الزواج لم يكن فقط عقدا بين طرفين أمام موثق رسمي – المأذون – وإنما هو رابطة مقدسة ودينية وروحية تجمع بين الزوجين في علاقة قائمة على المودة والرحمة والاحترام المتبادل، فهو من أهم الروابط الإنسانية والاجتماعية التي تقوم على المشاركة والدعم المتبادل بين الزوجين. وفي الوقت نفسه، ولكن أحيانًا يُعد المرض النفسي من التحديات الصحية التي قد تؤثر على تفكير الفرد ومشاعره وسلوكه، وبالتالي قد ينعكس على حياته الأسرية والاجتماعية، وعندما يجتمع المرض النفسي مع الزواج، تظهر أسئلة مهمة حول مدى تأثيره على استقرار العلاقة الزوجية، وطرق التكيّف والدعم، ودور كل طرف في مواجهة هذه التحديات، ولأنها قضية خطيرة ومثارة وبشهادة بعض المحامين المتخصصين في قضايا الأسرة؛ أن نسبة لا يستهان بها من قضايا الطلاق خاصة الخلع اصبح تشهدها محاكم الأسرة والسبب هنا أن الزوج مصاب بمرض نفسي لم تكتشفه الزوجة إلا بعد سنوات من الزواج، كان ضروريًا أن يكون هذا الحوار مع أحد أساتذة الطب النفسي، وهو الدكتور إبراهيم مجدي. في البداية يقول الدكتور إبراهيم مجدي: أعتقد أن نسبة كبيرة من الأطباء النفسيين شاهدوا فيلم «عقل جميل» (بالإنجليزية: A Beautiful Mind ) هو فيلم أمريكي ظهر في عام 2001 عن قصة حياة جون فوربس ناش الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وحصد الفيلم العديد من جوائز الأوسكار. الفيلم يتناول قصة جون ناش الذي يصاب بالفصام الذهاني الذي يجعله يعتقد أنه مكلف من سي أي ايه (المخابرات الامريكية) بفك رموز وشفرات، لم يشغلني كما شغل النقاد والأطباء النفسيين أن الفيلم صور (الفصام الذهاني) schizophrenia بشكل صحيح أم لا لكن ما شغلني هو كيف كانت زوجة جون ناش تتعامل معه أثناء مرضه النفسي، كيف تحملته وتفهمت طبيعة مرضه وانتكاسات المرض وأشرفت على تلقيه العلاج ثم ذهبت معه لعمله في الجامعة تسانده وتنتظره بعد انتهائه من المحاضرات، كسرت هذه العلاقة الانسانية الراقية حدة الفيلم وأكسبته بعض الرومانسية. ناش أثناء إلقاء خطاب القبول أمام جمهور جائزة نوبل خلال الحفل، قال: لقد كنت أؤمن دائمًا بالأرقام وفي المعادلات والمنطق والعقل ولكن بعد عمر هذه المساعي أسأل ما هو المنطق حقًا؟ من يقرر السبب؟ لقد أخذني بحثي إلى المادي والميتافيزيقي والوهمي والعودة، لقد حققت الاكتشاف الأكثر أهمية في حياتي المهنية- أهم اكتشاف في حياتي، ثم ينظر إلى زوجته الجالسة في الاحتفال موجهًا كلماته لها: لا يمكن العثور على أي منطق أو أسباب في معادلات الحب الغامضة. أنا هنا فقط الليلة بسببك. - اسأل الدكتور إبراهيم مجدى: لكن هل يحدث ذلك في الواقع عندما تكتشف الزوجة إصابة زوجها بمرض نفسي صعب كالفصام الذهني؟! سأتكلم من خلال الدراسات بجانب خبرتي العملية؛ لأن الدراسات أغلبها أجريت في الغرب في أوروبا والولايات المتحدة، العلاقة بين الزواج والمرض العقلي معقدة للغاية وهذه المسألة عادة ما تنشأ في الأمراض الذهانية، عادة ما يشخص الذهان في سن المراهقة المتأخرة والبلوغ المبكر. أو في الوقت من العمر الذي يتخذ فيه قرار الزواج، ومسألة ما إذا كان الزواج أو لا، وما إذا كان الزواج سيؤدي إلى تحسن أو تدهور في الذهان يواجه على قدم المساواة من قبل المرضى وأفراد أسرهم، وعلاج الأطباء النفسيين، ترتبط الاضطرابات العقلية ومشكلات الزواج ارتباطًا وثيقًا على الرغم من وجود جدل حول هذا التسلسل. في المجتمعات الشرقية مثل الهند، الاعتقاد بأن الزواج يمكن أن يشفي من الأمراض العقلية سائد جدا، وفي المجتمعات الغربية مثل أوروبا يمكن أن يكون الزواج بمثابة حدث حياة مرهق ويعجل ببدء أو انتكاسة المرض العقلي، ويمكن أن يؤدي سوء التكيف الزوجي أيضًا إلى ظهور أعراض المرض العقلي أو انتكاسه. ويتابع دكتور إبراهيم مجدي قائلا: المجتمعات الغربية تعتمد على البحث والدراسة وليس المعتقدات، وبما أننا من المفترض أن نشجع العلم والبحث نذكر للمريض وأهله هذه النقطة؛ أن الزواج ليس أمرًا هينًا وأن من الضرورة إبلاغ شريكك في الحياة بطبيعية مرضك النفسي. - تخفي كثير من الأسر إصابة أبنائهم بمرض نفسي وترفض كثير من الفتيات الارتباط بمريض نفسي، هنا السؤال يطرح نفسه ماذا يحدث عند الإخفاء و يتم الزواج؟ الإجابة إن عادة ما تحدث مشكلات او كوارث خاصة إذا كان الزوج مصابا بضلالات الشك والخيانة والغيرة و تزداد هذه الضلالات عند التوقف عن العلاج او سوء استخدام المخدرات كالحشيش والمخدرات التخليقية و الكحول، وهذا ما تذكره مراجع في الطب النفسي الشرعي، يُعرف وهم «الخيانة الزوجية»، المعروف أيضًا باسم متلازمة عطيل؛ بأنه اعتقاد راسخ وزائف لا أساس له من الصحة بأن الشريك العاطفي يخون، حتى في غياب أي دليل يدعمه، غالبًا ما ترتبط هذه الحالة بسلوكيات خطيرة كالعنف أو الانتحار، وقد تكون عرضًا لمرض نفسي كامن، أو تعاطي مواد مخدرة (خاصةً الكحول)، أو حتى تلف في الدماغ، يُقيّم أطباء الطب النفسي الشرعي الأفراد المصابين بهذا الوهم، خاصةً عند تعاملهم مع النظام القانوني، لتحديد حالتهم النفسية، وتقييم خطر الأذى، وتقديم آراء الخبراء للإجراءات القانونية. - إذا هنا يوجد شق قانوني جنائي متعلق بإخفاء الأهل مرض الابن الذي يمكن أن يؤدي إلي جريمة تنتهي بالعنف الشديد او القتل؟! يتدخل الأطباء النفسيون الشرعيون عندما تكون للغيرة الوهمية عواقب قانونية، مثل: - المسئولية الجنائية: تحديد ما إذا كانت الحالة النفسية للفرد، بما في ذلك وهم الخيانة الزوجية، تؤثر على مسئوليته عن الجريمة. - تقييم المخاطر: وهي احتمالية العنف أو الأذى المستقبلي للشريك أو الآخرين. - شهادة الخبير: تقديم آراء متخصصة للمحكمة بشأن الحالة النفسية للمريض وقدرته. العوامل المصاحبة هي: الاضطرابات النفسية الكامنة:قد تكون الغيرة الوهمية عرضًا لحالات أخرى، مثل اضطراب الوهم، أو قد تصاحب حالات مثل الفصام أو اضطراب الشخصية الحدية. - تعاطي المخدرات: يُعد تعاطي الكحول المزمن عامل خطر كبير، ويمكن أن يُسبب تلفًا في الدماغ تؤدي إلى هذه الحالة بتطور الغيرة الوهمية. و للأسف صفحات الحوادث أصبحت ممتلئة بنوعية هذه الجرائم التي تنكشف اسبابها بعد ذلك ويضطر الاهل الكشف عن مرض الابن لكي لا تقع عليه المسئولية الجنائية لكن للأسف في أغلب الأحيان لا يقتنع المحقق والقاضي بهذه الدوافع. في نفس الوقت يحدث العكس والبعض يقرر المجازفة والتضحية والقبول وتحمل تبعات المرض ورأيت نماذج مشابه للفيلم، نموذج زوجة المريض التي تساهم في شفاء زوجها وتضبط له مواعيد أخذ الدواء وتأخذ له الإجازات من عمله وتبذل الغالي والنفيس لكي تحافظ على شكله أمام أهله والمجتمع. في كل الاحوال الحل هو المصارحة والإفصاح والالتزام بالعلاج الدوائي والعلاج السلوكي المعرفي، فهذا أهم من وهم وصمة المجتمع. اقرأ أيضا: ممنوعون من الزواج.. ماذا قال رجال الدين والطب النفسي والقانون؟