تشهد العلاقات المصرية–الإسرائيلية توترًا متزايدًا خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما فجّرت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية بالقاهرة. خبراء استراتيجيون اعتبروا أن تلك التصريحات لم تقتصر على تجاوز الأعراف الدبلوماسية، بل حملت رسائل استفزازية تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري وتعكس أزمة ثقة متنامية بين الجانبين. اللواء الدكتور محمد الغباشي، الأمين العام بمركز آفاق للدراسات الاستراتيجية، أوضح أن خطابات نتنياهو الأخيرة استهدفت إنهاك الدولة المصرية لوجستيًا وعرقلة تدفق المساعدات الإنسانية عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، لكون مصر الدولة الوحيدة القادرة على كبح جماح الاحتلال الإسرائيلي. وأشار الغباشي إلى أن نتنياهو، المثقل بأزمات داخلية، تجاهل الدور المصري المحوري في تثبيت التهدئة بقطاع غزة وفتح قنوات الوساطة مع الفصائل الفلسطينية، مضيفًا أن تحميل القاهرة مسؤوليات غير واقعية يعد تجاوزًا للخطوط الحمراء ويهدد الأمن القومي المصري، لاسيما في ظل الأوضاع الملتهبة على حدود غزة وسيناء. كما أكد أن المؤسسة العسكرية المصرية تدرك تمامًا خطط نتنياهو الرامية إلى تقويض القضية الفلسطينية وإضعاف القدرات الاستراتيجية لمصر، فضلًا عن ضرب علاقاتها الدبلوماسية إقليميًا ودوليًا. خسائر اقتصادية ومسؤوليات دولية الغباشي أشار أيضًا إلى أن عرقلة حركة الملاحة المصرية في البحر الأحمر والخسائر التي لحقت بقناة السويس – والتي تجاوزت 7 مليارات دولار – تتحمل مسؤوليتها واشنطن وتل أبيب. واعتبر أن ما شهدته دول عربية مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان من حروب تخريبية يدخل في إطار سيناريو أمريكي–إسرائيلي يستهدف تحجيم القوة العسكرية المصرية. وعلى الرغم من التزام القاهرة باتفاقية كامب ديفيد، شدد الغباشي على أن استمرار الاستفزاز الإسرائيلي قد يدفع مصر إلى إعادة تقييم شاملة لطبيعة التنسيق مع تل أبيب. خداع استراتيجي وإبادة جماعية من جانبه، أكد اللواء أركان حرب الدكتور محمد الغباري، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق، أن تصريحات نتنياهو تأتي في إطار تبرير استخدام غزة كمسرح للخداع الاستراتيجي منذ السابع من أكتوبر 2023، وإضفاء غطاء سياسي على سياسة الإبادة الجماعية بالقطاع، إلى جانب الضغط على القاهرة للقبول بخطة التهجير القسري للفلسطينيين. وأضاف الغباري أن إسرائيل تعمل على عرقلة المبادرات المصرية والعربية الخاصة بإيصال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، لأنها تدرك أن تلك المبادرات تعزز صمود الشعب الفلسطيني. كما اعتبر الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطر – بسبب استضافة قادة حركة حماس – تهديدًا مباشرًا لجهود الوساطة القطرية لوقف إطلاق النار، وخروجًا صارخًا عن الأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي. ثبات الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية وفي الإطار نفسه، شدد اللواء طيار الدكتور هشام الحلبي على أن الموقف المصري من القضية الفلسطينية ثابت منذ عام 1948، ويتمثل في دعم الشعب الفلسطيني وتمكينه من إقامة دولته المستقلة. وأوضح أن سيناريو التهجير القسري ليس جديدًا، وأن مصر تتصدى له بدعم عربي وإسلامي ودولي واسع، خاصة من جانب الأممالمتحدة. واختتم الحلبي بأن وجود توافق كامل بين الموقفين الشعبي والرسمي في مصر يمنحها قوة مضاعفة على الساحة الإقليمية والدولية، ويجعل القضية الفلسطينية قضية مصيرية لا مجرد ملف إقليمي عابر.