■ كتب: حسن حافظ عندما تنظر إلى جامع أحمد بن طولون بحي السيدة زينب تتملكك الرهبة بسبب مساحته الضخمة، ومئذنته الغريبة الفريدة، وأسواره التي تجعلك تشعر وكأنك أمام حصن، وسلالمه الداخلية التي تنقلك إلى صحن الجامع الفسيح بالقبة البديعة التي تتوسطه والأروقة الأربعة التي تحيط به، فهنا تلتقى بفنون مضى عليها أكثر من 1100 عام. هذا الأثر نادر المثال يعود إلى عصر الدولة الطولونية، ويقف بكل عظمة تعبيرًا عن العمارة الإسلامية التى تفوقت على معالم بغداد العباسية، فالجامع رغم بساطة زخرفته وتعاقب الحقب والأزمان عليه تاركة علاماتها على جدرانه، إلا أنه يظل صامدًا ويقف فى شموخ كأحد أبرز معالم القاهرة الإسلامية، وتحفة من تحف العمارة الإسلامية فى العالم. منشئ الجامع هو الأمير أحمد بن طولون (حكم 254- 270ه/ 868- 884م)، مؤسس الدولة الطولونية؛ أول دولة مستقلة فى مصر الإسلامية بحسب ما يقول شريف هاشم الباحث الأثري، الذى يتابع: «تمتعت البلاد في عهده بالرخاء والازدهار، واستطاع بناء إمبراطورية قاعدتها مصر تمددت صوب الشام والحجاز، وأسس فى فترة حكمه عاصمة جديدة للبلاد عُرفت باسم القطائع، وزينها بجامعه الكبير الذي يعد أقدم جوامع القاهرة احتفاظًا بتفاصيله المعمارية وهيكله الأصلى، فإذا كان جامع عمرو بن العاص، هو أول مسجد جامع بُنى في مصر كلها، فإنه هُدم وأعيد بناؤه أكثر من مرة ففقد معالمه الأصلية، بينما احتفظ جامع ابن طولون بمعالمه المعمارية الأصلية، ما يجعله أقدم جامع في مصر يحتفظ بطرازه المعمارى الأصلي، بالتالي أقدم بناء لجامع فى البلاد». ◄ اقرأ أيضًا | جامع ابن طولون.. أسطورة معمارية تثبت صمود القاهرة الإسلامية عبر الزمن ◄ جبل يشكر يذكر المؤرخ ابن الداية الذى كتب سيرة أحمد بن طولون أن الأمير أمر ببناء جامعه على قمة التل المعروف باسم جبل يشكر، وبدأ العمل فى سنة 263ه/ 876م، واستمر العمل حتى انتهى بناء الجامع فى رمضان 265ه/ 878م، فجاء تحفة معمارية، فمن حيث المساحة احتل مساحة ضخمة جعلته من أكبر الجوامع، إذ تبلغ مساحته مع الزيادات نحو ستة أفدنة ونصف الفدان، وجاء تصميمه على مثال المساجد الجامعة، أى مكون من صحن كبير مكشوف تحيط به أروقة ذات عقود، وقد تجلت عبقرية المهندس المصرى عندما تخلص من الأعمدة فى الأروقة، واختار بديلا عنها دعائم مبنية بالطوب حُلِّيت بزخارف نباتية بديعة، وقد تأثر الجامع بطراز الجوامع العباسية فى العراق وتحديدا مدينة سامراء (سر من رأى)، التى كانت محل إقامة الخلفاء وقتذاك، ونشأ فيها ابن طولون صغيرًا قبل أن يتولى حكم مصر. ◄ مئذنة فريدة ربما يكون التأثر الأكبر بجوامع العراق ماثلًا فى مئذنة جامع ابن طولون، التى جاءت على طراز فريد فى العمارة الإسلامية، فبنيت على طراز المئذنة الملوية فى سامراء، فسلالم مئذنة ابن طولون بُنيت من الخارج لا من الداخل كعادة المآذن المختلفة، لذا جاءت مئذنة فريدة فى العمارة الإسلامية فى مصر، وقد تعرضت إلى ترميم شامل فى عهد السلطان المملوكي المنصور لاجين، قرب نهاية القرن الثالث عشر الميلادى، لكنها على الأغلب احتفظت بطرازها الفريد من عصر ابن طولون، بحسب ما يرجع العلامة حسن عبد الوهاب فى كتابه (تاريخ المساجد الأثرية)، وتشد المئذنة الأنظار بسبب ارتفاعها، خصوصا أن الجامع كله بُنى على تل مرتفع عن الأرض.