مع انطلاق الدورة الأولى لمهرجان بورسعيد السينمائى، تدخل المدينة الباسلة مرحلة جديدة فى سجلها الثقافى، لتضيف إلى تاريخها الوطنى رمزًا فنيًا جديدًا يعكس مكانتها ويستثمر طاقاتها. المهرجان، الذى انطلق مساء الخميس بالمركز الثقافى ببورسعيد، وزير الثقافة، ومحافظ بورسعيد اللواء محب حبشى، برئاسة الناقد أحمد عسر، والرئاسة الشرفية للمنتج هشام سليمان، لا يأتى كحدث عابر، بل كرؤية متكاملة تسعى لإعادة توزيع الخريطة السينمائية فى مصر، وإضاءة بقعة جديدة خارج حدود المركزية التقليدية. اختيار اسم الفنان الكبير محمود ياسين، ابن بورسعيد، ليكون عنوانًا للدورة الأولى، لم يكن مجرد تكريم لشخصية فنية راحلة، بل تأسيس لجسر يربط الماضى بالحاضر، والذاكرة الوطنية بالهوية السينمائية الوليدة، أما شعار«سينما تُضىء»، فيكشف عن طموح يتجاوز حدود الفرجة إلى التأثير والتنوير وبناء وعى مجتمعى جديد. يقدّم المهرجان باقة واسعة من العروض: أفلام روائية طويلة، وقصيرة وتوثيقية، إلى جانب مشروعات تخرج لطلبة السينما، كما تحضر تونس كضيف شرف، فى إشارة واضحة إلى الرغبة فى مد جسور التعاون الثقافى عربيًا، وتُكمل الصورة ورش عمل متخصصة فى السيناريو والإخراج والتمثيل، ما يمنح المهرجان بُعدًا تعليميًا ومهنيًا لا يقل أهمية عن الجانب الاستعراضى. نجاح المهرجان لن يُقاس فقط بعدد الأفلام والضيوف، بل بمدى اقترابه من الجمهور المحلى. فالمركز الثقافى ببورسعيد يتحول لخمسة أيام إلى نافذة يطل منها سكان المدينة على العالم، وهو ما يمنح المهرجان فرصة فريدة ليكون ملكًا للجمهور، لا مجرد حدث نخبوى. ككل مهرجان فى دورته الأولى، يواجه بورسعيد السينمائى تحديات عديدة: من صعوبات التنظيم إلى ضرورة ترسيخ مكانته وسط زحام المهرجانات المصرية، مرورًا بالحاجة إلى تسويق أوسع لضمان جمهور يتجاوز النخبة، غير أن الدعم الرسمى، ورمزية المدينة، وتنوع البرنامج تمنح جميعها فرصة قوية لتجاوز هذه العقبات. تكمن قيمة المهرجان فى قدرته على صياغة هوية خاصة به، فبورسعيد، المدينة التى عُرفت تاريخيًا بالمقاومة، قادرة أن تضيف بُعدًا جديدًا للمشهد السينمائى المصرى إذا ما تبنى المهرجان خطًا يُبرز قضايا الحرية، إلى جانب تطوير برامج مستدامة لتأهيل المواهب الشابة، بهذا فقط يمكن أن يتحول إلى موعد سنوى راسخ، لا مجرد تجربة عابرة. مهرجان بورسعيد السينمائى فى دورته الأولى هو بداية مشروع ثقافى واعد، نجاحه لا يتوقف على عدد التكريمات أو الأفلام، بل على قدرته على خلق جمهور جديد، وصناعة جيل شاب من السينمائيين، وترسيخ موقع بورسعيد كعاصمة سينمائية على شاطئ المتوسط، إنها لحظة ميلاد، وإذا أحسن صُنّاع المهرجان استثمارها، فإن الشعار «سينما تُضىء» لن يظل مجرد كلمات، بل واقعًا ينعكس على المدينة ومجتمعها.