مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد ذكرى نتحدث عنها كل شهر ربيع أول بل هى نموذج حياة يجب ممارستها فى كل ثانية لست من هواة الجدل حول مدى شرعية حلاوة المولد لكني من هواة أكلها والتلذذ بأطعمها ليس فى ذكرى المولد النبوي الشريف فقط بل وكل أيام العام لو توافرت. أقصد هنا لو توافرت الفلوس طبعًا وليس حلاوة المولد المتوفرة طوال العام والتى تحلق أسعارها فى العلالى بعيدًا عن مقدرة السواد الأعظم من الناس. نعم لا تشغلنى قضية الجدل السنوى الذى يصاحب ذكرى مولد خير الأنام صلى الله عليه وسلم ليس لأنى غير مهتم بمعرفة الحلال والحرام فى حياتى وما هو مشروع أو ممنوع وغيرها من القضايا فأنا أحاول قدر الإمكان التحرى والتدقيق، لكن مثل قضية تناول الحلوى أو عدم تناولها تبدو لى قضية ثانوية مقارنة بقضية أساسية تشغلنى جدًا، ألا وهى قضية ما هو نصيب سُنة النبى الحبيب صلى الله عليه وسلم في حياتنا. أغلب من يجادلون فى شرعية حلاوة المولد من عدم شرعيتها لو تأملت حياتهم فستجدها أبعد ما يكونون عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم سواء فى عباداتهم ومعاملاتهم أو معاشراتهم، ولو شغلوا أنفسهم بتلك الجزئية لما وجدوا أهمية تذكر لمثل هذه المناقشات الجدلية الموسمية. لا يروق لى أيضًا أن يكون الحديث عن السيرة العطرة للرسول صلى الله عليه وسلم حديثًا موسميًا حيث تقام الاحتفالات وتخصص خطب الجمعة خلال شهر ربيع الأول للحديث عن أحب خلق لله. فلو أنصفنا لجعلنا سيرته موضع أحاديثنا طيلة العام وكل يوم، فلا يوجد ما هو أحلى وأقيم وأبقى من الكلام عنه وعن سنته، التى يجب أن نضعها نبراسًا لحياتنا لو كنا نريد حقًا النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة. حل جميع مشاكلنا فى حسن اتباعه . ذلك ما فهمه الصحابة ونفذوه بكل حذافيره ففازوا فى الدنيا والآخرة وحصلوا على ختم الرضوان وهم على قيد الحياة، رضي الله عنهم ورضوا عنه. ليس البشر فقط هم من فهموا ذلك بل جميع الكائنات، فهذا جذع شجرة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتخذه منبرًا قبل أن يصنع الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم منبرًا خشبيًا فإذا بالجذع يبكى على فراق النبى. حتى الدواب أعزكم الله أدركت أن الرسول يجب أن يكون فى المقدمة. حدث أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمشى مرة فى المدينةالمنورة على قدميه الشريفتين فإذا به يقابل أبو سفيان وكان يمتطى دابته، توقف أبو سفيان ووخز دابته بالطريقة التى دفعتها للنزول للأرض ودعا الرسول للركوب، حيث قام أبو سفيان بالتحرك قليلًا للأمام ليفسح لرسول الله مكانًا خلفه فلما ركب الرسول أعاد أبو سفيان وخز الدابة كى تتحرك فأبت أن تقوم من مكانها أو تتحرك ولو حتى شبرًا واحدًا فكرر المحاولة عدة مرات إلا أنها جميعًا باءت بالفشل الذريع، نظر أبو سفيان للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فإذا به يبتسم فسأله عن سبب تبسمه والذى كان من الواضح أن له علاقة برفض الدابة أن تتحرك فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: هى لن تتحرك لأنك قد وضعتنى خلفك، فانتبه الرجل لخطئه ثم ترجل من على ظهرها معتذرًا لرسول الله الذى تقدم للأمام وجلس أبو سفيان خلفه لتنطلق الدابة من فورها لتكمل طريقها بالركب، سبحان من قذف فى قلب هذه الناقة أن الرسول هو الذى من المفروض أن يكون دائمًا فى المقدمة حتى تسير الأمور فى نصابها الصحيح، بينما كثير من المسلمين إلا من رحم ربى لا يدركون حتى الآن تلك الحقيقة فجعلوا سنته صلى الله عليه وسلم دائمًا خلفهم وليست أمامهم ثم نندهش كلنا ونتساءل لماذا تتعثر حياتنا ولماذا لا نتقدم خطوة للأمام. لقد كشفت لنا سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كل ما كان يفعله من لحظة استيقاظه من النوم وحتى يخلد إليه مرة أخرى لدرجة أننا عرفنا من السيرة حتى كيفية مداعبته ومزاحه مع زوجاته أمهات المؤمنين، كيف كان يأكل ويشرب وكيف يدخل الخلاء وكيف يخرج منه - كيف يرتدى ملابسه - كيف يتعامل مع الناس مع الجماد ومع الحيوانات، فيما كان يفكر وماذا كان همه فى حله وفى ترحاله وفى كل لحظة من لحظات حياته. أتذكر أيام الدراسة عندما كنا ندرس نظرية جديدة فى الحساب مثلًا كنا نجد فى الكتاب نموذجًا محلولًا لتلك النظرية، ومع فارق التشبيه فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو النموذج المحلول الذى أراد الله عز وجل لنا أن نتأسى به فى كل تفاصيل حياته، حيث لن ندخل الجنة إلا من خلفه مهتدين بسيرته ومقتدين بهديه، لقد انهالت البركة على بيت حليمة السعدية التى احتضنت الرسول صلى الله عليه وسلم رضيعًا يتيمًا فتحول كل شيء فى البيت من الفقر والعوز إلى الرخاء والنماء، حتى الضرع الذى جف فى البهائم من شدة الجوع عاد ليمتلئ من جديد ببركة الطفل ووجود ذلك الرضيع، وإذا كنا نشكو الآن من الظروف الاقتصادية الصعبة فيستطيع كل منا أن يقضى على تلك الظروف بأن تجد لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانًا فى حياتك، يجب أن نطبق سنته وننشغل بما كان يشغله، مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد ذكرى نتحدث عنها كل شهر ربيع أول بل هى نموذج حياة يجب ممارستها فى كل ثانية حتى نعيش فى الدنيا دائمًا بخير وسلام ونفوز في الآخرة برضوان الله سبحانه وتعالى ونكون ممن يرافقون النبى العدنان في أعالى الجنان. والخلاصة أنه إذا كانت حلاوة المولد حلوة فالأحلى منها حلاوة طعم سُنة صاحب المولد بأن يكون حاضرًا دائمًا فى حياتك لا يغيب.