تُشَكِّل تجربة جماعة الإخوان المسلمين في علاقتها بالمواطنة والأقباط، أحد أبرز الأدلة على أزمة الجماعة الفكرية والتنظيمية منذ نشأتها وحتى سقوط حكمها عام 2013.. فمنذ تأسيسها على يد حسن البنا، قامت الفكرة الإخوانية على احتكار فهم الدين وتقديم نفسها باعتبارها الممثل الشرعى الوحيد للإسلام، وهو ما انعكس على نظرتها للآخر، سواء كان مختلفًا فكريًا أو عقائديًا.. ورغم محاولات الإخوان المتكررة لتجميل صورتهم عبر شعارات براقة وخطاب علنى يتحدث عن التسامح والمواطنة، إلا أن الممارسة العملية للجماعة، كشفت الوجه الحقيقى لفكرها، حيث اتسم تعاملها مع الأقباط بالازدواجية: رسائل ودية شكلية من جهة، يقابلها خطاب تعبوى داخلى يزرع الشك والكراهية من جهة أخرى، ولم يكن ذلك مجرد انطباع، بل تأكد من خلال وقائع عديدة، مثل الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية، وحرق عشرات الكنائس بعد عزل محمد مرسى.. وقد ارتبط مشروع الجماعة السياسي بفكرة «الأممية الإسلامية»، رافضًا مبدأ الدولة الوطنية الحديثة وقيم المواطنة المتساوية، وهو ما جعلها دائمًا في حالة صدام مع مكونات المجتمع المصري، هذه الممارسات والاختيارات الأيديولوجية، أثبتت أن أزمة الإخوان مع الأقباط لم تكن حالة استثنائية، بل جزء من أزمة أعمق مع فكرة التنوع وقبول الآخر. ◄ ازدواجية الخطاب الإخواني تسامح مُعلن وكراهية مُستترة ◄ يمتلكون عقلية احتكار الحقيقة وينظرون للآخرين نظرة دونية ◄ الاعتداء على الكاتدرائية وحرق الكنائس دليل على أزمتهم مع الآخر فى البداية، أكد الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إسلام الكتاتني، أن جماعة الإخوان المسلمين، قامت منذ نشأتها على فكرة احتكار فهم الدين، معتبرة أنها الجهة الوحيدة التى تملك «الفهم الصحيح» للإسلام، ليس فقط فى الجانب الديني، بل في السياسة وسائر شئون الحياة. وأوضح الكتاتنى، أن هذه العقلية انعكست على نظرة الجماعة للآخرين، مشيرًا إلى أنهم حتى مع الجماعات الإسلامية الأخرى كانوا يتعاملون باستعلاء، معتبرين أن تلك الجماعات «لا تفهم الإسلام كما يفهمه الإخوان»، وهو ما رَسَّخ لديهم نظرة دونية تجاه المختلف. وأضاف: «إذا كان الإخوان ينظرون للمسلم الملتزم من خارجهم نظرة استعلاء، ويُكَفِّرون غير المتدين، فكيف ستكون نظرتهم لغير المسلمين؟ طبيعى أن تكون النظرة أكثر سلبية وعدائية». وأشار الكتاتنى، إلى أن تعامل الإخوان مع الأقباط كان يتسم بالازدواجية والتمثيل السياسى، لافتًا إلى أن الجماعة حاولت دائمًا الظهور بمظهر المعتدل المتسامح أمام الرأى العام، لتجنب اتهامات التطرف، فكانوا يتعمدون إرسال رسائل ودية شكلية للأقباط، مثل تعيين رفيق حبيب نائبًا لرئيس حزب الحرية والعدالة، أو حضور قُداسات عيد الميلاد، لكنه شدد على أن هذه المظاهر لم تكن تعكس موقفًا حقيقيًا أو قناعة فكرية. ◄ اقرأ أيضًا | بريطانيا.. القصة الكاملة لاحتضان وتبنى الجماعات الإرهابية المتطرفة !! وتابع: «تجلى الموقف الحقيقى للجماعة عندما وصلوا للسلطة، فعلى سبيل المثال، لم يقدم الرئيس الأسبق محمد مرسى، التهنئة بعيد القيامة، على الرغم من أنه كان يفعل ذلك قبل توليه الحكم، مما كشف أن الأمر لم يكن سوى مناورة سياسية». واستطرد الكتاتني قائلًا: «الأحداث التى تلت وصولهم للحكم، مثل الاعتداءات على الكاتدرائية أو حرق عشرات الكنائس بعد عام 2013، فضحت الوجه الحقيقى للجماعة، وأكدت أن خطابها عن المواطنة كان مجرد غطاء لخطاب تعبوى داخلى يربي أتباعها على الكراهية وعدم الثقة فى الأقباط». وشَدَّد الباحث، على أن ما كشفته التجربة العملية للإخوان، هو «حقيقة الخداع والمتاجرة بالدين من أجل الوصول إلى السلطة، عبر دغدغة مشاعر الناس بالشعارات الدينية»، مؤكدًا أن الإسلام الصحيح بريء من هذه الممارسات، بل يأمر بالبر والإحسان إلى شركاء الوطن. ◄ مشروع إقصائي قال أحمد بان، الباحث المتخصص فى شئون جماعات الإسلام السياسي، إن مشروع جماعة الإخوان المسلمين السياسى منذ تأسيسها، قام على فكرة «الأممية الإسلامية»، ولم يعطِ اعتبارًا حقيقيًا لمفهوم الدولة الوطنية أو لمكونات المجتمع المختلفة. وأوضح بان، أن هذا التوجه كان حاضرًا بوضوح فى الوثائق الفكرية للجماعة، ومنها ما صدر فى ميدان رابعة، حيث جرى التأكيد بشكل صريح على الانتماء الأممى للجماعة ورفض الدولة المدنية الحديثة، وأضاف: «الإخوان تبنوا رؤية تُعادى بشكل مباشر فكرة المواطنة التى تقوم على المساواة الكاملة بين المواطنين بصرف النظر عن الدين أو اللون أو الجنس، وهو ما جعل مشروعهم بطبيعته مشروعًا إقصائيًا»، مؤكدًا أن هذه الرؤية لا تقتصر على الأقباط أو أصحاب الديانات الأخرى، بل تمتد إلى أى تيار أو مكوّن لا يتبنى التصور الإخوانى للدولة والمجتمع. وأشار الباحث، إلى أن الجماعة مارست على مدار عقود طويلة ما يمكن وصفه ب»التقية السياسية» فى تعاملها مع الأقباط، فكانت تحرص على إرسال رسائل ظاهرها المودة والاعتدال، بينما تخفى موقفًا أيديولوجيًا مغايرًا، واستشهد بتعيين شخصية قبطية - وهو الدكتور رفيق حبيب - نائبًا لرئيس حزب الحرية والعدالة، كخطوة دعائية لتجميل صورتها أمام الرأى العام، رغم أن تصريحات بعض قادتها أوضحت عكس ذلك. وأضاف بان: «مصطفى مشهور، أحد أبرز مرشدى الجماعة، تحدث بوضوح فى وقت سابق عن فرض الجزية على الأقباط إذا قامت دولة يحكمها الإخوان، ورغم تراجعه لاحقًا تحت الضغوط، فإن مثل هذه التصريحات تكشف عن الجوهر الفكرى الحقيقى للجماعة»، مشددًا على أن هذه المواقف لم تكن زلة لسان، بل تعبير عن قناعة راسخة داخل صفوفها. وتناول الباحث، أحداث العنف التى شهدتها مصر بعد سقوط حكم الجماعة عام 2013، مؤكدًا أن الاعتداءات على الكنائس وحرق العشرات منها لم تكن مُوجهة للأقباط وحدهم، بل كانت انعكاسًا لحالة عداء مع المجتمع بأكمله، وقال: «الجماعة حين خرجت من الحكم نصبت العداء للجميع، مسلمين وأقباطًا، وأظهرت أن مشروعها يقوم على فرض رؤيتها بالقوة، لا على المشاركة الوطنية أو احترام التعددية»، لافتًا إلى أن أحداث العنف الطائفى مثل ما جرى فى الزاوية الحمراء قبل ذلك، كانت إشارات مبكرة لطبيعة هذا الفكر. وأكد بان، أن سقوط الجماعة كان نتيجة طبيعية لافتقادها الإيمان بالدولة الوطنية، وسعيها لفرض مشروع أممى إقصائى يتعارض مع قيم المواطنة، واختتم تصريحاته قائلًا: «الإخوان لم يسقطوا فقط فى اختبار الديمقراطية، بل سقطوا أخلاقيًا وفكريًا لأنهم لم يروا فى الوطن سوى وسيلة لتمكين مشروعهم، فكان سقوطهم حتميًا». ◄ أعداء الوحدة الوطنية أكد صبرة القاسمي، مؤسس الجبهة الوسطية لمكافحة التطرف، أن الوحدة الوطنية، صمام الأمان الحقيقى لأى بلد، وهى القلعة التى تتحطم أمامها كل محاولات التخريب من الداخل أو الخارج، مشددًا على أن جماعة الإخوان كانت ولاتزال العدو الأبرز لهذه الوحدة فى مصر. وأوضح القاسمى، أن الدولة المصرية الحديثة تأسست على مبدأ المواطنة، الذى يساوى بين جميع أبنائها، مسلمين وأقباطًا، معتبرًا أن جماعة الإخوان سعت دائمًا لضرب هذا المبدأ، مستخدمةً الطائفية كسلاح أساسي فى مشروعها، وقال: «إقصاء الإخوان للأقباط لم يكن حادثًا عابرًا، بل عقيدة مترسخة فى فكر الجماعة القائم على مُعاداة الآخر وإقصائه من المشهد الوطني». وأضاف أن أزمات ما بعد 2011، كشفت بوضوح الوجه الحقيقى للجماعة، التى استغلت حالة الفوضى لإشعال الانقسام المجتمعي، مُستشهدًا بأحداث الزاوية الحمراء وغيرها من المحطات التى أبرزت استعداد الإخوان للتضحية بأمن الوطن ومواطنيه من أجل أجندتهم الأيديولوجية. وأشار القاسمى، إلى أن خطاب الإخوان المعلن كان يتحدث عن السلمية، بينما جاءت ممارساتهم على الأرض، مليئة بالعنف والتخريب، معتبرًا أن هذا التناقض يمثل أحد «أسلحة الظل» التى اعتمدت عليها الجماعة، سواء من خلال إثارة الانقسام الطائفي، أو عبر السيطرة على وسائل الإعلام لنشر الشائعات وزعزعة الاستقرار. وتابع: «الإخوان أرادوا تفتيت المجتمع المصري، لكن الوطن كان له حارس»، موضحًا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أدرك فى لحظة فارقة، أن المعركة الحقيقية معركة الوعي والحفاظ على الوحدة الوطنية، فتَصدَّى بكل قوة لمحاولات هدم الدولة، وقاد مصر نحو الاستقرار والتنمية. وأكد القاسمى، أن دور الرئيس السيسى، تجاوز دور القائد السياسي، ليصبح دور الأب الذى لَمَّ شمل العائلة المصرية، وأعاد بناء جسور الثقة التى حاولت الجماعة هدمها، وقال: «الرئيس السيسي، أعاد التأكيد أن مصر لكل المصريين، وأنه لا فرق بين مسلم ومسيحي، وأن الوحدة الوطنية خط أحمر لا يمكن تجاوزه». ◄ ازدواجية الخطاب من جانبه، أكد منير أديب، الباحث المتخصص فى شئون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن جماعة الإخوان المسلمين تعانى من أزمة حقيقية مع «الآخر»، سواء كان مختلفًا معهم فكريًا أو عقائديًا، مشددًا على أن هذه الأزمة تكشف جوهر فكر التنظيم الذى يقوم على رفض المختلف وإقصائه. وأوضح أديب، أن الإخوان كانوا يرفعون شعارات ظاهرها المودة تجاه الأقباط، من قبيل «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، فى إشارة إلى إيمانهم المزعوم بالمواطنة وحقوق المصريين على اختلاف دياناتهم، لكنه أضاف: «عندما وصل الإخوان إلى سُدة الحكم، ظهر العكس تمامًا، فقد شهدنا الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية، وهو ما شَكَّل صدمة كبيرة، وأكد وجود أزمة حقيقية بينهم وبين الأقباط»، معتبرًا أن هذه الأزمة ليست عابرة، بل جزء أصيل من عقيدة الجماعة. وأشار أديب، إلى أن الجماعة اعتادت تقديم خطاب مزدوج، قائلًا: «خطابهم العلنى يبدو مرحبًا، بينما ممارساتهم على الأرض تختلف جذريًا، على سبيل المثال، بعد الاعتداء على الكاتدرائية، أصدروا بيانًا بالإنجليزية يرحب بالأقباط ويظهر صورة متسامحة، بينما نشروا فى الوقت نفسه بيانًا بالعربية على موقع (إخوان أونلاين) يكشف عداءً واضحًا، وهو ما يُبرهن على ازدواجية الخطاب واستخدام لغة للخارج وأخرى للداخل»، لافتًا إلى أن البيان الأخير كان بتوقيع مدحت الحداد، مستشار محمد مرسى للشئون الخارجية. وأضاف أن أحداث ما بعد عام 2011، شهدت تصاعدًا كبيرًا فى الأزمات الطائفية بسبب ممارسات الإخوان، مشيرًا إلى أنهم غَذّوا خطاب الكراهية ضد المختلفين، ودفعوا بتيارات متطرفة أخرى لاتخاذ مواقف أكثر عدائية تجاه الأقباط، مما ساهم فى حالة الاحتقان المجتمعي. وشَدَّد على أن أزمة الإخوان فى جوهرها تتعلق بعدم قبولهم للتعددية، قائلًا: «التنظيم لا يقبل المختلف فكريًا داخل الصف الإسلامى نفسه، فما بالك بالمختلف دينيًا؟ طبيعى أن تكون الأزمة أعمق وأكثر خطورة، مؤكدًا أن تجربة الإخوان فى الحكم وما تلاها من أحداث، كشفت بوضوح تناقض خطابهم مع ممارساتهم، مشيرًا إلى أن هذه الازدواجية فى التعامل مع الأقباط، دليل قاطع على أن الجماعة كانت دائمًا تُخفى حقيقتها خلف ستار من الشعارات الدينية.