(إسرائيل ستنتهى، عندما يتوقف الدعم غير المحدود من أمريكا، وعندما تتخلى دول العالم عن خذلانها للشعب الفلسطينى)، كانت هذه إجابة المفكر العظيم الدكتور عبد الوهاب المسيرى، صاحب أحد المؤلفات الأهم فى القرن الماضى، موسوعة اليهودية والصهيونية، والتى عكف عليها ربع قرن. تذكرت تلك الحقيقة، عندما تابعت تطورات المشهد السياسى على المستوى الدولى والإقليمى، على خلفية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، خلال الأيام القليلة الماضية، والتى تؤكد من جديد، أنه لا أمل فى توقفه مع استمرار نتنياهو وحكومته فى مخططاته، على الصعيد العسكرى باحتلال غزة، أو فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، والإعلان عن القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، وقد تعددت تلك المشاهد وهى كالتالى: أولًا: فى يوليو من العام الماضى، نفى المرصد العالمى للجوع، التابع للأمم المتحدة أن تكون هناك مجاعة فى غزة، وقال إنه وجد تناقضات وتباينات فى تقارير المنظمات التى تتحدث عنها، وكما هو متوقع، هللت إسرائيل، ووجدتها فرصة سانحة وأداة للدفاع عن مواقفها، التى كانت تنفى وجودها، دون أن تعى أن الأمر يخضع لمقاييس يلتزم بها، ونفس المرصد والذى يتشكل من مبادرة تتشارك فيها 21 منظمة إغاثة ووكالات أممية دولية إقليمية بتمويل من الاتحاد الأوروبى وألمانيا وبريطانيا وكندا، تقرير آخر بعد أكثر من عام، مخالف تمامًا، على ضوء التطورات والحصار المفروض على القطاع منذ أشهر، كشف فيها على أوضاع مأساوية، ودخول القطاع دائرة المجاعة، والتى تتحقق عندما يعانى 20 بالمائة من السكان من نقص حاد، وطفل من كل ثلاثة أطفال من سوء تغذية حاد، ويموت شخصان من بين عشرة آلاف يوميًا، بسبب الجوع أو سوء التغذية أو المرض، والأرقام التى كشف عنها المرصد، تقول ربع سكان القطاع يعانون من المجاعة، ومن المقرر أن يرتفع العدد من 514 ألفًا إلى 641 ألفًا. لم يكن الموقف الإسرائيلى من التقرير مفاجئًا لأحد، فلم يغادر مربع ومرحلة المكابرة والنفى، واستخدام الاتهامات سابقة التجهيز بالمغالطة والأكاذيب والاعتماد على بيانات حماس وزاد عليها نتنياهو باتهام المقاومة بسرقة المساعدات، ومنعها عن سكان القطاع وقال بتبجح :(المحتجزون الإسرائيليون هم فقط من يعانون)، ومع غياب أى رد فعل أمريكى من البيت الأبيض أو الخارجية، خرج السفير الأمريكى فى تل أبيب مايك هاكابى، باتهام الأممالمتحدة بالفساد وعدم كفاءتها لكيفية التعامل مع غزة. وبعد التقرير، هل تغيرت الأمور؟ هل تبدلت الأحوال؟ هل فتحت إسرائيل كل المنافذ الخمسة مع غزة؟، هل وجدت من يضغط عليها لتغيير موقفها؟، الإجابة للأسف (لا) كبيرة. ثانيًا: تطور آخر شهدته الأيام الماضية، حيث أصدر وزراء خارجية الدول الأوروبية وبريطانيا وأستراليا، بيانًا للتنديد بخطط إسرائيل ببناء المستوطنات، واعتبروها غير مقبولة، وينتهك القانون الدولى، كما وصل إلى هولندا، التى كشفت عن وجود تباين داخلى كبير فى التعاطى مع الأزمة، رغم الاحتفاء عربيًا وفلسطينيًا، بقرار استقالة تسعة وزراء فى الحكومة الهولندية، فى مقدمتهم وزير الخارجية كاسبار فيلد كامب والذى سبق له أن عمل سفيرًا لبلاده فى إسرائيل، وكلهم ينتمون إلى حزب العقد الاجتماعى، على خلفية عرقلة اتخاذ إجراءات إضافية لمعاقبة إسرائيل، ومنها منع دخول سيموتريش وبن غفير إلى البلاد ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية القادمة من الضفة، الاستقالات مهمة كخطوة رمزية، ولكنها للأسف تغافلنا عن حقيقة أنها تمثل موقف حزب، دون أن نرصد وجود تباين واضح داخل المجتمع الهولندى فقد صوت البرلمان ضد مشروع قرار بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفرض عقوبات على إسرائيل. ثالثًا: ومن بين أحداث الأسبوع، البيان الصادر عن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى مع أستراليا وبريطانيا، الذى ندد بمخطط إسرائيل الاستيطانى الجديد، واعتبروه غير مقبول، وينتهك القانون الدولى، وبعدها وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامى، التى رفضت تصريحات نتنياهو غير المسئولة حول رؤية إسرائيل الكبري، ورفض خطة سيطرتها على غزة، ولكن السؤال على حاله، هل تغير فى الأمر شيء؟ التصريحات والمواقف التى خرجت من تل أبيب تقول إنها ماضية فى طريقها، دون أن تعبأ بأحد. حقيقة الأمر، أن إسرائيل تعتمد كلية على الدعم الأمريكى، وهو القادر فقط على تغيير مسار الأحداث فى المنطقة، وعلينا ألا ننسى أن ترامب هو من أمر نيتنياهو بعودة طائرته الحربية، وهى فى طريقها لمهاجمة إيران، وكان له ما أراد، بل أعلن عن وقف العمليات فى حرب ال 13 يومًا، دون تشاور معه، جاء تعليقه على قصف مستشفى ناصر، وقتل الصحفيين، والمأساة الإنسانية فى القطاع لا تتناسب مع خطورة ما يجرى، وركز على وجود أقل من 20 أسيرًا ووعد بإخراجهم، وقطع وزير خارجيته ماركو روبيو الطريق أمام استثمار تقرير المرصد العالمى للجوع، أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتعزيز الدعوى المقامة ضدها، وأعلن قراره بفرض عقوبات على أربع من قضاتها، باعتبارهم تهديدًا للأمن القومى الأمريكى والإسرائيلى، واتهمهم بأنهم يشنون حربًا قانونية ضد أمريكا وحلفائها. هذه هى الحقيقة الوحيدة التى يجب أن نتعامل معها، والسؤال الذى يبحث عن إجابة، هل تتغير أمريكا؟، لا أظن!.