه المجال الذى أريد فعلا العمل به».
عمل بعدها فى مكتبة بالسادس من أكتوبر، متخصصة فى بيع الكتب المدرسية، أضاف إليها قسماً للكتب المسُتعملة، وعندما قرر صاحبها إغلاقها بعد فترة، تحمس هو للاحتفاظ بالمكان، كانت مغامرة خسر فيها كل ما أنفقه فى التجهيز ولم يكسب جنيهاً واحداً.
لم يحبطه التعثر وبدأ مجدداً لكن فى «وسط البلد» هذه المرة، بالتحديد فى عمارة الايموبيليا الشهيرة، جاءت الانطلاقة الفعلية من ممر صغير استأجره هناك، وكانت وسائل التواصل كلمة السر.
بدأ عبد التواب تسويق الكتب القديمة على فيسبوك، ولم يكن أحد تقريباً قد دخل هذا العالم باستثناء شخص أو اثنين، عُرف وذاع اسمه فى السوق وتوسع المشروع بعدها، فاستأجر مكاناً آخر أكبر كثيراً، وافتتح مكتبة «شراع» التى أصبحت قبلة فعلية لكل عشاق الكتب النادرة، ومحبى الغوص بين تلال الكتب والمراجع والدوريات القديمة.
فيسبوك بالنسبة لعبد التواب سوق موازية، وأشبه بنافذة لها دور حيوى فى مسألة البيع والتسويق «الغالبية تعرفنا من هناك ثم تقرر بعدها زيارة المكتبة»، الزيارة الفعلية تكشف حجم الكتب المتاحة التى لا يمكن الإحاطة بها من خلال صفحة الفيسبوك «نعرض على الصفحة نماذج محدودة مما يوجد فعلاً فى المكتبة؛ كتاب أو اثنين فى الفلسفة مثلاً، لكن فى المكتبة يوجد ما يقرب من 5 آلاف عنوان فى هذا الفرع وحده».
مصادر
رغم أن البداية كانت من الأزبكية إلا أنها ليست من مصادره للحصول على الكتب حالياً! أسأله إن كان ذلك بسبب كثرة الحديث عن الكتب المزورة المنتشرة هناك؟ يصمت قليلاً ويوجه الحديث لمنطقة أخرى، يقول: «أنا لا أحب أن أكرر جهود آخرين، لابد أن أضيف للمجال الذى أعمل به، لذا فإن ما نتميز به فعلا أن 80% من الكتب الموجودة لدينا نادرة بالمعنى الحرفي، لن تجدها فى الأزبكية أو غيرها، بالإضافة لتوفير الكتب لمن يحتاج مجموعة معينة فى تخصص محدد أو حتى كاتب بعينه».
أعود لأسأله عن المصادر فيقول إنها تختلف حسب حجم كل شخص فى السوق، بالنسبة له فمصادره متنوعة، أولها وربما أهمها المكتبات الشخصية التى يبيعها الورثة «لا نشترى بالكيلو كما يفعل البعض، بل نقيم المكتبة بقيمتها الحقيقية»، لذا يقول إنه أصبح الوجهة الأولى للراغبين فى بيع مكتباتهم، واستطاع بالفعل أن يشترى عدة مكتبات لأسماء معروفة فى الوسط الثقافى منهم: د.إمام عبد الفتاح، ود. ابتهال يونس، والعالم الأزهرى د. عبد الفتاح مكرم، بالإضافة لمكتبات قراء عاديين غير معروفين لكنهم شغوفون بالقراءة وتجميع الكتب.
ومن مصادره أيضاً تبادل الكتب، يأخذ الزائدة عن الحاجة ويمنح مكانها أخرى شريطة أن تماثلها فى القيمة.
المكتبات ودور النشر من مصادره الأساسية أيضاً، بالتحديد العناوين التى صدرت منذ فترات طويلة ولم تبع وأصبحت تملأ المخازن، وبطبيعة الحال المكتبات ودور النشر التى أنهت أعمالها وأغُلقت كدار «شرقيات» على سبيل المثال.
اشترى عبد التواب مجموعة كبيرة من كتب شرقيات، ويعتقد أن عرض إنتاجها حالياً بمثابة إعادة إحياء لدار نشر مصرية مهمة.
معضلة البدايات
الحصول على الكتب، سواء القديمة أو الجديدة، لا يبدو بهذه السهولة لمن يخطو أولى خطواته فى هذا المجال هى ما يسميه فارس محفوظ –أحد أحدث الوجوه فى عالم بيع الكتب على «فيسبوك»– ب«معضلة البدايات». فارس انضم مؤخراً لهذا العالم مدفوعاً بشغف قديم بالكتب، شغف جعله يتخلى عن دراسة الطب ويتجه إلى دراسة الأدب بجامعة القاهرة.
تعرّف على هذا العالم أولاً كقارئ، وكانت الأزبكية وجهته الأولى، إذ لم تكن فى مسقط رأسه سمالوط أى مكتبة، وكان يقطع المسافة من المنيا إلى القاهرة بانتظام للحصول على ما يريده من كتب يومها لم يكن يعرف حتى الفارق بين الكتاب الأصلى والمزور.
لاحقاً حاول فارس، بالتعاون مع إحدى دور النشر، أن يؤسس مكتبة فى بلدته، لكن المشروع تعثر بسبب شكوك الدار فى وجود قارئ حقيقى فى الصعيد، خاصة مع الالتزام ببيع الكتب بالأسعار الرسمية.
غير أن فارس كان على يقين بوجود هذا القارئ، ومن هنا ولدت فكرته: إنشاء صفحة لبيع الكتب يحقق من خلالها شغفه، ويستطيع عبرها أيضا توفير ما يحتاجه أهالى بلدته دون أن يرهقهم عناء السفر إلى القاهرة.
الكتبجية الجدد
يُعد «الاستوك» أحد المفاتيح الأساسية لنجاح أى بائع كتب على «فيسبوك» وهو صناديق الكتب التالفة أو الفائضة عن حاجة المكتبات ودور النشر، بما فى ذلك الدور غير المصرية التى وجدت فى السوق المصرى مساحة رحبة للتصريف، باعتباره الأكبر من حيث الكتلة القرائية فى المنطقة، كما يقول فارس. غير أن الوصول إلى تلك الصناديق ليس متاحاً للجميع فهو «امتياز يقتصر غالباً على المخُضرمين».
وحتى هؤلاء لم يعودوا يكتفون بالبيع المباشر، بل بدأوا ينشئون صفحات خاصة بهم على مواقع التواصل. يقول فارس: «الجيل الثالث من العائلات الكبيرة التى امتهنت تجارة الكتب، أو ما يُعرف بالكتبجية، أصبح اليوم يتولى هذه المسألة.
هؤلاء الذين تمتد مخازنهم على مساحات تعادل عمارات كاملة، يقيمون الآن مزادات عبر الإنترنت لما لديهم من نوادر تتجاوز أسعارها آلاف الجنيهات». ويضًيف: «حتى أصحاب فرشات الكتب، عندما اكتشفوا أننا نشترى منهم الكتاب بخمسين جنيها ونبيعه بمائة مثلا، دخلوا التجربة بدورهم، وأنشأوا صفحات خاصة، وأصبحوا يرفعون علينا الأسعار اليوم».
لا يتبقى لفارس الكثير بعد أن تقتنص الديناصورات الكبيرة حصتها من السوق؛ ما يتاح له غالباً هو كتب مكتبة الأسرة القديمة أو إصدارات الهيئات الرسمية، بأسعار زهيدة لا تتجاوز 10 أو 20 جنيهاً.
ومع ذلك، فإن الصبر والصدفة قد يُهديانه أحياناً «جائزة منسية»، كصناديق قديمة من مكتبة «ألف» التى أغلقت أبوابها منذ سنوات.
وبمرور الوقت، نجح فارس فى إبرام صفقات صغيرة مع ناشرين عرب يرسلون إليه صناديق الكتب الفائضة أو التى تشوبها عيوب بسيطة، يتسلمها عبر ميناءى الإسكندرية أو بورسعيد.
وأحيانا يتعاون مع آخرين فى مثل هذه الصفقات التى تشهد محتوياتها عادة إقبالاً متزايداً من القراء يصل إلى حد الشجار! يقول: «قد نشترى الكتاب الواحد من التجار بعشرة جنيهات فقط، وعندما نعرضه بخمسين يستغرب القارئ، ولا يدرك كيف حدث ذلك، فالمتابع الجيد يعرف أن سعر الكتاب العربى قد يتجاوز 400 جنيه».
يؤكد فارس أن الحصول على الكتب والتعرف على التجار ليس بالأمر السهل، فهؤلاء يتكتمون على مصادرهم بطبيعة الحال. ولم تكن الأزبكية بالنسبة له مصدراً يعتمد عليه «النسبة الأكبر من الكتب هناك مزورة، أما الكتب المسُتعملة الأصلية والنادرة فيتم الاحتفاظ بها لزبائن محددين».
ويرى أن مكسب الصفحات فى النهاية يكمن فى أن القارئ لا يطّلع على هذا الصراع الخفي، بل يكتفى بالتعامل مع الحلقة الأخيرة التى توفر له الكتاب بسعر مناسب.
ويضيف: «أكاد أجزم أن قراءنا لا يتعاملون مع المكتبات أصلاً، لأننا نوفر لهم كل ما يحتاجونه، فضلاً عن إتاحة خدمة التوصيل».
تطور طبيعى
وصول الكتب الجديدة لصفحات الكتب المسُتعملة تطور طبيعى ومسألة منطقية بالنسبة لعبد التواب، لكنه يوضح أن أغلب هذه الصفحات لا تمتلك عادة أكثر من نسخة أو نسختين على الأكثر، غالباً ما تأتى من القراء أنفسهم الراغبين فى استبدال كتب جديدة بأخرى، فتقوم الصفحات ببيعها بالوكالة عنهم.
أما بالنسبة له، فالأمر مختلف؛ إذ يراه خطوة فى إطار تطوير نشاطه بعد أن درس السوق جيداً توصّل إلى أنها تقوم على جناحين: المسُتعمل والجديد، وكان لا بد أن يشارك فى كليهما.
ولهذا كوّن مصادره الخاصة للحصول على الكتب الجديدة، منها الناشرون أنفسهم الذين وثقوا به بفضل سمعته الطيبة.
فى هذه الحالة يعقد اتفاقاتٍ معهم تضمن خصماً مناسباً له، وفى الوقت نفسه تحقق للناشر ربحاً عبر شراء كميات أكبر أو تبادل العناوين.
ويعتبر عبد التواب أن الاتفاق على الكتب الجديدة هو «المعادلة الأصعب على الإطلاق»، لأن تسعير الناشرين يرتبط بالدولار وبمعارض الخليج، وهو ما يفاقم الأزمة فى السوق المصرية.
غير أن هذه الأزمة نفسها دفعت بعض دور النشر للتفكير فى البيع الإلكترونى عبر صفحات الكتب، كمنفذ إضافى إلى جانب المعارض والمكتبات. ومع ذلك، يعلّق: «لكن الناشر لن يعطى كتابه لأى شخص».
ظهرت الكتب الجديدة على صفحة فارس مثلها مثل باقى الصفحات ففى اليوم الذى تحدثنا فيه، عرضت الصفحة 21 كتاباً، لم يكن من بينها سوى كتاب واحد مسُتعمل.
يفسّر فارس ذلك بأن التجار الكبار ينجحون بطريقة ما فى الوصول إلى هذه الكتب، حتى لو لم يعرف هو تفاصيل الطريقة بدقة.
ولضمان نصيبه، يتابع السوق عن قرب ثم يعقد اتفاقات مع بعض التجار للحصول على كامل الكمية التى بحوزتهم، بما يضمن ثقتهم به فى المستقبل.
وأحياناً يستفيد من جهل بعضهم بقيمة ما يمتلكون، كما حدث مؤخراً حين اتصل به أحدهم ليسأله إن كان يرغب فى الحصول على «كتالوج أم كلثوم»، ليكتشف فارس أنه يقصد الكتاب التذكارى أو الطبعة الفاخرة التى أصدرتها دار ديوان مؤخراً من كتاب «أم كلثوم من الميلاد إلى الأسطورة» للكاتب حسن عبد الموجود!
سرقة
لم يغب الأمر بطبيعة الحال عن «ديوان» فبحسب ما أوضح مديرها التنفيذى الروائى أحمد القرملاوي، فإن الدار تتحرك حالياً بشكل قانونى تجاه مسألة تسريب كتبها الجديدة وبيعها عبر صفحات الكتب المسُتعملة، لكنه فضّل عدم الكشف عن تفاصيل الخطوات، مؤكداً أنه لن يوجه أصابع الاتهام إلى أحد فى الوقت الراهن، حتى وإن كانت لديه المعلومات.
ويعتبر القرملاوى أن سوق الكتب المسُتعملة فى مصر قديماً وراسخاً، وجزء مهم من المشهد الثقافى الواسع، بدءاً من فرشات الكتب إلى المكتبات ومعرض القاهرة الدولى للكتاب ويشير إلى أن ديوان كانت من أوائل المكتبات فى مصر وربما فى الوطن العربى التى خاضت هذه التجربة.
فمنذ نحو عشرين عاماً أطلقت مبادرة تتيح للقارئ إعادة الكتاب الذى اشتراه بعد قراءته، ليُعرض فى قسم خاص بالكتب المسُتعملة، ويُمنح القارئ فرصة شراء كتاب آخر بسعر مخفض، فى نظام أشبه بالاستعارة لكن بطريقة مختلفة. لذا فإن ما يجرى اليوم عبر الإنترنت لا يضيف جديداً بالنسبة له «ربما فقط يعكس حاجة القارئ إلى الكتاب بسعر أقل».
لكنه يبدى تحفظه الشديد على بيع الكتب الجديدة عبر صفحات فيسبوك، مؤكداً بوضوح أن هذه الظاهرة لا يمكن وصفها إلا بأنها جريمة: «هذه الكتب مسروقة، ولا مسمى آخر لها».
يتفق شريف بكر مدير دار «العربي» مع القرملاوى فى أن غالبية الكتب الجديدة المعروضة على صفحات فيسبوك ليست سوى نسخ مسروقة أو مزورة.
ويشرح أن التسريب قد يحدث من المخازن أو عبر الطبعات التالفة فى المطابع: «الناشر قد يفرغ مخزونه من الكتب القديمة أو غير المبيعة، لكن من غير المنطقى أن يبيع كتبه الجديدة لصفحات المسُتعمل.
أما الاستوك فعادة ُيباع فقط لتجار كتب، أو حتى لتجار الكرتون لتوفير مساحة فى المخازن».
ويضيف أنه باع بالفعل بعض الصناديق لتجار الكرتون، حيث تُفرم الكتب وتتحول إلى عجينة ورق ُيعاد تصنيعها، لكنه يعترف فى الوقت نفسه بأنه لا يستطيع ضمان ما يفعله التاجر لاحقاً؛ فقد يحتفظ بالكتب أو يبيعها بشكل منفرد لتظهر لاحقاً على صفحات بيع الكتب.
بشكل عام، يقدّر شريف أن نحو ٪98 من الكتب الجديدة المعروضة على هذه الصفحات مزورة. ويشرح الأمر ببساطة: المزورون القدامى توسعوا وتبنوا التجارة الإلكترونية التى ربما لم يدركها الناشرون أنفسهم بالقدر الكافي.
وبعد أن كانوا يعتمدون على زبائن المصادفة أمام الأكشاك والفرشات، أصبح بإمكانهم الآن الوصول بسهولة إلى مختلف المحافظات، بل والاتجار فى الكتب الأجنبية باهظة الثمن وبيعها بأسعار زهيدة لأنهم لا يتحملون أى تكلفة حقيقية.
ويرى شريف أن الأجيال الجديدة من هؤلاء الباعة أكثر تقدماً من آبائهم، حتى فى أساليب التحايل.
فالبائع قد يشترى نسخاً أصلية محدودة من كتاب ما ويحتفظ بالفاتورة، ثم يبيع بجانبها نسخاً مزورة، بحيث إذا تعرض لمساءلة قانونية يبرز الفاتورة! وعلى فيسبوك تحديداً، تُستخدم الصفحات كوسيلة عرض فقط، بينما تتم المعاملات المالية خارجها، وهو ما تحاول الجهات الرسمية حالياً تقنينه كما يقول.
وعن دور اتحاد الناشرين، يجيب شريف ساخراً: «وهل أنهى الاتحاد مشكلة المزور حتى يناقش المسُتعمل؟! نحن الآن نصّدر الكتاب المزور للخارج! المزورون فهموا اللعبة جيداً، وبعضهم يواصل البيع حتى بعد صدور أحكام قضائية ضدهم، بضمان الحكم نفسه! كان الأجدى أن يكون لكل كتاب قضية منفصلة، لا أن تُوضع جميع الكتب فى قضية واحدة».
ويلفت شريف النظر إلى نقطة مهمة ربما تكون العامل الأساسى فى نجاح هذا العالم، فالسوق كما يقول لا يعمل بالمعلومات الكاملة، بل يقوم أساساً على غياب المعرفة: «ليس كل القراء على دراية بما يحدث فى كواليس النشر أو بتفاصيل الطبعات والأسعار. ما يهم القارئ أنه يرى أمامه، وهو جالس فى مكانه، عرضاً يبدو مربحاً لا يستطيع مقاومته».
الرابح الأكبر
يبدو القارئ بالفعل الفائز الأكبر من الصراع الدائر لكن وإن غابت التفاصيل عن البعض فإنها حاضرة لدى كثير من متابعى هذا العالم. عبد الرحمن نصر، وهو من المتابعين الجيدين لمستجدات الوسط الثقافي، يعترف أن الفكرة كانت غريبة عليه فى البداية، خصوصاً أنه يعيش خارج القاهرة حيث تتركز أغلب المكتبات.
لكن ظهور هذه الصفحات مع خدمات الشحن جعل الأمر أكثر سهولة، فصار يحصل على الكتب التى يريدها دون عناء السفر. ويؤكد عبد الرحمن أن الأزمة الاقتصادية وتذبذب سعر العملة زادا من صعوبة شراء الكتب الجديدة، خاصة الأجنبية المستوردة، الأمر الذى جعل سوق الكتب المسُتعملة خياراً وسطاً بين النسخ الباهظة والنسخ المزوّرة، يقول: «توفر مجموعات الكتب المسُتعملة بديلاً أكثر نزاهة وأقرب إلى متناول القارئ الباحث عن النسخة الشرعية دون أن يرهقه ثمنها».
وفى رأيه، الميزة الأهم أن هذه المجموعات تُدار غالباً من قراء تحوّل شغفهم بالكتب إلى مشروع شخصي، مما يضفى على العلاقة بين البائع والمشترى قدراً كبيراً من الثقة.
الكاتبة هبة عبد العليم انتبهت مبكراً لظهور إصداراتٍ جديدة على صفحات المسُتعمل، بعضها مختوم بعبارة «كتب توالف» رغم أنها فى حالة ممتازة، بالإضافة لكتب حديثة من ديوان والشروق والكتب خان.
أثار هذا لديها تساؤلات حول مصدر هذه الكتب. بخلاف ذلك وجدت هبة فى هذه الصفحات حلاً عملياً لمواجهة غلاء الأسعار. تقول إنها تتابعها بشكل يومى تقريباً، وتصف تجربتها معها ب«الممتازة»، إذ حصلت على كتب جديدة ونادرة بنصف سعرها تقريباً.
وتشير إلى أن الأمانة عنصر أساسى فى هذه التجربة، حيث يحرص الباعة على توضيح حالة الكتاب بدقة، بل يعلن بعضهم صراحة إن كانت النسخة غير أصلية. وبالمقارنة مع سور الأزبكية، ترى هبة أن الشراء عبر الصفحات أكثر تنظيمًا وسهولة: صور واضحة، أسعار ُمعلنة، وطرق شحن مُيسرة.
أما الكاتب محمد عبد الرازق فيتابع هذه الصفحات منذ بداياتها، ويرى أنها ساهمت فى كسر مركزية سور الأزبكية وإيصال الكتب إلى مناطق متعددة. ويشير إلى أن بعض باعة الأزبكية أنفسهم تبنوا التجربة، وهو ما يعده أمراً إيجابياً لأنه يوسع دائرة القراءة.
فى نظره، هذه الصفحات شجعت قراء «خاملين» كانوا يُحجمون عن شراء الكتب لصعوبة الحصول عليها، فصاروا يكونون حالياً مكتبات شخصية صغيرة. ويتصور محمد أن هذه المبادرات يمكن أن تتطور مستقبلًا إلى معرض كبير للكتب المسُتعملة يوازى معرض القاهرة الدولى للكتاب.
الكاتب شكرى سلامة هو الآخر خاض التجربة منذ ثلاث سنوات بعد أن كان يعتمد على الأزبكية ومعارض الكتب.
يصف المجموعات بأنها أكثر انتظاماً من الأسواق التقليدية، وبأنها تتيح عروضاً مستمرة وأسعاراً تنافسية.
وهو لا يرى غضاضة فى اقتناء كتاب مستعمل، بل يجد فيه شيئاً من الحميمية، لأن قارئاً سابق ترك بصمته فيه. ويضيف: التجار الذين يديرون هذه الصفحات ليسوا غرباء عن عالم النشر، بل كثيراً ما يتعاونون مع دور نشر لتصريف المرتجعات أو الترويج لإصدارات جديدة بسعر مُخفض. وفى رأيه، تمثل هذه التجربة نموذجاً لتطور اقتصاديات العمل الحر، وقد تصبح فى المستقبل بديلاً فعلياً للمكتبات التقليدية فى تلبية احتياجات القراء.
المشروعية
بالنسبة للمكتبة، تبدو المسألة القانونية واضحة فى نظر عبد التواب.
أما الصفحات فالوضع مختلف؛ إذ لا تزال الرؤية غامضة، «وإن كنت أعتقد أنه لا يوجد حتى الآن تشريع يجرّم البيع عبر الإنترنت».
فارس بدوره لا يعرف الحدود القانونية بدقة، لكنه يوضح: «لا أقتنى ولا أبيع الكتب المزوّرة. وإذا صادفت نسخة غير أصلية داخل الصناديق أخبر المشترى بذلك صراحة».
الناحية الاقتصادية ربما تكون أحد أسباب التباس الصورة لدية، فمسألة الربح – كما يقول – لا تزال غير مستقرة، خصوصاً بالنسبة للصفحات الصغيرة التى قد تعرض نحو عشرين كتاباً فقط فى اليوم، بالكاد تكفى لتغطية مصاريف شاب فى بداية حياته، وقد يضطر أحياناً للاعتماد على دعم أسرته.
لكن الأمر يختلف كلياً مع كبار التجار.
فى حين تبدو المسألة واضحة لدى أحمد القرملاوي، فالشكل الحالى لا يختلف فى نظره كثيراً عن التزوير «الكتاب يباع بلا أى حقوق لصانعيه، وكأنه هاتف مسروق وإذا اتسع هذا العالم، فسوف يؤذى صناعة النشر بأكملها».
ويشير إلى أن السلطات تعمل حالياً على تقنين هذه المسألة، وأن الأمور ستتضح قريباً، لكنه يلفت فى الوقت نفسه إلى أن غياب الوعى لا يعفى أحداً من المسئولية: «أى نشاط تجارى لا بد أن يخضع للقانون، وهؤلاء يمارسون نشاطاً واضحاً، وبالتالى لا بد أن يخضعوا للقوانين المنظمة له».
والحقيقة أن البحث فى المسألة القانونية ليس صعباً، فهناك عشرات الأسئلة والإجابات المتداولة على الانترنت؛ صحيح أن غالبيتها تركز على البُعد الديني، لكن فى المقابل نجد مئات المواد التى تشرح القوانين بوضوح، خصوصاً ما يتعلق بضرائب البيع أونلاين فى مصر.
فمع توسع هذا القطاع وضرورة دمجه فى الاقتصاد الرسمي، أنشأت وزارة المالية ومصلحة الضرائب «وحدة التجارة الإلكترونية» لمتابعة التنفيذ وتقديم الدعم عبر الموقع الرسمى وصفحات التواصل.
ورغم أن بعض مواد الموقع قديمة وتركز فى الأغلب على صناعة المحتوى، فإنها توضّح جوهر القضية: إلزام كل من يحقق دخلاً عبر الإنترنت –سواء متاجر أو أفراداً أو صناع محتوى– بفتح ملف ضريبى وتقديم إقرار سنوى بالإيرادات والمصروفات وصافى الربح.
صفحة مصلحة الضرائب على فيسبوك أكثر متابعة وتحديثا، توضح منشوراتها أن التجارة الإلكترونية تشمل: بيع السلع المادية أو المستوردة، إضافة إلى المنتجات الرقمية مثل البرامج على سبيل المثال.
ويُلزم القانون بالتسجيل فى ضريبة القيمة المضافة عند بلوغ المبيعات 500 ألف جنيه سنوياً، أو منذ بدء النشاط فى حال التعامل بسلع وخدمات محددة.
الضرائب المفروضة ليست جديدة، بل هى نفسها ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة المطبقتان على التجارة التقليدية: «الأرباح الأقل من 15 ألف جنيه معفاة، أما الشرائح الأعلى فتخضع لضريبة تصاعدية، بينما تُفرض القيمة المضافة (14%) على المستهلك النهائى ويلتزم التاجر بتحصيلها وتوريدها. ومن يتجاوز مبيعاته نصف مليون جنيه دون تسجيل يعد متهرباً ضريبياً، مماً قد يعرّضه لعقوبات تصل إلى الحبس». ربما يتبقى التنفيذ الفعلى ليتأكد الجميع من الجدية!
المستقبل
لا تزال صفحة فارس فى بدايتها، وجمهورها محدود حتى الآن، لذلك يتبع نظاماً خاصاً لحجز الكتب: يعلن عن العناوين المتاحة، ثم يحدد ساعة معينة لبدء تلقى الحجوزات.
يفسر فارس هذه الطريقة بارتباطها بقواعد «الريتش» على فيسبوك؛ إذ يحتاج المنشور إلى قدر من التفاعل فى وقت محدد ليصل إلى أكبر عدد من المتابعين. وهو نظام تتبعه غالبية الصفحات الصغيرة، خصوصاً تلك التى لا تمتلك مخزناً أو مكتبة تعرض فيها محتواها.
ورغم بساطة الفكرة، يرى فارس أن هذه الصفحات خلقت سوقًا موازية واضحة ومحترمة، أثبتت وجود قوة شرائية ورغبة جادة لدى القراء.
حتى ان بعض المكتبات التقليدية لجأت إلى اعتماد هذه الطريقة كمنفذ إضافى لتصريف كتبها، مستفيدة من الخصومات الكبيرة التى تحصل عليها من الناشرين العرب (قد تتجاوز ٪50) وهكذا تستطيع أن تعرض الكتب عبر الجروبات بأسعار مخفضة، بينما يغطى حجم المبيعات أرباحها، وتتخلص فى الوقت نفسه من الكتب المكدسة فى المخازن.
يقول فارس: «كثافة القراء المصريين اليوم تظهر على الجروبات لا فى المكتبات، ولو أُجريت دراسة ستجد أن حضورها يتخطى المكتبات بعشرات الأضعاف».
أما عبد التواب، فيرى أن التسويق والتجارة الإلكترونية ليست مجرد تجربة عابرة، بل هى المستقبل، مشيراً إلى أن مصر تأخرت بالفعل عن دول قريبة فى هذا المضمار. وبالنسبة له، فإن أى مكتبة تتجاهل التعامل المباشر مع القارئ عبر الإنترنت ستفقد تدريجياً جزءاً كبيراً من قوتها.
ورغم كل الإشكالات المصاحبة، لا يرى شريف بكر أن تلك الصفحات تمثل خطراً مباشراً على الناشرين، طالما أن البيع يتم بشكل رسمي.
بل يذهب أبعد من ذلك بالقول إن القراءة – حتى لو عبر نسخ مزورة – تفيد السوق بشكل أو بآخر: «هذه الفوضى كلها تشير فى النهاية إلى أن هناك سوقاً واسعة، وأن هؤلاء الباعة تمكنوا من الوصول إلى شرائح أكبر من القراء».
ويضيف أن هناك دلائل أخرى على اتساع السوق، أبرزها: العدد المتزايد لزوار معرض القاهرة الدولى للكتاب، وإن كان يعترف بافتقار المجال إلى إحصاءاتٍ دقيقة وشفافة.
القرملاوى يرى أن الناشر هو الطرف الأكثر تضرراً من البيع الإلكترونى غير المُقنن، إذ لا يخسر فقط حجم مبيعاته، بل قد تتأثر سمعته أيضاً بسبب الفارق الكبير بين الأسعار.
أما الكاتب، فرغم أنه يتضرر بانخفاض عدد النسخ التى يُحاسب عليها، إلا أن خسارته أقل نسبياً.
يؤكد القرملاوى أنه ليس ضد التجارة الإلكترونية، بل يراها سوقاً موازية ضرورية، لكنه يشدد على أهمية تقنينها حتى لا تُهدر حقوق المؤلفين والناشرين. ويعوّل فى النهاية على وعى القارئ نفسه، الذى عليه أن يدرك أن اختياره شراء النسخ المقرصنة أو المسروقة ينعكس سلباً على صناعة النشر: «لو نظر القارئ من زاوية أبعد، وبعين أخلاقية، سيدرك أنه يضر بالصناعة ويقلل من جدواها الاقتصادية، ويدفعها تدريجياً نحو الانكماش أو الانصراف إلى إنتاج كتب رديئة».
الغريب أن هناك شبه إجماع بينهم جميعاً - قراء وكتاباً وناشرين - على أن صفحات الكتب المسُتعملة، مهما اتسع انتشارها، لن تلغى دور المكتبات ولا يمكنها أن تحل محلها. فالمكتبات تظل فضاءً ثقافياً يقدم أنشطة وفعالياتٍ لا يمكن أن توفرها الصفحات الافتراضية.
لكن فى المقابل، تبقى هذه الصفحات مساحة بديلة تمنح القارئ فرصة للوصول إلى نسخته من الكتاب الذى يحب بسعر يناسب إمكانياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.