«ينفذ رئيس الأركان ورفاقه تعليمات المستوى السياسى دون قناعة»، هذا ما تؤكده دوائر سياسية فى تل أبيب حول إدارة عملية «عربات جدعون 2» فى مدينة غزة، فرئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، لا يمكنه رفض أوامر رئيس الائتلاف الحكومي، ويستسلم بموجب دواعى منصبه أمام إيعازات بنيامين نتنياهو، الرامية إلى مواصلة العدوان على غزة بداعى «تحقيق الانتصار المطلق على حماس». اقرأ أيضًا| الاحتلال يدمر غزة بالروبوتات |تقرير إسرائيلى: «عربات جدعون 2» تواجه الفشل ووسط ارتفاع حدة التحذيرات من مواصلة العدوان، ومدى انعكاساته الخطيرة على مستقبل إسرائيل الإقليمى والدولي، تقتصر رؤية زامير على المجال العسكري، وعلاقته بالمدنيين على كامل أرض القطاع، وربما بدا تفريغ طاقته السلبية مع انتقاده أداءات صندوق إغاثة غزة (GHF) الذى نعته، حسب صحيفة «معاريف»، بالفاشل. ربما انتفخ بطن رئيس الوزراء الإسرائيلى بعد تلقيه مخرجات اللجنة، بما فى ذلك موقف إيال زامير، لكنه بطبيعة الحال غض الطرف عن محضر الاجتماع، وما قيل فيه؛ فهو يعلم أكثر من غيره مدى التسرُّع فى خطوة غزة العسكرية، لكن الحسابات السياسية التى تتحكم فى مفاصلها «الصهيونية الدينية»، تفرض عليه هو الآخر استسلامًا للصوت الأعلى، طالما ضمن به تماسك الائتلاف. ولم يكن هجوم زامير بعيدًا عن آذان نتنياهو وحاشيته، خاصة عند انتقاده «حالة الضبابية»، التى تخيم على مصير عملية «عربات جدعون 2» فى غزة، معربًا عن امتعاضه من تحفظات نتنياهو على تحديد ملامح «اليوم التالي» فى القطاع، ومآلات القتال فى المدينة. وعلى غرار اجتماع الحكومة قبل اسبوعين، وحسب مصادر مطلعة على محتوى المباحثات، كرر رئيس الأركان تحذيراته بشأن خطة العمل العسكري، التى تم اختيارها لمدينة غزة، وأعاد سرد المخاطر التى تنطوى عليها، مقرًا بأن حكومة نتنياهو لن تكترث بتحذيراته فى نهاية المطاف، حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت». لكن الصحيفة العبرية أشارت إلى المخاطر التى عدَّها زامير، ومن بينها: التضحية بحياة الرهائن وجنود الجيش، وغياب الشرعية الدولية للعملية، والصدام مع الغزيين خلال عمليات الإجلاء. وفى ختام كلمته أكد رئيس الأركان أنه لن يتراجع مهما كانت العواقب، ورغم اختلاف الآراء عن تنفيذ تعليمات المستوى السياسي. اقرأ أيضًا| جيش الاحتلال: قصفنا 150 هدفا في غزة خلال اليومين الماضيين وتتماهى تحسبات إيال زامير مع لغة الأرقام، التى تؤكد خسائر الجيش الإسرائيلى الفادحة حتى قبل الشروع فى عملية «عربات جدعون 2»، ويكفى فى هذا الخصوص رصد صحيفة «معاريف» لما وصفته ب«كارثية أزمة الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة»، مشيرة إلى أنه مع ختام العام الثانى ومشارف العام الثالث لعمل إسرائيل العسكرى فى القطاع، لا يتوقف نزيف الخسائر المتنوعة. بالإضافة إلى ذلك، أشارت «معاريف» إلى بيانات دوائر الإحصاء فى وزارة المالية الإسرائيلية، التى أكدت تجاوزًا حادًا فى ميزانية وزارة الدفاع، وتخطيه سقف ال30 مليار شيكل (الشيكل 0.30 مقابل الدولار الأمريكي)، مؤكدة ترشح الرقم لزيادات كبيرة بعد الشروع فى عملية «عربات جدعون 2» بمدينة غزة. ربما يفطن إيال زامير أكثر من غيره إلى أزمة الجيش الإسرائيلى، ما دعاه إلى نصيحة نتنياهو فى «غرف مغلقة» بتسريع وتيرة إبرام صفقة، توقف الحرب فى القطاع فورًا، ليضمن بها عودة الرهائن، وحقن استنزاف قدرات الجيش الإسرائيلى، خاصة بعد انفتاح دائرة مواجهاته على 5 جبهات إقليمية فى وقت واحد (قطاع غزة، لبنان، سوريا، إيران، واليمن). ويؤكد تقديرات زامير للخطر العسكري، إعلان رئيس إدارة الموارد البشرية فى الجيش الإسرائيلي، العقيد دادو بار خليفة، أن الجيش الإسرائيلى بات فى حاجة ماسَّة إلى ما بين 11 إلى 12 ألف جندى إضافى، مشيرًا فى سياق إفادة أمام «لجنة تدقيق الدولة»، التابعة للبرلمان الإسرائيلى، إلى أن إجراءات إنفاذ القانون التى تلاحق رافضى الخدمة فى الجيش الإسرائيلي، لا تحقق الهدف، لا سيما فى ظل استعانة المطلوبين للخدمة العسكرية بمحامين، وتقارير صادرة عن أطباء أمراض نفسية، تؤكد عدم صلاحيتهم لأداء مهام فى الجيش. وفى رده على ضرورة إيداع رافضى الخدمة العسكرية السجون، أوضح بار خليفة أن هذا المقترح ليس حلًا عمليًا للأزمة، وأضاف: «يمكننا بالفعل إيداع هؤلاء السجن، لكن ما النتيجة؟ سيظل الجيش الإسرائيلى يعانى نقصًا حادًا فى موارده البشرية». وتزيد الأزمة تفاقمًا عند الاطلاع على تقديرات شعبة الأبحاث فى هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، التى حذرت من الاستهانة بكوادر المقاومة فى مدينة غزة، مشيرة إلى اتحاد الفصائل الفلسطينية فى القطاع لمواجهة عملية «عربات جدعون 2»، إذ استعرضت نائبة رئيس الشعبة، العميد (أ)، تقريرًا سريًا أمام أعضاء لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، يشير إلى تأهب 7500 عنصر من حماس والجهاد الإسلامى لمواجهة القوات الإسرائيلية فى مدينة غزة ومحيطها. المسئولة - التى يُحظر نشر اسمها لدواعٍ أمنية - أشارت فى التقرير إلى أن حماس تواصل حاليًا عمليات التجنيد، وإعادة بناء الأنفاق، والتدريب، ونشر حقول الألغام بين حطام المبانى التى دمرتها عمليات قصف سلاح الجو الإسرائيلي، وأضافت: «حماس تجهز لفترة قتال طويلة فى مدينة غزة وشمال القطاع»، وهو ما دعا الجيش الإسرائيلى إلى الاعتراف باستمرار عملية «عربات جدعون 2» فى غزة لعدة شهور، ما لم يعمل المستوى السياسى على إبرام صفقة تفضى إلى اتفاق دائم فى القطاع.