فى قاعات محاكم الأسرة، تتناثر الحكايات الإنسانية المؤلمة التى تعكس حجم المعاناة داخل البيوت المصرية، قصص لزوجات انهارت أحلامهن تحت وطأة تدخل الأمهات فى تفاصيل حياتهن الزوجية، وزوجات وقفن عاجزات أمام أزواج لا يتحركون إلا بإذن أمهاتهم، لتتحول بيوتهن إلى ساحات صراع مكتوم، وتصبح محاكم الأسرة الشاهد الصامت على ما يمكن أن تفعله الأم المتسلطة حين يتجاوز حبها الحدود الطبيعية، وفى محاولة لفهم أبعاد هذه الظاهرة وأسبابها، كان لا بد من العودة إلى آراء الخبراء القانونيين والاجتماعيين الذين يلمسون حجم هذه المشكلات بشكل مباشر داخل ساحات المحاكم وخارجها. اقرأ أيضًا| تطلب الخلع بعد شهرين .. أهل زوجى جعلوا حياتى جحيمًا الخبراء: صراع مكتوم فى مجتمعنا تقول المحامية نهى الجندى : «الأم المتسلطة تسيطر على أبنائها منذ الصغر، فتتحكم فى طعامهم وشرابهم ودراستهم، مما يخلق شخصية ضعيفة عديمة الثقة بالنفس، وعند الزواج، يصبح هذا الابن غير قادر على اتخاذ أى قرار دون الرجوع لوالدته، لينعكس ذلك سلبا على حياته الزوجية ويهددها بالانهيار». وتروى الجندى قصة إحدى موكلاتها قائلة: «جاءتنى زوجة تريد خلع زوجها لأنه لا يتحرك خطوة واحدة إلا بإذن أمه، حياتنا تحولت إلى جحيم بسبب تدخل حماتى فى كل تفاصيل بيتنا، والأسوأ أنه لا يصدقنى ويقف فى صفها دائما». اقرأ أيضًا| وزير العدل يتفقد أعمال إنشاء مبنى محكمة أسرة البساتين ودار السلام وعلى نفس الدرب، تتكرر القصص بأشكال مختلفة، لكنها جميعا تبدأ عند باب «الحماة»، ف»منى» (31 عاما) تروى أنها لم تشعر يوما بالاستقلال فى حياتها الزوجية، فحماتها كانت تتدخل حتى فى طريقة إعداد الطعام، وتتهمها دائما بالتقصير،أما «رحاب» (29 عاما) فقد وقفت أمام محكمة الأسرة باكية، مؤكدة أن حماتها أجبرتها على ترك عملها بحجة أن الزوجة الصالحة مكانها البيت فقط، لتجد نفسها أسيرة جدران منزل لا تملك فيه قرارا، وتقول «فاطمة» (35 عاما) إنها عاشت سنوات زواجها فى ظل صراع مكتوم، حيث كانت حماتها تفتش هاتفها وتتدخل فى كل صغيرة وكبيرة، حتى فقدت الإحساس بالأمان، فيما تحكى «ياسمين» (26 عاما) أن حماتها حولت حياتها إلى صراع يومى بعدما أصرت على التدخل فى تربية الأطفال وفرض آرائها بالقوة، الأمر الذى زرع الخلافات بينها وبين زوجها باستمرار. وعلى الجانب الآخر، لم تسلم بعض الأسر من تدخل أمهات الزوجات فى الحياة الزوجية، إذ تروى «دعاء» (28 عاما) أن والدتها كانت تتدخل فى كل تفاصيل علاقتها بزوجها، بدءا من المصاريف الشهرية وصولا إلى طريقة التعامل معه، ما أشعل الخلافات داخل البيت حتى انتهى الأمر بدعوى طلاق، وتقول «مها» (33 عاما): «أمى كانت دائمة الحضور فى بيتنا بحجة الاطمئنان، لكنها كانت تنتقد زوجى باستمرار أمامى وأمام أولادي، ومع الوقت فقدت ثقتى فيه وانتهى زواجنا إلى الانهيار»،أما «سعاد» (35 عاما) فتؤكد أن تدخل والدتها فى تربية الأطفال خلق صدامات متكررة مع زوجها، إذ كان يشعر أنه لا يملك أى قرار داخل بيته، ما جعله ينفر ويبتعد تدريجيا حتى بات الطلاق هو المخرج الوحيد. وتوضح د. سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع: «التسلط الأمومى يحول الزواج إلى علاقة ثلاثية الأطراف، حيث تصبح الأم طرفا أساسيا فى القرارات، وهذا يقتل خصوصية الحياة الزوجية ويدفع إلى الطلاق أو الخلع فى كثير من الحالات، كما يؤدى إلى إنجاب أبناء معتمدين كليا على أمهاتهم، يعجزون لاحقا عن إدارة حياتهم الزوجية، ما يولد مشكلات نفسية كضعف الثقة بالنفس والقلق الدائم. اقرأ أيضًا| صرف منحة مالية لأسرة موظف توفي خلال تأدية عمله بانتخابات الشيوخ وتضيف : «الحل يكمن فى تربية الأبناء منذ الصغر على الاستقلالية، ووضع حدود واضحة بين الأهل وحياة الأبناء بعد الزواج، مع تفعيل دور جلسات الإرشاد الأسرى والنفسى حتى لا يتحول الحب إلى قيد يهدم البيوت بدلا من أن يحميها» كما شددت خضر على أهمية دور الإعلام والدراما فى تشكيل الثقافة المصرية والعربية، مؤكدة أن غياب الرقابة عن المحتوى أسهم فى تآكل القيم الأسرية ونشر أنماط سلوكية غريبة عن المجتمع. وأضافت: «نفتقد اليوم لشخصيات إعلامية وتربوية مؤثرة مثل أبلة فضيلة وماما نجوى وكريمة مختار فى تقديم الأدوار الطيبة ومارى منيب فى تقديم أدوار الحمى الفكاهية، اللاتى قدمن رسائل إيجابية عن احترام الأسرة والزوج، وغرس القيم الصحيحة فى الأجيال». وأشارت خضر إلى أن وصف المرأة المصرية ب«عظيمات مصر» لا ينبغى أن يقتصر على دورها فى العمل فقط، بل فى قدرتها على احترام الزوج، وبناء الأسرة، وتربية الأبناء،وقالت: «المرأة المصرية تعمل منذ القدم، وحتى فى العصر الفرعوني، كانت تعمل وتتوج على عرش مصر، لكن عظمتها الحقيقية كانت فى دورها المحورى فى بناء الأسرة وصناعة الأجيال، فالمرأة لا تقاس عظمتها بعدد ساعات عملها، بل بقدرتها على الحفاظ على البيت وتربية جيل قادر على مواجهة الحياة». اقرأ أيضًا| إخلاء سبيل المتهمة بدهس أسرة كاملة بحي النرجس بالتجمع واختتمت خضر مناشدتها للجهات المختصة والقيادة السياسية بضرورة إعادة هيبة القيم الأسرية فى الإعلام والدراما، وإبراز دور المرأة الحقيقى كعماد للأسرة والمجتمع، مؤكدة أن «إصلاح البيت هو الخطوة الأولى لإصلاح المجتمع بأسره». ووفقا لتقارير عديدة، فإن أهم أسباب قضايا الطلاق تعود إلى تدخل الأمهات فى الحياة الزوجية، ما يجعلها خصما خفيا يهدد استقرار الأسر دون وعي. فى النهاية، تبقى قاعات محاكم الأسرة شاهدة على دموع زوجات انهارت أحلامهن، وأطفال دفعوا ثمن تدخلات غير محسوبة، فربما حان الوقت لنضع حدودا تحفظ للأمهات مكانتهن وللبيوت استقرارها، قبل أن يصبح التدخل المفرط قيدا يكسر ما تبقى من روابط الحب والثقة بين الأزواج.