في مشهد يربط التاريخ بالحاضر، عادت الإسكندرية لتتصدر عناوين الصحف بعد الكشف الأخير عن موقع أثري غارق، ليعيد إلى الواجهة ملفًا ظل حاضرًا في أجندة وزارة السياحة والآثار منذ عقود، وهو ملف الآثار الغارقة الذي يشكل أحد الكنوز الفريدة لمصر، ويثير شغف الباحثين والجمهور على حد سواء. إنجازات ملموسة وقال الدكتور باسم إبراهيم، مدير عام الإدارة العامة للخدمات بالمواقع السياحية والأثرية والمتاحف، إن ملف الآثار الغارقة في الإسكندرية ليس جديدًا على وزارة السياحة والآثار، موضحًا أن العمل في هذا المجال بدأ منذ تأسيس الإدارة العامة للآثار الغارقة عام 1996. وأضاف إبراهيم: "الحدث الأخير المرتبط بالكشف عن موقع أثري غارق في الإسكندرية جاء في توقيت مناسب، ليس فقط لإبراز أهمية التراث الثقافي المغمور بالمياه في مصر، بل لتسليط الضوء على الجهود التي تبذلها الإدارة العامة للآثار الغارقة، وعلى الكوادر المصرية من الأثريين الذين يحققون إنجازات ملموسة في هذا المجال". وأوضح أن الإدارة تعمل على محورين رئيسيين، هما العمل المستقل من خلال بعثات مصرية بالكامل، التعاون مع بعثات أجنبية متخصصة، في إطار شراكات علمية مستمرة منذ سنوات. وأشار إلى أن هناك مواقع يجري العمل بها بشكل مشترك مع البعثات الأجنبية، وأخرى يتم التعامل معها بجهود مصرية خالصة، من بينها الموقع الذي تم الكشف عنه مؤخرًا في الإسكندرية. وختم إبراهيم بالقول: "كنت أعمل ضمن فرق الغوص لمدة 18 عامًا، وشاهدت عن قرب حجم الجهد المبذول في مواقع الآثار الغارقة، خاصة في الإسكندرية التي تُعد من أهم المدن التي تحتضن هذا النوع من التراث الفريد". منهج علمي صارم.. ولا مجال للصدفة من جهته قال محمود بيرم، مدير مخازن الآثار بالإدارة العامة للآثار الغارقة، إن تسليط الضوء الإعلامي مؤخرًا على ملف الآثار الغارقة أثار اهتمام المواطنين، خاصة أن الكثيرين لديهم شغف بكل ما يتعلق بالبحر والكنوز المغمورة تحت الماء. وأضاف بيرم، أن الاهتمام بالآثار الغارقة في مصر بدأ مبكرًا، وتحديدًا في عام 1933، عندما اكتشف طيار بريطاني قطعة أثرية غارقة قبالة سواحل أبو قير، وأبلغ حينها الأمير عمر طوسون، فبدأت عمليات البحث والاستكشاف، مما كشف أن هناك بالفعل كنوزًا أثرية مغمورة تحت سطح المياه. وأشار إلى أن الحدث الأخير الذي سلط الضوء على هذا النوع من التراث تزامن مع الاحتفال بيوم التراث العالمي، وهو ما أعطى دفعة كبيرة للاهتمام الجماهيري والإعلامي بهذا الملف، خاصة أن العام المقبل سيشهد مرور 30 عامًا على تأسيس الإدارة العامة للآثار الغارقة بالإسكندرية، والتي تُعد من أوائل الجهات المتخصصة في الحفاظ على التراث الثقافي المغمور بالمياه. وأكد بيرم، أن العمل في مواقع الآثار الغارقة يتم بشكل علمي ومنهجي دقيق، موضحًا: "قبل استخدام أي معدات، نقوم بتحديد الموقع بدقة باستخدام نظام GPS، ونسجل كل قطعة أثرية في مكانها الأصلي، نصورها، نرسمها، ونوثق كل تفاصيلها، وبمجرد انتشال القطعة، نكون على علم كامل بموقعها الجغرافي الدقيق، ويتم رسم خريطة توضح مكان كل قطعة داخل الموقع، مما يتيح لنا إعادتها في حال دعت الحاجة، وفقًا لنفس الترتيب والموقع". واختتم قائلًا: "ما نقوم به ليس عشوائيًا أو عفويًا، بل عمل منظم قائم على أسس علمية، ولا مجال فيه للصدفة".