لطالما كان الشرق الأوسط محور السياسة الخارجية الأمريكية؛ إذ شكّل النفط وطرق التجارة، وقبل كل شيء التحالف الأمريكي - الإسرائيلي أساس استراتيجيات واشنطن على مدى عقود. لكن اليوم، بينما تتضور غزة جوعًا تحت الحصار، ويُرسم جنوبلبنان كمختبر اقتصادى تجريبي، يتصاعد السؤال: ما الذي تريده الولاياتالمتحدة حقًا من المنطقة؟ ◄ تفاصيل الخطة الأمريكية لإضعاف حزب الله ◄ 83 % من ضحايا غزة مدنيون.. والتقارير تفضح وحشية الاحتلال ◄ ترامب يبارك إعادة احتلال غزة: «الخيار الأكثر أمانًا للفلسطينيين»! ◄ «جوتيريش»: المجاعة فى القطاع كارثة من صنع الإنسان التناقض صارخ.. صمت أمريكى إزاء دمار غزة، رغم اعتراف الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأن أغلب الضحايا مدنيون، وفي الوقت نفسه ضغط أمريكي على إسرائيل لتقليص عملياتها العسكرية فى لبنان لصالح "الاستقرار الاقتصادي". هنا تنكشف المصالح الأمريكية: دعم ثابت لأمن إسرائيل، واهتمام إنسانى انتقائي، واستخدام مدروس للأدوات الاقتصادية لإدارة الصراعات لا لحلها. ■ قصف إسرائيلي مستمر على القطاع ◄ إبادة متعمدة لم تعد الكارثة الإنسانية فى غزة حبيسة التقارير أو صور الأقمار الصناعية، بل أُعلنت رسميًا. ففي 22 أغسطس 2025 أكدت الأممالمتحدة وقوع المجاعة فى غزة، وهو أول إعلان من نوعه في المنطقة منذ عقود، وفقًا ل"الجارديان". وذكرت تقارير المنظمات الدولية أن أكثر من نصف مليون شخص "عالقون فى المجاعة"، فيما أفادت وزارة الصحة فى غزة بوفاة 281 فلسطينيًا بسبب الجوع والأمراض، بينهم 114 طفلًا. هذه المجاعة ليست كارثة طبيعية، بل كما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش: "كارثة من صنع الإنسان". الحصار الإسرائيلى والقيود على المساعدات خنقا خطوط الإمداد. شهود عيان أكدوا أن الفلسطينيين يتعرضون لإطلاق النار أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع الغذاء، حيث قُتل أربعة أشخاص الأسبوع الماضى فقط قرب مدينة غزة. وبحسب تسريبات من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فإن 83% من قتلى غزة مدنيون، ما يفنّد رواية إسرائيل حول "الضربات الدقيقة" ويؤكد أن الحرب استهدفت المدنيين عمدًا. ماذا كان رد الولاياتالمتحدة؟ إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، كسابقاتها، كررت أن لإسرائيل "الحق فى الدفاع عن نفسها"، مع تقديم الدعم العسكرى والغطاء الدبلوماسي. بل أعلن ترامب أن قرار إعادة احتلال غزة "يعود لإسرائيل إلى حد كبير"، معتبرًا أن هذه الخطوة قد تكون "الخيار الأكثر أمانًا" للفلسطينيين، وفقًا ل"ناشيونال نيوز". واشنطن لم تكتفِ بالصمت على المجاعة وغياب الضغط لإنهاء الحصار، بل تعاملت مع غزة ك"مشروع إعادة إعمار" مؤجل، لا كحالة طوارئ إنسانية. ووفقًا ل"فورين بوليسي"، فإن الولاياتالمتحدة تتسامح مع تدمير غزة اليوم لتضع نفسها فى موقع صانع مستقبلها غدًا. ■ طفل يعاني من سوء تغذية حاد ◄ اقرأ أيضًا | أمجد الشوا: النظام الصحي في غزة منهار.. و82% من المنشآت خارج الخدمة ◄ لبنان والمنطقة الاقتصادية في المقابل، يخضع لبنان لتجربة أمريكية أخرى: "منطقة ترامب الاقتصادية" المقترحة على طول الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، باعتبارها أداة للاستقرار. المشروع، بحسب موقع "أكسيوس"، يهدف إلى جذب الاستثمارات وبناء البنية التحتية لإضعاف حزب الله، عبر إقناع إسرائيل بتقليص العمليات العسكرية لصالح إدماج المنطقة فى مبادرة اقتصادية - سياسية أوسع. واشنطن تراهن على "الواقعية الاقتصادية" باعتبار أن الرخاء قد يُضعف التشدد ويجعل التطبيع مع إسرائيل ممكنًا. وبحسب "War on the Rocks"، فإن المشروع جزء من رؤية أشمل تمتد إلى الضفة وغزة، لإعادة صياغة النزاعات بالاستثمار بدلًا من التسويات السياسية. ■ أنطونيو جوتيريش ◄ أولويات واشنطن لماذا تضغط الولاياتالمتحدة على إسرائيل فى لبنان ولا تفعل الأمر ذاته فى غزة؟ الإجابة تكمن فى سلم الأولويات: فحزب الله تهديد، لكنه ليس وجوديًا لإسرائيل. الضغط فى لبنان يقلل خطر الحرب الإقليمية ويحافظ على استقرار أسواق النفط ويجنب مواجهة مباشرة مع إيران. أما فى غزة، فتمنح واشنطن إسرائيل حرية شبه مطلقة لمواصلة عملياتها. ◄ المصالح الاقتصادية استراتيجية "المنطقة الاقتصادية" فى لبنان تعكس مصالح واشنطن فى تأمين طرق التجارة والحد من النفوذ الإيراني. أما غزة فتصوَّر كمشروع اقتصادى لا كأزمة إنسانية. خطة ترامب لتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" - المعلنة مطلع 2025 - تسعى لجعل الولاياتالمتحدة صاحبة اليد العليا فى إدارتها وإعمارها بما يخدم إسرائيل. وهكذا يظهر التباين: الضغط فى لبنان لحماية التجربة الاقتصادية، والصمت فى غزة رغم المجاعة والإبادة. النتيجة أن المبادئ الإنسانية تظل ثانوية أمام الحسابات الجيوسياسية.