خبراء: استغلال للإنسانية بقوارب لن تصل.. ومحاولات للتشكيك فى دور مصر المحورى بين أمواج البحر الممتدة بلا نهاية، تمضى قوافل «الصمود» أو ما يُعرف ب«أساطيل الحرية»، فى مشهد يبدو إنسانيًا خالصًا، هدفه المعلن إيصال المساعدات إلى غزة وكسر الحصار الإسرائيلى المفروض على القطاع، ما يبدو فى المشهد رحلة واحدة فى اتجاه واحد، لكن فى حقيقته يخفى داخله عشرات الرحلات المتباينة، فكل قافلة تحمل أجندة تخصها، وكل مشارك على متنها يجرّ خلفه خلفية سياسية أو فكرية مختلفة، الطبيب الذى جاء ليعالج جراح الحصار، يجلس قرب ناشط يبحث عن أضواء الكاميرات، وبجواره سياسى يسعى إلى مكسب حزبى، بينما يؤدى آخر مشارك واجبًا دينيًا أو إنسانيًا بصمت. تتداخل اللغات، وتتصادم الأفكار، ويبقى البحر هو الشاهد الصامت على تنوع الوجوه والشعارات. اقرأ أيضًا| إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى لكن خلف هذه الصورة الموحدة، تتوارى حسابات أكثر تعقيدًا، فبعض الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، تحاول استغلال تلك القوافل، تركب الموجة كعادتها، وتستخدم القوارب كورقة ضغط سياسى لتوريط مصر فى مواجهة مع إسرائيل أو التشكيك فى دور مصر التاريخى الداعم للقضية الفلسطينية. فى البداية فلسطين لها حدود مع ثلاث دول عربية أخرى، من الشرق سوريا ويبلغ طول الحدود بين البلدين 76 كيلو مترًا، والأردن على حدود طولها نحو 360 كيلومترًا، ومن الشمال لبنان على حدود طولها 79 كيلومترًا، بجانب الحدود الغربية، البحر الأبيض المتوسط على ساحل طوله نحو 240 كيلومترًا، مع ذلك يوجد إصرار من جانب القوافل للمرور من خلال سيناء بدعوى أن المساعدات لا تصل من خلال المعابر الأخرى رغم أن نفس المبدأ ينطبق أيضًا على معبر رفح. اقرأ أيضًا| طارق البشبيشى الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية: الأخوات.. ربات التطرف إن صدقت دوافع ونوايا بعض المشاركين ورغبتهم فى مساعدة أهل غزة ولو بإظهار التضامن من خلال السير بالسفن فى عرض البحر، فإن البعض الآخر لديه مخططات يرغب فى تنفيذها من خلال الإبحار، فجماعة الإخوان تستغل القافلة وتحاول توظيفها واستثمارها، ما يؤكد ذلك إشراف الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين. وقد سبق وأصدر الاتحاد بيانات إدانة وهجوم على مصر كورقة ضغط حتى تسمح للقافلة بالذهاب إلى سيناء، والوصول للحدود، والذى يشغل منصب الأمين العام للاتحاد حاليًا على محمد الصلابى، الملقب بقرضاوى ليبيا ومرشد الإخوان الليبى السابق، ورئاسته على محيى الدين داغى، المعروف بدفاعه عن مبادئ حسن البنا. حمس الجزائرية جماعة الإخوان الجزائرية «حمس» حركة مجتمع السلم-، إحدى الجهات المنظمة ل«قافلة الصمود» ، أصدرت هى الأخرى عدة بيانات على صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى، تدين إيقاف القافلة فى شرق ليبيا، وتعبر عن تضامنها الكامل مع القافلة وأعضائها وتطالب بضرورة فتح الطريق أمامهم فورًا، ويعد عبد الرازق مقرى، أحد من أعلنوا الانضمام على متن أسطول الحرية، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم حمس- الإخوانية الجزائرية، والأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة حاليًا والمعروف باستضافته واحتضان بعض الشخصيات الموضوعة على قوائم الإرهاب فى كل الملتقيات المنظِمة لها مثل على الصلابى القيادى الإخوانى. ضمن المنظمين أيضًا للقافلة «سيف أبو كشك» المنسق لحركة شبكة الشباب الفلسطينى بإسبانيا، وهى حركة تابعة لمجلس مسلمى أوروبا التابع للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين، و «يحيى الصارى» جهادى الفكر، وهو عضو جمعية العلماء المسلمين بالجزائر «جناح الإخوان بالجزائر». تحليل ما سبق، وربطه بالحملة التى شنتها جماعة الإخوان ضد الدولة المصرية، يؤكد أهداف الجماعة التى نشرت المنصات والأبواق التابعة لها اتهامات وأكاذيب ضد الدولة، مثل شبكة رصد، ومزيد، والعربى الجديد، فضلًا عن صفحات تابعة للجماعة وعناصرها مثل وطن يغرد خارج السرب، والاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، بالإضافة إلى صفحات أخرى لأشخاص تابعين للجماعة ومنشوراتهم عبارة عن محاولات للتحريض ضد الدولة، مثل منشورات نظام المهداوى، التى تدعو المصريين للنزول لكسر الحصار والتظاهر ضد القيادات لا لدعم غزة، واتفقت أيضًا مع تلك المنصات أبواق الإخوان المعهودة لمساندة القافلة مثل أحمد عطوان وأسامة جاويش ومحمد الصغير وكذلك محمد ناصر، التى ترتفع بالتهليل كلما اقتربت القافلة من الحدود المصرية. اقرأ أيضًا| خالد الجندي: حرية الإنسان مع الله ليست مطلقة فى خضم كل تلك الدعوات التحريضية التى تستغل حسن النوايا، يقول عمرو فاروق، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، إن ما يُعرف ب«قافلة الصمود» لا يمكن النظر إليها باعتبارها مجرد تحرك إنسانى لدعم الشعب الفلسطينى، وإنما تأتى فى إطار مشروع متكامل يديره التنظيم الدولى لجماعة الإخوان من الخارج، وبالأخص من لندن وواشنطن، لتوظيف الإسلام السياسى فى خدمة أچندات تخدم الكيان الصهيونى. ويوضح فاروق أن الإخوان دأبوا على استغلال القوافل المتجهة إلى غزة كغطاء لجمع التبرعات والسيطرة على أموال الصدقات والزكاة فى الغرب، عبر الجاليات العربية والإسلامية، تحت شعار «دعم القضية الفلسطينية»، بينما الهدف الحقيقى هو إحراج الدولة المصرية وتشويه صورتها أمام الرأى العام العربى والدولى. ويضيف الباحث أن توقيت القافلة يأتى للضغط على الأنظمة العربية، وعلى رأسها مصر، من خلال محاولة اختراق الحدود الشرقيةبسيناء وخلق أزمات إعلامية وسياسية، حيث يتم تصوير القاهرة باعتبارها المسئولة عن إغلاق معبر رفح ومنع دخول المساعدات، فى حين أن المعبر مغلق فى الأساس من الجانب الإسرائيلى. ويؤكد فاروق أن هذه التحركات تسعى إلى صرف الأنظار عن جرائم الاحتلال فى غزة والضفة، عبر تصدير الأزمة لمصر، واتهامها بالمسئولية عن «المجاعة» ومنع العلاج، وهو ما يتماشى مع إستراتيجية التنظيم الدولى للإخوان فى تشويه الدولة المصرية وإرباكها إقليميًا. إثارة ضجة سبق وأعلنت اللجنة المنظمة للأسطول، أن نحو 70 سفينة شاركت فى التحرك، منطلقة من ميناء برشلونة الإسبانى فى 31 أغسطس الماضى، بمشاركة ناشطين ومتطوعين من 44 دولة، فى ظل تهديدات الاحتلال. وفى هذا السياق يؤكد د. أيمن سمير، خبير العلاقات الدولية، أن ما يُعرف ب«أساطيل الحرية» أو «قوافل فك الحصار» على غزة، لن تنجح فى الوصول إلى القطاع سواء عبر البحر أو البر، موضحًا أن إسرائيل سبق أن اعترضت سفنًا مماثلة مثل سفينة «مرمرة»، وقتلت عددًا من المتضامنين على متنها. ويضيف سمير، أن معبر رفح مغلق من الجانب الفلسطينى منذ مايو 2024، بينما يظل مفتوحًا من الجانب المصرى، وبالتالى فإن أى محاولة لاقتحام المعبر من الجهة المصرية تمثل مغامرة قد تعرض أصحابها لمواجهة مع إسرائيل، تصل إلى حد استهدافهم عسكريًا. وقال: «إذا حاول هؤلاء العبور بالقوة من معبر رفح، فإن الهدف الحقيقى سيكون إحراج مصر سياسيًا، والترويج إعلاميًا بأنهم قُتلوا أثناء دخولهم من الجانب المصرى». ويشير إلى أن الشعب الفلسطينى يحتاج إلى دعم حقيقى وفعلى، وهو ما تقوم به مصر منذ اندلاع الحرب، لافتًا إلى أن القاهرة أدخلت أكثر من 70% من إجمالى المساعدات الإنسانية والطبية التى وصلت إلى قطاع غزة خلال العامين الماضيين، سواء عبر المؤسسات الرسمية أو من خلال الهلال الأحمر المصرى والتحالف الأهلى المصرى. ويتابع: «مصر لم تكتف بإدخال المساعدات، بل استقبلت الجرحى وعائلاتهم للعلاج فى أفضل المستشفيات، كما شاركت مع دول أخرى فى إسقاط المساعدات جوًا عندما تعذر إدخالها برًا، هذا بالإضافة إلى إطلاق خطة لإعادة الإعمار تضمن التعافى المبكر للقطاع، وتمنع أى محاولات لتهجير سكانه». ويضيف أن مصر لا تتدخل فى قرارات أو مواقف الدول الأخرى إذا أرادت إرسال سفن أو قوافل تحت عنوان مساعدة الشعب الفلسطينى. وقال: «مصر لا تمانع فى أى جهد من أى طرف يريد مساندة الفلسطينيين، بل على العكس، تدعم كل المبادرات التى تخفف من معاناة أهالى القطاع». ويوضح أن القاهرة لا تكتفى بدورها المباشر فى إدخال المساعدات، بل تقوم أيضًا بإعداد وتجهيز المساعدات القادمة من الدول الأخرى، حيث تتولى تخزينها وإعادة شحنها لتصل إلى قطاع غزة فى التوقيت والمكان المناسبين، بما يضمن وصولها إلى مستحقيها بشكل آمن وفعّال. ويؤكد أن جماعة الإخوان اعتادت استهداف وتشويه الدور المصرى، وأنها ستواصل محاولاتها خلال الفترة المقبلة دون توقف. وقال: «هذه المحاولات باتت مكشوفة للجميع، ولم تعد تخدع أحدًا»، موضحًا أن ما تقوم به الجماعة من تحركات، مثل تنظيم وقفات أمام السفارات المصرية فى الخارج، يدخل فى إطار مخطط ممنهج يستهدف مصر بالأساس. مزايدة مغلوطة العديد من المسميات خلف الرايات المرفوعة لكن الهدف المعلن لها غير قابل للوصول إليه ،هكذا تقول د. إيمان زهران، أستاذة العلوم السياسية، إن هناك العديد من علامات الاستفهام التى تلحق بالمرور البرى لما يُعرف ب«أسطول الحرية» أو «قوافل الصمود» أو «أسطول كسر الحصار» وغيرها من المسميات المختلفة، والتى تنتهى جميعها إلى سردية حقوقية ظاهرها كسر الحصار الإسرائيلى المفروض على قطاع غزة. وتضيف زهران أن الواقع يثبت أن هناك تجارب فعلية لأساطيل تحركت عبر البحر، مثل «السفينة مادلين» التى لم يُسمح لها من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلى بالوصول إلى قطاع غزة، وكذلك «أسطول تحالف الحرية» الذى تعرض لهجوم بطائرات مسيرة قبالة سواحل مالطا فى المياه الدولية، وبرغم ذلك، فإن البروباجندا الرائجة حاليًا تركز على الممر البرى عبر معبر رفح. وتتابع أستاذة العلوم السياسية حديثها بأن الأمر تجاوز محاولة الإحراج السياسى إلى ما هو أبعد من ذلك، كونه أقرب إلى مخطط مدفوع بأجندات خارجية لإحداث أعمال تخريبية وفوضوية داخل مصر، على نحو يصعب معه السيطرة الأمنية، فى مقابل العمل على إضعاف التأمينات الحدودية على الجبهة الشرقية. وتوضح زهران أن هناك العديد من السيناريوهات المطروحة فى هذا الإطار، من بينها الدفع لتنفيذ مخطط تهجير أهالى غزة عبر معبر رفح المصرى، وهو ما ترفضه الدولة المصرية جملة وتفصيلًا، أو محاولة إدخال عناصر مرفوضة أمنيًا بما يعيد إلى الأذهان سيناريو «اقتحام السجون»، أو حتى الزج بمصر فى أتون الحرب الدائرة بالمنطقة، وهو ما ظهر بوضوح فى الانتهاكات الأخيرة وتوجيه هجمات لدولة قطر برغم جهودها فى الوساطة إلى جانب القاهرة. وتختتم د. إيمان زهران تصريحاتها قائلة إن المشاركين فى تلك القوافل لا يلتزمون بإجراءات الحصول على تأشيرات مسبقة، فضلًا عن أن الأعداد الكبيرة غير معروفة الانتماءات والتوجهات تمثل عبئًا أمنيًا جسيمًا على الدولة المصرية، خاصة فى توقيت ضاغط إقليميًا وداخليًا، مع ما يصاحب ذلك من ضغط إعلامى وتعبئة للرأى العام ضد مصر لإرغامها على السماح لتلك القوافل والأساطيل بالمرور عبر أراضيها لمسافة تتجاوز 700 كيلومتر من غربها إلى شرقها، وهو ما يضع أعباء ضخمة على الأجهزة الأمنية فى وقت بالغ الاضطراب والتوتر. دور مصر بالأرقام فى دعم غزة 40 قافلة إغاثية مصرية 35000 شاحنة محمّلة بالغذاء والوقود والأدوية 2978 عملية جراحية كبرى أُجريت 550000 طن مساعدات من مصر إلى غزة 18109 جرعات تطعيم قُدّمت للمواطنين