أيام قليلة تفصلنا عن اكتمال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عامها الثاني، وتصاعدت خلال الأيام الأخيرة الموجة العسكرية مُركزة على مدينة غزة، مُستهدفة هلاك سكانها، وسط نزوح هائل وتحذيرات من كارثة إنسانية مُستمرة، المشهد الميداني يتقاطع الآن مع موجات ضغط دبلوماسي وسياسي في أوروبا والعالم، دفعت دولًا لخطوات رمزية وسياسية، مثل قرار البرتغال ومن قبلها فرنسا بالاعتراف بفلسطين، ودفعت إلى إعادة ترتيب مسارات الضغط الدولى على تل أبيب، وهى الخطوات التى تقف خلفها الدبلوماسية المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بلعبها دورًا محوريًا فى محاولة تهدئة الأوضاع وبلورة مواقف دولية أكثر دعمًا لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإغاثية لأهل القطاع. ◄ الاحتلال يشن «أثقل موجة هجوم» وسط تهجير قسري ◄ سياسيون: هجمات تل أبيب انتهاك صارخ للقانون الدولي ■ مظاهرة مؤيدة لفلسطين في أثينا شن الاحتلال عملية عسكرية موسعة فى أحياء مدينة غزة، فيما وُصف ب«أثقل موجة هجوم» شهدتها المدينة منذ بداية الحرب، قوات برية مدعومة بقصف جوى ومدفعى كثيف نفذت ضربات فى مناطق مأهولة، وأصدرت تحذيرات مُتكررة لسكان أحياء شمال ووسط المدينة بضرورة النزوح جنوبًا، هذه التحركات العسكرية جاءت بدعوى استهداف بنية تحتية تحت أرضية ومخازن أسلحة وأنفاق، لكنها أدت، بحسب التقارير إلى تدمير مبانٍ سكنية وتهجير جماعي، وقد أعلنت صحف محلية وأجهزة صحية فى غزة سقوط عشرات القتلى خلال موجة الأيام الأخيرة، بينما تُشير تقديرات لنزوح مئات الآلاف داخليًا مع تهجير مُكثف من غزة، كما كشفت تقارير أممية عن تكدس نحو مليون شخص فى مناطق مُتفرقة يُعانون المجاعة، والنقص الحاد فى الغذاء والماء والدواء. ◄ تدمير مُتكامل لم تكن الضربات على الأحياء السكنية مجرد خسائر بشرية؛ فقد هدمت شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي في مناطق عديدة، بحسب الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، الذى يُشير إلى أن الهجمات تسببت فى إغلاق مدارس ومستشفيات أو نقلها إلى حالات عمل طوارئ دون قدرة استقبال فعلي، كما أن آلاف الوحدات السكنية تعرضت للتدمير الكامل أو الجزئى، وأسواق وأحياء تجارية فقدت قدرتها على العمل نتيجة الدمار وما رافقه من انقطاع فى الخدمات الأساسية، مُشددًا على أن الصور الجوية بوكالات الأنباء الدولية توثق مشاهد مدينة تحترق تتحول إلى أنقاض وركام، مما يُزيد من صعوبة العودة أو إعادة إعمار المناطق المتضررة. أضاف، أن الاحتلال الإسرائيلي يُبرر العمليات بقوله إنها تستهدف بنية عسكرية تابعة لحركة حماس وبنى تحتية تحت الأرض تستخدم لمهاجمة إسرائيل واحتجاز رهائن، وهو ما يبرر من وجهة نظره الضربات المكثفة داخل المدينة. ■ نازحون فلسطينيون من شمال غزة يفرون من العملية العسكرية الإسرائيلية باتجاه جنوب القطاع ◄ اعتراف أوروبي خارجيًا، شهدت الساحة الأوروبية تزايدًا ملحوظًا فى حركة الشارع المُساند للقضية الفلسطينية، والتركيز الإعلامى على المشاهد الإنسانية دفع نوابًا وحكومات لاتخاذ مواقف سياسية أوجدت تغيرات ملموسة فى المعادلات الدبلوماسية، مظاهرات كبرى فى عواصم أوروبية عدة (باريس، برلين، لندن، ومدن إسبانية وإيطالية وغيرها) رفعت شعارات تطالب بوقف الدعم العسكرى لإسرائيل ومحاسبتها على استهداف المدنيين وفتح المعابر، هذه الاحتجاجات تزامنت مع مُناقشات برلمانية داخل دول أوروبية طالبت بخطوات عملية، على الأرض، وقرارات ومواقف برلمانية داعمة للاعتراف بدولة فلسطين، وهُنا يُشير وزير الخارجية السابق السفير محمد العرابى، إلى تصريح الحكومة البرتغالية بأنها ستُعلن اعترافها بدولة فلسطين، فى خطوة سياسية بارزة عبر خبر نُشر رسميًا على موقع وزارة الخارجية البرتغالية، بما يعكس تغيرات سياسية فى أوروبا ناجمة عن الضغط الشعبي والضغط الإعلامى والقلق الأخلاقى إزاء الوضع الإنسانى، علاوة على تحركات مُماثلة تدرسها حكومات أخرى أو يناقشها برلمانات، ما يضع على طاولة اللعبة السياسية الدولية خيارات جديدة قد تُقلص المساحة الدبلوماسية لإسرائيل. مصر استخدمت شبكة علاقاتها الإقليمية والدولية بوصفها منصة للتفاوض، فقد تفاوضت مع الفصائل الفلسطينية، وحافظت على قنوات مع أطراف إقليمية منها قطر، وتركيا، علاوة على الأطراف الأوروبية، وأمريكا، وحاولت القاهرة تسهيل دخول المساعدات عبر معبر رفح البرى كما قدمت مقترحات سياسية وخرائط طريق لوقف النار وإعادة إعمار يشارك فيها المجتمع الدولى، ويؤكد الدكتور أيمن محسب وكيل لجنة الشئون العربية بمجلس النواب، أن القاهرة باتت محط ثقة لدى العديد من العواصم الأوروبية كونها تمتلك قنوات مباشرة مع الفصائل الفلسطينية ومنها قدرة على فتح معبر رفح وتنسيق دخول المساعدات، فضلاً عن علاقاتها مع دول الخليج والولايات المتحدة، لافتًا إلى أن الرئاسة المصرية كررت، فى بيانات رسمية عديدة، الدعوة إلى وقف النار الفوري وإيصال المساعدات وإعادة الإعمار، مع توجيه رسائل قوية للمجتمع الدولى بضرورة اتخاذ موقف واضح لحماية المدنيين، ويؤكد دائمًا الرئيس عبد الفتاح السيسى أن الحل السياسى، المبنى على حل الدولتين وضمانات دولية، هو المخرج الوحيد لتجنب مزيد من الانهيار، والقاهرة أيضاً طرحت مبادرات أمنية لمنع امتداد الصراع عبر الحدود أو لاحتواء تداعياته فى سيناء والمنطقة. أضاف أن مصر لن تتخلى عن دورها التاريخي في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، داعيًا المجتمع الدولى ومؤسساته إلى تحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية والإنسانية تجاه ما يحدث في غزة، مُشددًا على أن هذه العمليات العسكرية المُتلاحقة لن تجلب سوى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار بالمنطقة بأسرها، لافتًا إلى أن استمرار الاحتلال في سياساته العدوانية يُهدد الأمن الإقليمى والدولى على حد سواء، ويضرب كل مساعي السلام بعرض الحائط، مؤكدًا أن الحل الوحيد لاستقرار المنطقة يكمن فى العودة للمسار السياسي وفرض حل الدولتين كخيار واقعى يُعيد للفلسطينيين حقوقهم التاريخية ويوقف نزيف الدم المُستمر. ◄ اقرأ أيضًا | وزير الخارجية: جميعنا نسعى لإيقاف الحرب على قطاع غزة ◄ المجزرة المستمرة من جانبه، أدان الدكتور محمد محمود مهران أستاذ القانون الدولى العملية العسكرية الإسرائيلية الجديدة فى قطاع غزة واصفًا إياها بالتصعيد الإجرامي الذي يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى الإنسانى، ويتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا لوقف هذه المجزرة المُستمرة، مُضيفًا أن هذه العملية تأتى ضمن مُخطط إسرائيلي منهجى لتدمير ما تبقى من البنية التحتية بغزة وإنهاء أى إمكانية لعودة الحياة الطبيعية للقطاع، مؤكدًا أن الهدف الحقيقى هو التطهير العرقى الكامل للمنطقة تمهيدًا لإعادة احتلالها وبناء مستوطنات عليها، وشدد على أن توقيت هذا التصعيد بعد ساعات من انتهاء القمة العربية الإسلامية يعكس استخفاف إسرائيل بالموقف العربى والإسلامى، ويؤكد نيتها فى تجاهل أى ضغوط دبلوماسية والمضى قدمًا فى تنفيذ مُخططها الإجرامى، مُحذرًا من أن استمرار هذا العدوان دون رد دولى حاسم سيدفع إسرائيل للمزيد من التمادى وتوسيع عدوانها ليشمل مناطق أخرى فى المنطقة، مُطالبًا المُجتمع الدولى بتفعيل آليات المُحاسبة الدولية فورًا.