فى قمة الدوحة الطارئة، تتزاحم التساؤلات أكثر من الإجابات، لكن الحقيقة الثابتة التى لا تقبل الشك هى وجود غضب عربى وإسلامى متصاعد من إرهاب الدولة الذى تمارسه إسرائيل، ومن السياسات العدوانية لحكومة بنيامين نتنياهو، وزعزعة الأمن الإقليمى المستمرة منذ ثلاث سنوات، والإحباط الناتج من الدعم الأمريكى غير المحدود لهذه السياسات، وخاصة فى دول الخليج بعد الضربة الإسرائيلية للدوحة رغم التواجد العسكرى الأمريكى والالتزامات الأمنية بين الطرفين منذ عقود. تدور فى أروقة القمة أسئلة عديدة، أبرزها: كيف سيتعامل القادة مع أخطر استهداف إسرائيلى لسيادة دولة عربية فى قلب الخليج؟ وهل ستخرج القمة بقرارات تتجاوز حدود البيانات التقليدية إلى خطوات عملية تردع المعتدى وتحمى السيادة؟ وما مدى قدرة الدول المشاركة على بناء موقف موحد وسط تباين الأولويات وتشابك الحسابات والمصالح الإقليمية والدولية؟ وجود هذه التساؤلات يؤكد أن المشهد مفتوح على احتمالات عدة، لكن المؤكد أن القمة تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظامين العربى والإسلامى على تحويل لحظة الأزمة إلى فرصة لإعادة صياغة الموقف الجماعى. صحيح أن الفوضى الهائلة الناتجة عن تصرفات حكومة نتنياهو تمثل تهديدًا للأمن القومى العربي، غير أن الرفض الدولى والتحركات العربية الرافضة لقصف دولة ذات سيادة، والالتفاف العربى والإسلامى حول قطر، يحمل فرصة لمواقف قوية وموحدة، تتسق مع مقولة المفكر الاستراتيجى الصينى سون تزو، مؤلف «فن الحرب»: «فى خضم الفوضى، هناك أيضًا فرص». الفرصة تبدو قريبة من القمة الحالية، خاصة مع حسن استثمار الموقف الأمريكى الغاضب من الفشل الإسرائيلى المتوالى وتأثيره السلبى على المصالح الأمريكية. ويتضح ذلك من اتجاه القمة لمناقشة مشروع قرار يتعلق بالهجوم الإسرائيلى على قطر، والاتفاق العربى والإسلامى على اتخاذ موقف جماعى حاسم لمواجهة هذا التصعيد. وبحسب الرؤية المشتركة للأمن والتعاون الإقليمي، التى اعتمدها وزراء الخارجية العرب فى اجتماع بالقاهرة أخيرًا بمبادرة سعودية-مصرية، والتى ستكون محور النقاش بين القادة، يمكن توقع اتفاق القادة على خريطة طريق لأمن عربى جديد يواجه التهديدات والتحديات التى تفرضها العربدة الإسرائيلية على المنطقة. وتتضمن الرؤية العربية المشتركة محورين رئيسين للتحرك: 1- ضرورة إنهاء احتلال إسرائيل للأراضى العربية. 2- رفض أى ترتيبات للتعايش أو التعاون الإقليمى فى ظل استمرار الاحتلال أو التهديد المبطّن بضم أراضٍ عربية أخرى. مصادر دبلوماسية عربية أشارت إلى أن وجود اتفاق ضمنى على تقديم رسالة تضامن عربى وإسلامى قوية مع قطر، وتوجيه إشارة واضحة للعالم بأن الممارسات الإسرائيلية مرفوضة، وأن العرب والمسلمين قادرون على صياغة موقف موحد يحمى مصالحهم وسيادتهم. هذا يعنى إمكانية رؤية موقف عربى وإسلامى ضاغط على الولاياتالمتحدة لكبح جماح حكومة نتنياهو وفرض السلام عليها، خصوصًا مع حالة الإحباط فى الكواليس العربية من الإذعان الأمريكى لإسرائيل طوال الفترة الماضية، وهو ما شرعن الفوضى وقوض قواعد القانون الدولي، وتركها فى حالة اهتراء كامل وعنيف بعدما تجرأ نتنياهو على القانون الدولى وضمن الإفلات من العقاب رغم ثبات جرائم الحرب عليه وعلى قادة جيش الاحتلال. وهو ما يعنى ان القمة العربية هذه المرة ليست مجرد اجتماع دبلوماسي، بل اختبار حقيقى لإرادة الدول العربية والإسلامية فى تحويل هذا الغضب إلى موقف جماعى فاعل يردع العدوان ويحمى السيادة. قولا واحدًا، يحتاج العرب إلى اتفاق على خارطة طريق لمواجهة المشروع الإقليمى الإسرائيلى وما أعلنه نتنياهو من خطوات تمهّد لهندسة إقليمية تمكن إسرائيل من الهيمنة والاستيلاء على مزيد من الأراضي، وتصفية كاملة للقضية الفلسطينية والإجهاز على مشروع حل الدولتين. وبدون ذلك، ستستمر الأزمة وتتفاقم، وتصبح العربدة الإسرائيلية معتادة، ومعها يضيع معنى السيادة ويصبح الجميع معرضين للخطر. حذرت مصر مبكرًا من اتساع نطاق الحرب والصراع؛ لقد توقعت القاهرة العربدة الإسرائيلية والإصرار على تنفيذ التهجير القسرى للفلسطينيين خارج أراضيهم، وهو ما يعنى انتهاء حل الدولتين عمليًا. وتصدت لذلك، وواجهت حملات التشكيك والتبجح أمام مقرات سفاراتها، وهى تعلم الهدف الحقيقي، وهو الضغط عليها لتمرير المخطط الإسرائيلى وفتح المعبر أمام النازحين، ومن ثم إفراغ القطاع من قاطنيه. وهو عمل ظالم كما وصفه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذى شدد على أن مصر لن تشارك فى ظلم الحق الفلسطيني، وهو موقف سيسجله التاريخ ويتسق مع مسار الدعم المصرى التاريخى للقضية الفلسطينية. الدبلوماسية العربية مطلوبة، وهى سلاح لا يستهان به إذا ما وضعناها بجوار المصالح الاقتصادية والتلويح بورقة الاستثمارات العربية الكبيرة، والاتفاق على حد أدنى من تنسيق المواقف -كما رأينا فى جلسة مجلس الأمن- يؤكد أن العرب على موجة واحدة فى لحظة توحد نادرة وبها كثير من التوافق على أهمية التحرك لضمان أمن الجميع. العرب أمام مفترق طرق: إما الاتفاق على موقف موحد، أو استمرار حالة الضعف التى تشجع إسرائيل على العربدة، والوقوف صفًا واحدًا أمام مشاريع الهيمنة والسيطرة لأنها واقعيًا لا تهدد الأمن الاقليمى فحسب بل والأمن العالمى أيضًا، فالجموح الإسرائيلى يقود المنطقة لانفجار لا محالة.