في صباح يوم 22 يناير 2020 وبينما كان المسافرون يتدفقون عبر صالات مطار «جون إف كينيدي» الدولي (JFK) كانت هناك قصة مختلفة تمامًا تدور رحاها في منطقة التفتيش الجمركي الثانوي. الدكتور أشرف الضرير طبيب مصري يحمل الجنسية الأمريكية ومقيم فى بروكلين، كان يقف أمام مفترق طرق سيحدد مصيره لسنوات قادمة.. وما بدأ كتفتيش روتينى تحوّل لاحقًا إلى أكبر قضية تهريب للآثار في تاريخ المطار وربما في تاريخ الولاياتالمتحدة عمومًا، حيث اكتشفت سلطات الجمارك وحماية الحدود الأمريكية ما مجموعه 590 قطعة أثرية مصرية قديمة مخبأة في ثلاث حقائب! ◄ الطبيب أشرف الضرير حاول تمرير 590 قطعة نادرة داخل 3 حقائب عبر مطار كينيدي ◄ المهرب خبّأ الآثار داخل أغلفة بلاستيكية وكشفته الرائحة والرمال ◄ ..وادعى أن القطع مملوكة لعائلته منذ العشرينيات ◄ التواصل مع شبكات النهب تم عبر «واتساب» بفيديوهات مباشرة من مواقع التنقيب ◄ محقق بالأمن الداخلي وصف القطع بأنها «ذات قيمة استثنائية» ■ ادارة منح تراخيص الاطباء في نيويورك في 27 أغسطس الماضي، قضت محكمة بروكلين الفيدرالية على طبيب مصري يُدعى أشرف عمر عز الدين الضرير بالسجن لمدة ستة أشهر، بعد أن أقر بذنبه فى أربع تهم تتعلق بتهريب آثار مصرية إلى الولاياتالمتحدة (باع منها على مدار سنوات نحو 500 قطعة وضُبِط بحوزته 590 أخرى). وجاء هذا الحكم بعد تحقيق كشف عن مخطط تهريب طويل الأمد قام خلاله الطبيب المُدان بنقل مئات القطع الأثرية المنهوبة من مصر إلى أسواق الفن وصالات المزادات العالمية. الصحف الأمريكية نشرت الخبر من دون الغوص فى التفاصيل المهمة التى قد تعطى بُعدًا آخر أكثر خطورة من مجرد ضبط تاجر آثار، إذ كيف حصل هذا الشخص على هذا الكم الهائل من القطع الأثرية؟ وكيف أدخلها إلى الولاياتالمتحدة على دفعات عبر حقائب عادية فى كل مرة كان يسافر فيها من مطار القاهرة الدولى إلى مطار جون كينيدي، وهل نسقت السلطات الأمريكية مع نظيرتها المصرية لإعادة هذه القطع المنهوبة إلى وطنها؟ وهل تم شطب الطبيب أو تجريده من رخصة ممارسة أسمى المهن التى عرفتها البشرية؟ ولماذا حكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر فقط؟! هذه التساؤلات كانت نقطة انطلاق هذا التحقيق، الذى استغرق نحو أسبوعين لإنجازه، أملًا فى نقل الصورة كاملة للرأى العام المصري، بعد أن اكتفت الصحف ووسائل الإعلام المحلية بنشر خبر قبل نحو 7 أشهر عن اعتراف المتهم -وقتذاك- خلال جلسة محاكمته فى فبراير الماضى بالولاياتالمتحدة، بتهمة تهريب مئات القطع الأثرية المصرية النادرة وبيعها هناك، قبل إشارات عابرة عن حكم الصادر عنه أخيرًا. لم نكتفِ بالبيانات والمستندات التى سبق الإفصاح عنها فى فبراير الماضي، وقررنا مد الخطى خلف القضية بعد صدور الحكم النهائى فيها مؤخرًا، عبر التواصل مع وزارة العدل الأمريكية وتحديدًا مكتب النائب العام لمنطقة شرق نيويورك والمحكمة الجزئية فى بروكلين، وخيرًا ما فعلنا فقد وضعت «آخرساعة» يدها على كنز ثمين: الوثائق الرسمية الصادرة عن الجهتين، وباتت أمامنا رواية مكتملة لأكبر قضية تهريب للآثار المصرية حدثت على الأراضى الأمريكية. ◄ 4 أسئلة للنائب العام تواصلنا مع جون مارزولى الناطق الإعلامى الرسمي باسم النائب العام الأمريكى بنيويورك، وطلبنا منه الحصول على مزيد من التفاصيل بشأن الحكم على أشرف الضرير، وحددنا أربعة أسئلة: هل يمكنكم توفير أى تفاصيل إضافية تتجاوز البيان الصحفى الصادر منكم خاصة فيما يتعلق بالمنطق القانونى الذى قام عليه الحكم بالسجن لمدة ستة أشهر فقط فى حين أن الادعاء كان قد طالب فى البداية بعقوبة سجن أطول؟ وهل تَعَاوَن مكتب النائب العام الأمريكى مع السلطات المصرية فيما يخص إعادة القطع الأثرية التى تم ضبطها؟ وهل هناك أى تحقيقات جارية بشأن أفراد أو شبكات أخرى قد تكون متورطة فى محاولة التهريب هذه؟ وهل يمكنكم التوضيح ما إذا كانت هذه القطع الأثرية ستعاد رسميًا إلى مصر؟ وردًا على هذه الأسئلة، أفاد مارزولى بأن «مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) لم يشارك فى القضية التى تولتها بالكامل وحدة تحقيقات الأمن الداخلى (HSI)». وأضاف أن «إجابات الأسئلة التفصيلية - التى طرحتها (آخرساعة) - تقع خارج نطاق السجل العام للقضية الجنائية ولا يمكن الإفصاح عنها»، فى إشارة إلى عدم إمكانية مناقشة التفاصيل القانونية أو عمليات التنسيق الدولي. لكن الناطق الرسمى أبدى مرونة بشأن تقديم الوثائق الرسمية الخاصة بالقضية، مشيرًا إلى استعداده لإرسال مستندات قد تساعد في التوثيق الصحفي للقضية عبر الإيميل، وبالطبع لم نتردد في الموافقة، وبعد لحظات كان بحوزتنا حزمة وثائق بإجمالى 36 صفحة ترصد مسار القضية من البداية وحتى لحظة صدور الحكم. إحدى تلك الوثائق هى «لائحة الاتهام»، التى توضح أن السلطات الفيدرالية الأمريكية اتهمت الطبيب المصرى السابق، أشرف الضرير، بتهريب قطع أثرية مصرية نادرة بعد ضبطه بمطار جون كينيدى الدولى بنيويورك فى يناير 2020، حيث كشفت التحقيقات أن حقائبه احتوت على 590 قطعة أثرية مخبأة بعناية داخل أغلفة فقاعية «الأغلفة البلاستيكية ذات الفقاعات الهوائية» وأخرى رغوية «مصنوعة من مادة إسفنجية لتغليف الأشياء الحساسة»، وانبعثت منها رائحة التراب الرطب وتسربت منها حبيبات رمال، وهى علامات -وفقًا لخبراء إنفاذ القانون- تدل على أنها نُهبت حديثًا من باطن الأرض. ◄ تمائم جنائزية ذهبية ووصفت الوثيقة التى قدمها عميل خاص من تحقيقات الأمن الداخلى (HSI) يُدعى إيجور جامزا القطع المضبوطة بأنها ذات قيمة استثنائية، وشملت مجموعة كاملة ونادرة من التمائم الجنائزية الذهبية، ومجسمات خشبية لمقابر لا تزال ملابسها الكتانية الأصلية ملتصقة بها ويعود تاريخها إلى عام 1900 قبل الميلاد تقريبًا، بالإضافة إلى لوحات حجرية ذات نقوش بارزة لملوك من العصر البطلمي. ووفق إحدى الوثائق فإن المتهم، وهو حامل للجنسية الأمريكية ومقيم فى بروكلين كان يسافر بانتظام بين القاهرةونيويورك منذ عام 2010. وعند استجوابه، ادعى أن القطع كانت مملوكة لعائلته منذ عشرينيات القرن الماضى واستخدمها لتزيين شقته فى أمريكا، وأنه باع «بضع قطع» فقط خلال السنوات الماضية. ◄ عمليات بيع سابقة ومع ذلك عثر المحققون على وثائق داخل أمتعته تثبت تورطه فى عمليات بيع سابقة، كما لم يتمكن من تقديم أى تصاريح رسمية من الحكومة المصرية تسمح بتصدير هذه الآثار، وهو ما يعد شرطًا أساسيًا بموجب اتفاقية ثنائية بين البلدين وقانون الحماية الثقافية المصرى الذى ينص على أن أى أثر يتم اكتشافه يصبح ملكًا للدولة. وسعى المحققون إلى إبقاء تفاصيل القضية سرية فى البداية، محذرين فى طلبهم للمحكمة من أن الإفصاح المبكر قد يمكّن المتهم من الهروب أو تدمير الأدلة، ما يعكس الخشية من وجود شبكة أكبر، حيث طلب المحقق بوزارة الأمن الداخلى إيجور جامزا، فى شهادته بالمحكمة من القاضى الفيدرالى بنيويورك روبرت إم ليفى إصدار أمرين: الأول بالتعامل مع القضية وفقًا لأحكام القانون، والثانى بوضع جميع مستندات القضية- بما فيها الإفادة وأمر التوقيف- تحت بند السرية. ◄ طلب تشديد العقوبة وحصلت المجلة على مستند آخر مهم يمثل الخطاب الرسمى المفصّل الذى قدمته النيابة العامة الأمريكية التابعة لمنطقة شرق نيويورك، والمؤرخ فى 20 أغسطس 2025، إلى القاضية الفيدرالية راشيل ب. كوفنير، وذلك قبل أسبوع من جلسة النطق بالحكم. يطالب هذا الخطاب رسميًا بفرض عقوبة سجن مشددة تبلغ 36 شهرًا، تتجاوز بشكل كبير النطاق المحدد فى إرشادات العقوبات الفيدرالية البالغ من 21 إلى 27 شهرًا. ويكشف الخطاب استغلال الضرير المنهجى لاضطرابات ما عُرف ب«الربيع العربي» في مصر عام 2011، حيث حوّل مساره المهنى من ممارسة الطب إلى تنفيذ مخطط منهجى لتهريب الآثار المصرية. ووفقًا للتفاصيل الواردة بالوثيقة، قام بما لا يقل عن خمس رحلات ذهاباً وإياباً بين مطار جون كينيدى بنيويورك ومطار القاهرة الدولى خلال الفترة من سبتمبر 2018 حتى يناير 2020، حيث كان يخبئ القطع الأثرية المسروقة بعناية فى حقائبه، ويتعمد عدم الإعلان عنها عند عبور الجمارك الأمريكية. ◄ شهادات ملكية مزورة وتكشف الوثيقة آليات تزوير معقدة ومحكمة استخدمها الطبيب المُدان، حيث كان يصنع شهادات ملكية مزورة بإتقان تدّعى أن القطع الأثرية تعود لمجموعة جده التى جُلبت إلى أمريكا قبل عام 1948، مستخدمًا فى ذلك ورقًا مصريًا قديمًا مزورًا يحمل علامات مائية، وطوابع فضفاضة، وصورًا بالأبيض والأسود جرى تعديلها رقميًا باستخدام تقنيات الفوتوشوب لمحاكاة المظهر القديم، كما كان يحرص على تقديم نسخ مصورة فقط من هذه الإثباتات المزورة لتجار الآثار، محتفظًا بالأصول ليبعد أى شكوك حول صحتها. ◄ شبكات النهب ويكشف التحقيق أن الضرير كان يتواصل بشكل منتظم مع شبكات النهب فى مصر عبر تطبيق «واتساب»، حيث كان يتلقى مقاطع فيديو حية تذاع مباشرة من مواقع الحفر غير المشروعة تحت الأرض، تظهر العمّال وهم ينقبون فى المقابر الأثرية، مع وجود أدلة على استخدام مولدات كهربائية ومضخات ماء لتفريغ المواقع من المياه الجوفية، وكان أبرز من يتواصل معهم شخصية تحمل اسم «حسن»، الذى كان يرسل للضرير كتالوجات رقمية بالقطع المتاحة للبيع. يبرز الخطاب عملية الضبط الكبيرة التى تمت فى 22 يناير 2020، حيث عثر وكلاء الجمارك وحماية الحدود على 590 قطعة أثرية نادرة مخبأة فى ثلاث حقائب كبيرة، بلغت قيمتها التقديرية 82 ألف دولار. كما تم تتبع مبيعاته السابقة التى بلغت حوالى 500 قطعة منذ ديسمبر 2011، وبيعت عبر صالات مزادات مرموقة مثل كريستى وبالمايرا هيريتيج وآرت بريميتيفو. وتختتم الوثيقة بمطالبة النيابة بمصادرة جميع القطع وإعادتها إلى مصر، ودفع تعويضات للتجار والمشترين بلغت 6010 دولارات، وفرض غرامة مالية قدرها 10 آلاف دولار. ◄ المهرب حاول.. استغلال «ثغرة ميراندا» لإسقاط التُهم كشفت إحدى الوثائق التى حصلت عليها «آخرساعة» محاولة تاجر الآثار أشرف الضرير استخدام ثغرة قانونية فى «تحذير ميراندا» الشهير لإسقاط تهمة تهريب الآثار. وقد جاء ذلك خلال جلسة استماع فى نوفمبر 2021، حيث طالب دفاع المتهم بإلغاء جميع الأدلة المستمدة من هاتفه الآيفون، بدعوى أن وكلاء الجمارك الأمريكيين انتزعوا منه بصمته البيومترية (fingerprint) بالإكراه دون إبلاغه بحقه فى الصمت وتوكيل محام. و«تحذير ميراندا» هو تنبيه قانونى إلزامى تطلقه السلطات عند القبض على أى شخص، يُفيد بأن له الحق فى الصمت، وأى تصريح يصدر منه قد يُستخدم ضده فى المحكمة، كما أن له الحق فى استشارة محامٍ، وإذا كان غير قادر على تحمل التكاليف فستوفر له الدولة محاميًا، وهو إجراء يهدف إلى حماية حقوق المتهمين أثناء الاستجواب. ووفقًا لمذكرة قضائية مفصّلة دفع محامو الضرير بأن وكلاء الجمارك وحماية الحدود الأمريكية (CBP) انتهكوا التعديل الخامس للدستور الأمريكى عندما أجبروا موكلهم على استخدام بصمة إصبعه لفتح هاتفه الآيفون فى مطار كينيدي، دون إبلاغه بالتحذير القانونى الإلزامى المعروف ب»تحذير ميراندا». وأكد الدفاع أن هذه العملية كانت «إجبارية وشهادة وتجريمية للذات»، حيث إنها اعتراف ضمنى بامتلاك المدعى عليه للهاتف والتحكم فى محتوياته. لكن المحكمة الاتحادية لمنطقة شرق نيويورك، برئاسة القاضية لاشان ديرسى هول، رفضت هذا الطلب فى يوليو 2023، مؤكدة أن استخدام البصمة البيومترية لا يعادل تقديم شهادة تستحق الحماية الدستورية، وأكدت المحكمة أن بصمة الإصبع (كوسيلة لفتح الهاتف) تشبه تسليم مفتاح خزنة تحتوى على مستندات إثباتية- وهو إجراء مادى محض لا يعتبر «اعترافًا» أو «شهادة»- بينما إجبار الشخص على كشف كلمة السر (التى تعتمد على الذاكرة) يشبه إجباره على كشف تركيب قفل سري، وهو ما يعتبر انتهاكًا لحقه فى الصمت وعدم تجريم الذات. وكشفت الوثائق أن التحقيق بدأ فى يناير 2020 عندما أوقف وكلاء الجمارك الضرير وهو قادم من القاهرة، وعثروا فى حقائبه على القطع الأثرية والوثائق المزورة، ورفضت المحكمة حجة الدفاع بأن المتهم كان «تحت الوصاية» خلال التفتيش، مؤكدة أن الإجراءات- التى شملت نقله إلى غرفة تفتيش جسدى وحراسته أثناء ذهابه إلى الحمّام- كانت أقرب إلى «الاعتقال الرسمي». ومع ذلك، اعتبرت أن الأدلة المستخرجة من الهاتف ستكون قد اكتشفت حتمًا بطرق قانونية، حتى بدون البصمة، حيث كانت السلطات تملك أدلة كافية للحصول على إذن قضائي، بما فى ذلك القطع الأثرية المادية والوثائق المزورة وشهادة الخبراء حول عدم أصالة إثباتات الملكية. ◄ هل يحق لمصر استعادة المضبوطات؟ رغم أن مكتب المدعي العام في نيويورك لم يحسم مسألة إعادة القطع الأثرية المضبوطة فى قضية أشرف الضرير إلى مصر، فإن الخطاب الذى قدمته النيابة العامة الأمريكية فى 20 أغسطس الماضى إلى المحكمة الجزئية بنيويورك، طالبت فيه صراحة ب»مصادرة جميع القطع الأثرية المضبوطة وإعادتها إلى مصر». وبالاطلاع على خطاب موجه من النيابة الأمريكية إلى المحكمة، يتضح نصًا ما يلي: «تطلب الحكومة باحترام أن تفرض المحكمة المصادرة كجزء من عقاب المدعى عليه، مع الإشارة إلى أنه في 22 يناير 2020، صادرت الحكومة القطع الأثرية الواردة بلائحة الاتهامات الموجهة للمتهم، والمصادرة كانت واجبة لتتمكن الحكومة من بدء عملية إعادتها لمصر». ويتوافق ما دعت إليه النيابة الأمريكية مع ما ورد في مذكرة تفاهم وقعتها مصر مع أمريكا في واشنطن مطلع ديسمبر عام 2016 تحت عنوان «مذكرة تفاهم للحفاظ على التراث الثقافى والأثرى في مصر وإعادة القطع الأثرية الهامة». وفي ذلك الوقت، أشارت السفارة الأمريكيةبالقاهرة فى منشور عبر صفحتها الرسمية بموقع «فيسبوك» إلى أن «هذا الاتفاق هو أول مذكرة تفاهم ملزمة للحفاظ على التراث الثقافي والأثرى يتم توقيعها بين الولاياتالمتحدة ودولة من دول الشرق الأوسط، وسيساعد هذا الاتفاق مصر على الحفاظ على تراثها الأثرى الغنى وتيسير إعادة الآثار المصرية». ◄ رغم صدور حكم ضده في مصر بالمؤبد 25 سنة وغرامة 10 ملايين جنيه.. سر تخفيف العقوبة «الأمريكاني» إلى 6 أشهر فقط! كشفت الوثائق الرسمية للقضية أن النيابة العامة الأمريكية طالبت بتوقيع عقوبة السجن على أشرف الضرير 36 شهرًا، إلا أن المحكمة الفيدرالية خفضت العقوبة إلى 6 أشهر فقط. ووفقًا للمستندات القضائية قدمت النيابة طلبًا مفصلًا إلى القاضية راشيل كوفنير يوضح أن حجم الجريمة واستمرارها لأكثر من عقد من الزمان، حيث تم ضبط 590 قطعة أثرية فى حوزة المتهم بقيمة 82 ألف دولار، إضافة إلى تورطه فى بيع أكثر من 500 قطعة منذ عام 2011، يستدعى عقوبة مشددة. كما أبرز طلب النيابة أن المتهم استخدم أساليب احتيالية متطوّرة، كتزوير وثائق الملكية لإضفاء الشرعية على القطع المسروقة، لكن المحكمة خالفت طلب النيابة وقضت بتخفيف العقوبة إلى 6 أشهر فقط، لثلاثة أسباب، أولها اعتراف المتهم الكامل بالذنب فى جميع التهم الموجهة إليه دون اتفاق مسبق مع النيابة، ما وفر على المحكمة وقت وجهد المحاكمة، والسبب الثانى هو عدم وجود سجل إجرامى سابق للمتهم، لذا اعتبرت المحكمة أنه أمر يستحق المراعاة، خاصة أن القضية لا تتضمن أى عنف أو إيذاء لأشخاص، والسبب الثالث هو استعادة جميع القطع الأثرية المضبوطة، ما ساهم فى تحقيق جزء من العدالة. وبحسب الوثائق، فإن القاضية استخدمت سلطتها التقديرية وفق القانون الفيدرالى الأمريكي، وقررت أن هذه العوامل مجتمعة تبرر تخفيف العقوبة، رغم اعترافها بجسامة الجريمة وخطورتها على التراث الثقافى المصري. فى المقابل دفعت هذه القضية السلطات القضائية فى مصر إلى التحرك منذ إعلان الجانب الأمريكى إلقاء القبض على الطبيب «المصرى - الأمريكي»، وبينما كانت لا تزال قضيته منظورة أمام القضاء الأمريكى قضت محكمة جنايات شمال القاهرة، فى 7 مايو 2023، بالسجن المؤبد 25 سنة وغرامة 10 ملايين جنيه على الضرير بتهمة تكوين تشكيل عصابى يضم 12 متهمًا آخرين، بينهم متخصصون فى التنقيب عن الآثار وتهريبها إلى أمريكا، وحملت القضية رقم 11423 لسنة 2022 جنايات النزهة، وقيدت تحت رقم 1987 لسنة 2022 كلى شرق القاهرة. ◄ تخرج بجامعة الإسكندرية عام 2001 بتقدير جيد.. مفاجأة.. الطبيب المدان لا يزال عضواً بالنقابة الأمر المثير للدهشة فى هذه القضية عدم طلب النيابة العامة فى أمريكا بإلغاء رخصة مزاولة مهنة الطب بالنسبة للطبيب المدان، ولا يوجد فى وثائق القضية ما يشير إلى اتخاذ المحكمة أى إجراءات لإبلاغ الجهات الصحية المعنية بالحكم لاتخاذ عقوبات تأديبية حياله، لكن السؤال الذى يتبادر إلى الذهن: هل الرخصة التى تتيح لأشرف الضرير مزاولة مهنة الطب صادرة عن جهة أمريكية مختصة أم من النقابة العامة للأطباء فى مصر؟ الموقع الرسمى الذى يستخدم للتحقق من تراخيص الأطباء وجميع المهن الصحية فى ولاية نيويورك هو موقع دائرة التعليم بالولاية (NYSED)، الذى يتيح «خدمة التحقق من الرخص المهنية»، وبالبحث فيه عن اسم أشرف عمر الضرير، جاء الرد بأنه «لا توجد نتائج». ولمزيد من التأكد تواصلنا مجددًا مع مكتب النائب العام فى نيويورك، حيث جاء رد الناطق الرسمى جون مارزولى قاطعًا: «إن أشرف الضرير لم يحصل أبدًا على ترخيص بمزاولة الطب من ولاية نيويورك». من ناحية أخرى علمت «آخرساعة» من مصدر بنقابة الأطباء المصريين أن أشرف الضرير تخرج فى كلية الطب بجامعة الإسكندرية دفعة 2001 بتقدير عام جيد، وحصل على ترخيص مزاولة المهنة فى أغسطس 2010، وهو ممارس عام (ليس له تخصص).. ووفق المصدر فإنه لم يتم شطب عضوية الضرير من نقابة الأطباء حتى الآن، ففى مثل هذه الحالات يتم الانتظار لحين صدور حكم نهائي بات، وحينها يعرض الأمر على النقابة للتحقيق والبت في وضع العضو.