تشهد العلاقات المصرية الإسبانية نقلة نوعية مع دخولها مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية، وذلك في ظل الزيارة التاريخية التي يقوم بها ملك إسبانيا فيليبي السادس والملكة ليتيثيا إلى مصر في الفترة من 16 إلى 19 سبتمبر الجاري، إذ ان هذه الزيارة، التي تُعد الأولى من نوعها للعائلة المالكة الإسبانية إلى منطقة الشرق الأوسط، تأتي لتتويج عقود من العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مختلف المجالات. ترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية شهد العام 2025 محطة فارقة في تاريخ العلاقات المصرية الإسبانية، عندما وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في فبراير الماضي على الإعلان المشترك لترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. وقد شهدت هذه الزيارة الرسمية للرئيس السيسي إلى مدريد لقاءً مع جلالة الملك فيليب السادس يوم 18 فبراير 2025، حيث حرص الملك الإسباني على الترحيب بالرئيس المصري ضيفاً عزيزاً، معرباً عن اعتزاز بلاده بالعلاقات والأواصر التاريخية الممتدة، وتقدير إسبانيا لدور مصر الجوهري باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وفقاً لما نقلته شاينا توداي عن البيان الرئاسي. كما شهدت الزيارة توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين في مجالات مختلفة، وإصدار بيان مشترك شامل حول القضايا الدولية والإقليمية، مما يعكس عمق الروابط الاستراتيجية الجديدة بين البلدين. أكد الملك فيليبي السادس في كلمة للجالية الإسبانية في مصر أن "علاقات إسبانيا ومصر ترقى إلى شراكة استراتيجية ونمضي معاً من أجل سلام دائم في الشرق الأوسط"، مشيراً إلى أن مصر تُعد دولة محورية وشريكاً استراتيجياً في المنطقة، وفقاً لما نقلته وسائل الإعلام المحلية. التبادل التجاري والاقتصادي المتنامي تحتل إسبانيا مكانة متميزة كأحد أبرز الشركاء التجاريين لمصر داخل الاتحاد الأوروبي، إذ أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين بلغت 1.5 مليار دولار خلال النصف الأول من 2025، مقابل 1.6 مليار دولار في الفترة المماثلة من 2024. وقد وصل إجمالي حجم التبادل التجاري السنوي إلى 3.1 مليار دولار خلال عام 2024 كاملاً، مما يعكس متانة الشراكة الاقتصادية بين البلدين. وفي إنجاز لافت، احتلت إسبانيا المركز الثاني في ترتيب أكبر خمس دول استقبلت الصادرات المصرية خلال ال11 شهراً الأولى من عام 2024. ويأتي هذا النمو في سياق مشاركة الشركات الإسبانية الفعالة في مشاريع تنموية استراتيجية داخل مصر، خاصة في مجالي السكك الحديدية والصناعات الطبية، حيث أكد الرئيس السيسي خلال زيارته لمدريد على حرص الحكومة المصرية على توفير كافة التسهيلات لضمان نجاح الشركات الإسبانية العاملة في مصر. معاهدة الصداقة والتعاون والروابط الثقافية العريقة تستند العلاقات المصرية الإسبانية إلى أسس تعاقدية قوية، حيث وقع وزيرا خارجية البلدين على معاهدة الصداقة والتعاون بين مصر وإسبانيا خلال زيارة الملك خوان كارلوس والملكة صوفيا إلى مصر في الفترة من 4 إلى 6 فبراير 2008. هذه المعاهدة شكلت نقلة تعاقدية وسياسية نوعية في العلاقات الثنائية وتُعد إطاراً شاملاً لكافة أوجه العلاقات بين البلدين. كما تتميز العلاقات الثقافية المصرية الإسبانية بعمق تاريخي يمتد لعقود طويلة، وتتجسد هذه الروابط في اتفاقيات التوأمة المبرمة بين المدن الرئيسية في البلدين، إذ ارتبطت العاصمة المصرية القاهرة مع مدينة برشلونة الإسبانية باتفاقية توأمة منذ عام 1984، كما ترتبط مدينة الإسكندرية التاريخية مع مدينة أليكانتي الساحلية باتفاقية توأمة موقعة في ديسمبر 1995. التنسيق السياسي المكثف حول القضايا الإقليمية تشهد العلاقات المصرية الإسبانية تنسيقاً سياسياً مكثفاً على مستوى عالٍ، حيث تبادل وزيرا خارجية البلدين عدة اتصالات ولقاءات خلال عام 2025. وقد أجرى الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية اتصالاً هاتفياً مع خوسيه مانويل ألباريس وزير خارجية إسبانيا في 26 أغسطس 2025، أشاد فيه الوزيران بالعلاقات الثنائية المتميزة وتناولا الزيارة المرتقبة لجلالة ملك إسبانيا إلى مصر. وقد أكد البلدان خلال البيان المشترك الصادر في فبراير 2025 التزامهما بتعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل التجارة والاستثمار والنقل والطاقة والهجرة والزراعة والمصايد السمكية والعدالة والأمن. التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية تأتي الشراكة الاستراتيجية المصرية الإسبانية في ظرف إقليمي بالغ الحساسية يشهد تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، إذ أشاد الرئيس السيسي بالموقف الإسباني التاريخي الداعم للقضية الفلسطينية، مؤكداً أن قرار إسبانيا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية يُعد مساهمة هامة في إحلال السلام والاستقرار الإقليميين. كما أكد البلدان في بيانهما المشترك على حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم ورفضهما لأية محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، مع التأكيد على أهمية تضافر الجهود الدولية المشتركة لرفع المعاناة عن قطاع غزة. آفاق المستقبل والتطلعات المشتركة مع استمرار الزيارات رفيعة المستوى وتطوير آليات التعاون المتقدمة، تبدو العلاقات المصرية الإسبانية مهيأة لتحقيق قفزات نوعية في المرحلة القادمة. الإرادة السياسية القوية من الجانبين، المدعومة بالروابط التاريخية العريقة والمصالح المشتركة، تهيئ الأرضية لتوسيع نطاق الشراكة لتشمل مجالات جديدة تخدم تطلعات الشعبين الصديقين نحو مزيد من الازدهار والتقدم والاستقرار الإقليمي.