قدمت الترويكا الأوروبية "فرنسا وبريطانيا وألمانيا" طلبا لمجلس الأمن الدولي لتفعيل آلية الزناد "سناب باك" ضد إيران، وهي العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران منذ سنة 2006 وحتى 2015، وتم رفعها عن إيران بعد توقيع الاتفاق النووي مع القوى الغربية في 2015 والذي انسحب منه ترامب في 2018. أزمة سلاح حزب الله.. كرة لهب تربك الساحة السياسية في لبنان ولفظ "آلية الزناد" تشبيه للضغط على زناد السلاح الذي لا يمكن التراجع بعد الضغط عليه، أما العقوبات الحالية المفروضة على إيران فهي عقوبات أمريكية أوروبية بعيدة عن مظلة الأممالمتحدة، وبالتالي فإن آلية الزناد هي عقوبات أممية ستفرض على دول العالم تنفيذها حال إقرارها. الاتفاق النووي 2015 في عهد أوباما تضمن بندا خطيرا لطالما أنكره مهندس الاتفاق النووي والرجل الأبرز في الدبلوماسية الإيرانية جواد ظريف، وهو البند الذي يتيح للقوى الغربية إعادة تفعيل العقوبات الأممية المفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق في حالة عدم التزام إيران بالاتفاق النووي والوفاء بالتزاماتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي سنة 2018 ردت إيران برفع مستوى تخصيب اليورانيوم من 3.67% وهو أدنى مستوى سلمي للتخصيب إلى نسبة 60% وهو مستوى يقترب من 90% اللازم لصناعة سلاح نووي، ولم تستطع إيران تقديم مبررات قوية للمجتمع الدولي حول هذه النسبة المرتفعة للتخصيب. وعندما عاد ترامب للسلطة في مطلع العام الجاري تم استئناف المفاوضات لتوقيع اتفاق نووي جديد مع إيران، لكن تفاجأت طهران بقصف إسرائيلي أمريكي واغتيال لعلمائها النوويين وقادتها العسكريين في 13 يونيو الماضي، لتدخل المفاوضات النووية في حالة جمود بعد طلب إيران ضمانات أمنية وتعويضات مالية وإدانة للقصف الإسرائيلي. وإزاء الرد الإيراني على مطالب الغرب، طالبت الترويكا الأوروبية بإعادة فرض العقوبات على إيران، لكن روسيا والصين تقدمتا بطلب لمد الاتفاق النووي الذي ينتهي في 19 أكتوبر 2025؛ لمدة ستة أشهر إضافية حتى يتم التوصل لاتفاق جديد ولا يتم تجديد العقوبات على إيران. لكن يبقى السؤال.. ما عواقب تفعيل آلية الزناد على إيران؟ وما هو ردها المتوقع؟ تفعيل آلية الزناد على إيران يكون بشكل فوري ودون تصويت جديد من مجلس الأمن، ويضع إيران تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، والذي يبدأ بفرض عقوبات اقتصادية عليها وإخراج إيران من النظام المالي العالمي، وقطع الدول لعلاقاتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية معها، وتحقيق عزلة إيران الدولية، وصولا إلى عمل عسكري مشترك تحت مظلة الأممالمتحدة، لكن كل هذه الإجراءات عند اتخاذها تحتاج إلى تصويت من مجلس الأمن؛ ما يمنح أصدقاء إيران وهما روسيا والصين دورا أكبر في إجهاض هذه العقوبات بحق الفيتو، كما أن تشكيل اللجان المعنية بتطبيق العقوبات يمكن لروسيا والصين الاعتراض على تشكيلها ومهامها بحق النقض "الفيتو" وهو ما توافقت عليه طهران وموسكو وبكين خلال الأيام الأخيرة. أما رغبة روسيا والصين بتأجيل تطبيق العقوبات لمدة ستة أشهر إضافية حتى يتم التوصل لاتفاق نووي؛ فإن الأوساط السياسية والشعبية في إيران قد ضاقت ذرعا من تلويح وتهديد الغرب بورقة العقوبات، ويتذكرون المثل المصري "وقوع البلاء ولا انتظاره" خاصة أنهم تأقلموا مع العقوبات الاقتصادية، واكتسبت حكوماتهم مهارة في التهرب وتجاوز هذه العقوبات وخلق قنوات مالية وتجارية بديلة لبيع النفط الإيراني عبر ما يُعرف بأسطول الظل الإيراني. العقوبات الأممية إذا ما تم تطبيقها لن تؤثر كثيرا على إيران التي اعتادت على العقوبات طوال 40 عاما، بل استطاعت التكيف معها، لكن هذه العقوبات ستكون تأثيرها خطيرا على الملف النووي إذ قد تنسحب طهران من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، خاصة أن هذه الاتفاقية لم تحقق لها أي مزايا ولم تحمي منشآتها النووية من القصف كما نصت الاتفاقية، وقد تلجأ إيران إلى أسلوب كوريا الشمالية في الانسحاب من هذه الاتفاقية وطرد المفتشين الدوليين ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 90% وإجراء تفجير نووي تعلن من خلاله دخولها نادي الكبار - أي تصبح قوة نووية - وهو حدث سيكون له ما بعده من تداعيات على المنطقة بأثرها وتوازنات القوة فيها. ما يغيب عن عقول الأوروبيين أن تفعيل العقوبات الأممية على إيران سيفقدهم ورقة ضغط مهمة كانوا يلوحون بها دائما في وجه إيران، وبالتالي سيفقدون أي تأثير سياسي في الملف النووي الإيراني وسيخرجون أنفسهم من دائرة التفاوض خاصة مع رغبة "ترامب" إقصائهم من أي اتفاق نووي أو أي مكاسب اقتصادية مع إيران. المشهد الإقليمي يتجه أكثر للتصعيد مع محاصرة إيران في النظام الدولي، وبالعقوبات الاقتصادية الخانقة، وضرب حلفاءها في اليمن ولبنان وغزة، إلى جانب التلويح بجولة جديدة من المواجهة مع إسرائيل ستكون أكثر تدميرا على كلا البلدين.. لكن إذا استطاع النظام الإيراني النجاة من هذه الضغوطات ستكون شهادة ميلاد جديدة له تتجدد فيها الشرعية بالداخل ويقوى النفوذ بالخارج ويُعاد بناء الحلفاء في لبنان وغزة واليمن وتصير إيران أقوى من ذي قبل واكتساب سمعة كبيرة في العالم الإسلامي.