تلقيت خطابًا كتب بخلجات قلب مرسِله... عامل بسيط توفى والده وترك ولدين هو الأكبر ولا يملكان أى مصدر رزق، فترك دراسته واضطر للعمل وهو فى الخامسة عشرة ليعول أمه وشقيقه الأصغر الذى صرف عليه كل دخله حتى إنه لم يتزوج ليكمل له دراسته وحصل على الدكتوراه... والآن تزوج دون أن يخبره وتنكر له وانقطع عن زيارته ولا يدرى ماذا يفعل فهو يحبه كابنه...فقلت له: لا تحزن، يومًا ما سيدفع الثمن وسيأتى إليك زاحفًا نادمًا، فقط اصبر وربك موجود. وتذكرت مكالمة تليفونية تلقيتها من سيدة منذ أكثر من عامين هاتفتنى بمكتبى وتكاد حروف كلماتها تذرف الدموع. تحكى لى عن صديقتها بأن الكرم شيمتها والعطاء بلا حدود أهم ما يميزها، تفكر بقلبها، عواطفها عنيفة، تحب كثيرًا أو تهجر ولكن لا مكان للكره بقلبها... لا تعرف من الألوان غير الأبيض والأسود ولا تعترف بهذه المساحة الرمادية فى التعامل.. كثيرًا ما لامها أصدقاؤها على تصرفاتها تجاه الآخرين وكانت تستمع إليهم مندهشة كيف يعتبون عليها الوقوف بجانب من تعرفهم بل أحيانًا تغضب منهم رافضة النصيحة الدائمة لها أن تجعل لعطائها حدودًا، وكانت لها مقولة طالما سمعتها منها، فهى كانت على يقين أنه إذا كان فى استطاعتك مد العون النفسى أو المادى للآخرين وتمتنع فإن هذا يعتبر خطيئة للإنسانية لا يغفرها الخالق والآن هى فى صدمة بعد أن اختار كل واحد منهم طريقًا وصل إليه وانفضوا من حولها... وقلت لها إنها لم تكن تتوقع هذا الجحود ممن كانت تظن أنهم قطعة من قلبها وحياتها فخذلوها وأصبحوا بالنسبة لها غرباء وعليها إعادتهم غرباء بالفعل، فهم يا عزيزتى لم يتغيروا وإنما المواقف كشفتهم وسقطت الأقنعة وكل منهم اختار مكانته بقلبها، فلتضعهم فيما اختاروه لأنفسهم ويومًا ما سيدركون مدى خسارتهم ولتحتسب كل حياتها وأعمالها عند خالقها وتعمل الخير أينما ووقتما كانت فإذا لم يكونوا أهل له فهى أهل له.