لو كانت لديهما أسلحة أطول، مثل بندقية إم-16 أو كلاشينكوف، لكان عدد الضحايا والقتلى أكبر هى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، تلك العملية الاستشهادية التى قام بها فلسطينيان صباح أمس الأول فأطلقا النار على محطة حافلات عند مفترق راموت فى القدس، مما أودى بحياة ستة أشخاص منهم إسبانى والباقى إسرائيليون. لكن لعلها حقًا الأخطر منذ عامين حين وقعت عملية مشابهة وانتهت بنهاية مشابهة باستشهاد منفذيها فورًا وفى المكان على يد قوات شرطة الاحتلال الموجودين فى المكان. بالإمكان رصد بعض الملاحظات من واقع ما نشر حتى الآن فى صحافة الاحتلال الإسرائيلى: أولًا: أن الاستشهاديين من سكان قرى الضفة الغربية المجاورة لمكان العملية، فى أوائل العشرينات من العمر واستطاعا الوصول إلى المنطقة فى سيارة، ودخلا إلى المنطقة التى تسيطر عليها إسرائيل بسيارة عبر ثغرة فى السياج، وتزعم جهات التحقيق أنهما تلقّيا مساعدة فى النقل من شخص يحمل بطاقة هوية إسرائيلية. ثانيًا: لم يثبت انتماء أى من الشابين الاستشهاديين إلى أى من فصائل المقاومة الفلسطينية، كما قد يتبادر إلى الذهن، ولم تعلن أى حركة فلسطينية وخاصة حركتى حماس والجهاد الإسلامى مسئوليتها عن العملية وإن كانت رحبت بها، مما يدل على أن الشابين لم يكونا مدفوعين بأية دوافع أيديولوجية، وأن هجوم القدس لم يكن عمليةً منظمةً لأيٍّ من التنظيمين، بل مبادرة محلية من شباب متحمسين، ربما متدينون، يعرفون المنطقة جيدًا ويجيدون طرق اختراق إسرائيل. ثالثًا: الأسلحة التى استخدمها الاستشهاديان كانت صغيرةً نسبيًا وتعتبر بدائية؛ أحدهما كان يحمل مسدسًا والآخر رشاشًا من طراز «كارل جوستاف» من صنعهما، والمعروف فى الأراضى المحتلة باسم «كارلو». من البديهى أنه لو كانت لديهما أسلحة أطول، مثل بندقية إم-16 أو كلاشينكوف، لكان عدد الضحايا والقتلى أكبر، لكن من المرجح أنهما اختارا كارلو والمسدس لسهولة الحصول عليهما وإخفائهما تحت الملابس والتجول بهما فى الشوارع دون أن يلاحظهما أحد. رابعًا: من السهل الافتراض أن خلفية الهجوم كانت أحداث غزة والوضع الاقتصادى الصعب، والصور القادمة من القطاع فضلًا عن التوتر العام فى الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة ولا سيما بعد أن أعلنت سلطات الاحتلال عزمها على ضم الضفة الغربية. كل ذلك يرفع تدريجيًا من مستوى دافعية الشباب للقيام بأعمال مقاومة. ولا يمكن إنكار أن ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلى من جرائم يوفر الدافع لأى شخص يعانى منها ولديه الحمية وما يكفى من العزم، للقيام بعمليات عفوية مشابهة. خامسًا: من الصعب جدًا إيقاف هجومٍ يكاد يخلو من أى علامات تحذير، ومنفذوه على استعداد للانتحار. وقد شهدت إسرائيل هذا النوع من الهجمات منذ أوائل التسعينيات وخلال الانتفاضة الثانية. أدركت حينها أنها تواجه تحديات أمنية دفعتها لاتخاذ خطوتين وقائيتين: سدّ ثغرات خط التماس، وتفتيش المارين عبر المعابر، ومع ذلك لم تنجح فى صد عمليات المقاومة الفردية. والأوضاع الحالية ترشح الضفة الغربية للمزيد من العمليات المشابهة. ويمكن التنبؤ بامتداد الوضع إلى قطاع غزة، على الرغم من أن النشاط الهجومى لجيش الاحتلال الإسرائيلى يشكل ضغطًا على منظمات المقاومة الفلسطينية ويُعطّل أنشطتها نسبيًا، ولكن حتى لو تم تفكيك جيوشها عمليًا (لا سمح الله)، وتمتع جيش الاحتلال الإسرائيلى بحرية الحركة والعمل، فإن نشاط حماس والجهاد الإسلامى المسلح لا يزال مستمرًا وسيستمر لسنوات عديدة، حتى بعد انتهاء الحرب. القاعدة الأبدية التى ترفض إسرائيل استيعابها أن المقاومة لكل أنواع الظلم والقهر والاحتلال فعل بشرى تلقائى لا يموت مهما جثم المحتل واشتدت قبضته.