55 عامًا مضت على رحيله، لكن القدر يشاء أن تواكب الذكرى هذا العام، إنجازًا فى القضية التى نذر لها عمره، وتوفى عقب كارثة أيلول الأسود التى كانت لحظة كارثية فى رحلة القضية الفلسطينية، إلا أن ذات الشهر يأتى، وقد خطت فلسطين نحو الدولة خطوة حتى وإن كانت رمزية ومعنوية، غير أنها زاخرة بالعديد من الدلالات الإيجابية. فى ظل هذا التحول النوعى الذى تشهده القضية الفلسطينية، فإن استحضار رؤية جمال عبد الناصر لبعض ملامحها، يؤكد على صواب الأسس التى تحكم رؤيته، منذ شارك فى حرب 48، وعبر مراحل الصراع الصهيونى/ العربى، وحتى اليوم. تعامل عبد الناصر مع القضية باعتبارها قضية تحرر وطنى، ومن منطلق أنها قضية مصرية وعربية فى آن واحد، لأن اغتصاب فلسطين يمثل خطرًا على كل الدول العربية، فالكيان الصهيونى يمثل قمة الاستعمار الاستيطانى التوسعى الذى لا تقف أمام أطماعه أى كوابح، ولعل تبجح نتنياهو وعصابته بالإعلان عن خريطة إسرائيل الكبرى، دليل دامغ على طبيعة الكيان وخطورة أهدافه. كانت قناعة عبد الناصر مبكراً أن الصراع، صراع وجود لا صراع حدود، وحين يخرج نتنياهو مغالطًا، وردًا على إعصار الاعتراف الدولى بفلسطين كدولة وليس مجرد أراضٍ محتلة، فيزعم أن ذلك يمثل خطرًا وجوديًا على كيانه المزروع غصبًا، وهو المسلح حتى أسنانه بالنووى قبل التقليدى من السلاح، فإن تغاضينا عن طبيعة الصراع، يجب أن يعود بنا إلى رؤية عبد الناصر المبكرة للكيان الصهيونى كمحفز أمامى للاستعمار، ورأس جسر للسيطرة على المنطقة، مع طموح مستمر لإقامة دولة إقليمية تسيطر على الإقليم. ولعل بوادر الصحوة العربية الراهنة، فى مواجهة الخطر الصهيونى المتصاعد، يؤكد مجددًا صواب رؤية عبد الناصر عندما أكد أن هناك معركة واحدة على الأرض العربية، وأن أرض فلسطين هى واحدة من البقاع التى تدور عليها المعركة، ثم أن مصيرنا واحد، وكفاحنا واحد من أجل الحرية والاستقلال فى أى بلد عربى، من ثم فإن القضية ليست قضية شعب فلسطين وحده، وإنما تمتد بعد ذلك أوسع وأبعد. رحم الله عبد الناصر الذى ما يزال فى رؤيته، ما يمثل إطارًا صالحًا لتوجيه النضال العربى، فى لحظة فاصلة وخطيرة، بل وفارقة فى المستقبل العربى.