واقعة سرقة إسورة المتحف المصرى وبيعها لأحد تجار الذهب، أعادت الجدل المُثار حول بيع وشراء المعدن الأصفر بدون فواتير، وساهمت فى طرح أسئلة كثيرة عن الإطار القانونى لهذه الممارسات وحدود المساءلة فيها، خاصة بعد هذه القضية التى جذبت اهتمام الرأى العام ، وبينما يؤكد بعض الخبراء أن القانون لا يجرّم بشكل مباشر شراء الذهب بلا فاتورة، إلا أن غياب المستندات الرسمية يفتح الباب أمام شبهات عديدة، تبدأ بالتهرب الضريبى ولا تنتهى بالاتهام بالتعامل فى مسروقات أو مقتنيات أثرية ، بل تمتد لتشمل ارتكاب جرائم. فى خضم هذا الجدل، تباينت آراء الخبراء ما بين التشديد على أن الفاتورة هى الضمانة الأساسية لحماية البائع والمشترى معاً، والتحذير من أن الاعتماد على مبدأ حسن النية وحده لا يحمى من المساءلة القانونية، فبينما يرى متخصصون أن غالبية التعاملات تجرى بحسن نية بحكم طبيعة المدخرات الذهبية المتوارثة أو القديمة، يؤكد آخرون أن القانون يظل المرجعية، وأن أى تجاوز يضع الصائغ أو المشترى تحت طائلة المساءلة إذا ثبت أن الذهب مسروق أو مشبوه المصدر. فى هذا الإطار أكد المهندس هانى ميلاد، رئيس الشعبة العامة للمصوغات والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية، أنه لا يوجد نص قانونى صريح يجرّم بيع الذهب بدون فاتورة، لكن الخطورة تكمن إذا ثبت أن الذهب المبيع من متحصلات سرقة، حيث تكون المساءلة القانونية قائمة على الصائغ، ويُترك تقدير مسئوليته لمحرر المحضر أو النيابة. وأوضح ميلاد أن أغلب عمليات البيع والشراء تتم بحسن نية، مشيراً إلى أن حالات سوء النية قليلة جداً ومحدودة، خاصة أن كثيراً من المواطنين يحتفظون بقطع ذهبية متوارثة أو مدخرات منذ عقود طويلة، وهو ما يجعل الاحتفاظ بفواتيرها أمراً صعباً، لافتاً إلى أن الوعى بأهمية الفاتورة أصبح أكبر الآن مقارنة بالفترات السابقة. وقال: «نؤكد دائماً ونوعى زملاءنا من أصحاب محال الذهب ألا يتعاملوا إلا بوجود فاتورة، ليس هذا فقط، بل يجب التأكد من بيانات الفاتورة وبيانات البائع نفسه، لكن هناك فى النهاية أمور تظل متروكة لتقدير الصائغ فى الموقف». اقرأ أيضًا | المجلس الأعلى للآثار.. يكشف تفاصيل سرقة أسورة من المتحف المصري حسن النية وأضاف رئيس الشعبة أن سعر البيع قد يكون دليلاً على حسن النية من عدمه، موضحاً: «لو قطعة ذهب قيمتها فى السوق 100 ألف جنيه وتم شراؤها بنفس قيمتها، فهذا يؤكد حسن النية، لكن إذا اشتراها الصائغ بنصف قيمتها أو بربع الثمن، فهذا يثبت غياب حسن النية ويضعه تحت طائلة المساءلة القانونية» لابد من الفاتورة من جانبه أوضح الدكتور ناجى فرج، خبير صناعة المصوغات، ومستشار وزير التموين لشئون الذهب السابق أن القانون يجرّم بشكل قاطع أى عملية بيع أو شراء للذهب دون فاتورة صحيحة ومُوثقة تثبت الملكية ومصدر الشراء، مشيراً إلى أن الفاتورة هى الضمانة الأساسية التى تحمى التاجر من الشبهات القانونية. وأكد فرج أن بعض الصاغة قد يتعاملون مع زبائن معروفين بحسن نية، سواء لثقتهم فيهم أو لعلاقتهم السابقة بهم، إلا أن ذلك لا يعفى من المسئولية، موضحاً: «حتى لو توافر حسن النية، فإن مجرد الشك فى أن الذهب مسروق يُعرّض الصائغ للمساءلة القانونية». جريمة مزدوجة وحول واقعة صهر الإسورة الأثرية شدد الخبير على أن الجريمة هنا لا يمكن تبريرها أو إدراجها تحت أى بند من بنود حسن النية، فهى جريمة مزدوجة وهى التعامل فى قطعة مسروقة بالإضافة إلى التصرف فى أثر تاريخى محظور تداوله أو المساس به بأى حال. وقال فرج: «صهر الإسورة الأثرية جريمة أبعد من مجرد مخالفة تجارية، لأنه لا مجال هنا للقول بعدم العلم، فالأمر يخص أثراً مصرياً لا يجوز تداوله أو بيعه أو حتى محاولة تسييله». ونبّه خبير الصاغة إلى ضرورة الالتزام الكامل بالتعامل بالفواتير الرسمية فقط، مؤكداً أن أفضل نصيحة عند قدوم أى شخص لبيع ذهب بلا فاتورة هى توجيهه إلى مكان الشراء الأصلى، بدلاً من إدخال الصائغ نفسه فى دائرة الشبهات القانونية. وختم قائلاً: «كل عملية بيع وشراء بلا فاتورة هى جريمة، لكن ما حدث فى صهر الإسورة الأثرية هو جريمة مُضاعفة، وعلى الصاغة أن يبتعدوا تماماً عن مثل هذه المخاطر التى تهدد المهنة وتضعهم تحت طائلة القانون». إثبات المصدر أكد محمد ميزار، المحامى، أن شراء الذهب بدون فاتورة قد يعرّض البائع لمخاطر وعقوبات مالية، بل قد يصل الأمر إلى تصنيفه كسارق فى حال تعذر إثبات مصدر المشغولات، موضحاً أن غياب الفاتورة يضع محلات الذهب أيضاً أمام شبهة التعامل فى مسروقات. وأضاف ميزار أن الفاتورة تعد بمثابة سند ملكية، تماماً مثل عقود شراء العقارات أو السيارات، فهى الوثيقة التى تثبت ملكية الذهب للمشترى وتحميه من أى مشكلات مستقبلية، لافتاً إلى أن العرف السائد فى مهنة الصاغة هو عدم شراء الذهب إلا بفواتير رسمية تثبت الملكية وتوضح تفاصيل عملية الشراء. وشدد المحامى على أن الفاتورة ينبغى أن تتضمن عدداً من العناصر الأساسية، أبرزها اسم البائع وعنوان المحل، إلى جانب مواصفات المنتج من حيث الوزن والعيار «14، 18، 21 أو 24». سند ملكية وأوضح ميزار أنه رغم أن القانون المصرى يعتبر الحيازة فى المنقول سنداً للملكية، إلا أن الأمر يختلف بالنسبة للمشغولات الذهبية والمجوهرات الثمينة، حيث يتطلب وجود سند أو فاتورة توثق الملكية، وأعرب عن أسفه لغياب قيود حقيقية فى التشريعات على بيع المواطنين للذهب لمحلات الصاغة دون فواتير، وهو ما يعرّض الصائغ فى حال ثبوت سرقة المشغولات للمساءلة بتهمة التعامل فى أشياء مسروقة أو إخفائها. واختتم مؤكداً أن القانون لم يغفل هذا الجانب كلياً، إذ تضمنت نصوص قانون حماية المستهلك عقوبات واضحة على التجار الذين يبيعون منتجاتهم دون إصدار فواتير، بما فى ذلك تجارة الذهب والمجوهرات. مذكرة فقد من جانبها قالت المحامية نهى الجندى إن القانون المصرى لا يضع عقوبة صريحة ومباشرة على شراء الذهب بدون فاتورة، موضحة أن هذه الحالة لا تُعد جريمة قائمة بذاتها، لكن الخطورة تظهر عند بيع الذهب القديم دون فاتورة، حيث يُنصح بالتوجه إلى قسم الشرطة وتحرير مذكرة فقد للفاتورة لحماية الموقف القانونى للبائع. وأضافت أن غياب الفاتورة قد يثير إشكالات قانونية تتعلق بالجانب الضريبى أو شبهة مصدر الذهب، خاصة إذا كان التعامل مع محل أو مؤسسة تجارية، مؤكدة أن الفاتورة هى الضمانة الأساسية التى تحمى حقوق الطرفين. وحول مبدأ حسن النية فى مثل هذه الحالات، أوضحت الجندى أن القانون قد يراعى حسن النية إذا كان المشترى أو البائع ليست لديه شبهة فى مصدر الذهب، لكن ذلك لا يعفى تماماً من المساءلة إذا ثبت أن المشغولات محل التعامل مسروقة أو مشبوهة، وقالت: «حسن النية قد يخفف من الموقف القانونى لكنه لا يُسقط المسئولية، خاصة إذا توافرت دلائل على أن الذهب غير معلوم المصدر أو مرتبط بجريمة أخرى». وشددت على أن الاحتفاظ بالفواتير يظل الحل الأمثل لتفادى أى مشاكل مستقبلية، لافتة إلى أن الاعتماد على حسن النية فقط فى هذه المعاملات يعرض أصحابها لمخاطر كبيرة قد تصل إلى المساءلة القانونية.