◄ الجاليات المصرية حرصت على نقله معها ليبقى «صلة وصل بالوطن» ◄ أطباء تغذية أمريكيون يوصون بالعيش البلدي كخيار صحي كونه غني بالألياف ◄ يُباع في مصر بسعر رمزي بينما في أمريكا تتراوح أسعاره بين 3 إلى 5 دولارات ل«الباكيت» الصغير ◄ تكلفة إنتاج الرغيف الواحد قد تصل إلى 70 إلى 80 قرشًا بينما يُباع للمواطن ب20 قرشًا فقط عندما تسير في أحياء وأزقة القاهرة الشعبية، تتصاعد رائحة الخبز البلدي، ولم يكن أحد يتوقع أن يخرج «الرغيف البلدي»، في رحلة غير متوقعة قطع خلالها آلاف الكيلومترات ليصل إلى نيويورك وكاليفورنيا بالولاياتالمتحدةالأمريكية. الخبز الذي ارتبط في وجدان المصريين ب«الحياة والكرامة»، أصبح اليوم حاضرًا على موائد الأمريكيين كخيار صحي فاخر، بعدما تحول من «رغيف الغلابة» المدعوم إلى منتج يباع بالدولارات. ◄ سر الصنعة الخبز المصري، لا يُعتبر مجرد طعام، فكلمة «عيش» نفسها تعني الحياة، وإذا أضفنا لها الملح فإنها تعبر عن «العشرة الطيبة». منذ عقود طويلة، يقف ملايين المصريين في طوابير المخابز، للحصول على رغيف بلدي يزن 90 جرامًا تقريبًا، مصنوع من دقيق القمح ويُخبز في أفران تقليدية تُطلق رائحته الشهية في الشوارع. سر الصنعة في رحلة «الرغيف» تبدأ من سنابل القمح، مرورًا بالمطاحن، ثم «العجانة» التي تخلط الدقيق بالماء والملح والخميرة. لكن السر الأكبر يظل في الفرن البلدي: «نار الحطب أو الغاز، الحرارة العالية، والأيدي الخبيرة» التي تعرف متى يكتمل نضج الرغيف ليخرج بوجه ذهبي وجوانب منفوخة. رغم أن سعر الرغيف في مصر لا يتجاوز 20 قرشًا في المخابز المدعمة، إلا أنه يُعامل ككنز لا غنى عنه في كل بيت. ◄ رحلة الرغيف البلدي رحلة «الرغيف البلدي» إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، قطعت آلاف الكيلومترات، حتى وصل إلى أرفف المتاجر والمطاعم الأمريكية. ففي ولايات مثل نيويورك وكاليفورنيا وتكساس، بات من الممكن أن تجد مخابز عربية ومصرية تبيع العيش البلدي تحت مسمى «Egyptian Pita Bread». الجاليات المصرية حرصت على نقله معها ليبقى «صلة وصل بالوطن»، لكنه لم يبق محصورًا داخل الجالية، بل تسلل إلى موائد أمريكيين يبحثون عن بدائل صحية للخبز الأبيض التقليدي. «البلدي يكسب».. الرغيف البلدي المصري مصنوع عادةً من دقيق القمح الكامل «الردة» وهو غني بالألياف الغذائية التي تساعد على الهضم، وتُعطي إحساس بالشبع لفترة أطول والفيتامينات خاصة فيتامين B بأنواعه «B1, B2, B3» المهم للأعصاب والطاقة والمعادن: مثل الحديد، المغنيسيوم، الفوسفور، الزنك والبروتين النباتي، الذي يجعل الرغيف ليس مجرد مصدر للطاقة، بل مساهم في تغذية متوازنة. ◄ فوائد العيش البلدي مقارنة بالخبز الأبيض «المكرر»، العيش البلدي يُعتبر أكثر فائدة وأقل ضررًا، لأنه لا يفقد قشر القمح الذي يحتوي على معظم العناصر الغذائية. لهذا السبب، كثير من خبراء التغذية في أمريكا يصنّفونه ك «خبز صحي» يناسب الحميات الغذائية خبز صحي ب«نكهة شرقية». أطباء تغذية أمريكيون بدأوا يوصون بالعيش البلدي كخيار صحي لأنه يُصنع غالبًا من القمح الكامل الغني بالألياف، ما يجعله مشبعًا وأفضل للهضم. بعض المطاعم الأمريكية أدخلته في قوائم الطعام بطرق مبتكرة مثل ساندوتشات Healthy Wraps باستخدام العيش البلدي، وبيتزا شرقية بطبقة من الخبز المصري بدل العجينة الإيطالية، شاورما وفتة تقدَّم كما في القاهرة تمامًا. ◄ شهادات المهاجرين «أحمد» صاحب مخبز مصري في بروكلين – نيويورك، يقول: «الناس بقت تيجي تطلب العيش مش بس من المصريين أو العرب.. فيه أمريكان بيحبوا طعمه وبيقولوا إنه أخف من الخبز الأبيض العادي». بينما تروي «سارة»، مهاجرة مصرية في كاليفورنيا: «أول ما ريحة العيش تخرج من الفرن، بحس إني راجعة بيتنا في مصر. الرغيف ده مش مجرد أكل.. هو حنين. اقرأ أيضا| ال5 ب120 جنيهًا.. تفاعل مع انتشار العيش البلدي المصري في متاجر أمريكا من منتج مدعم إلى «خبز فاخر» المفارقة أن الرغيف الذي يُباع في مصر بسعر رمزي لا يكاد يغطي تكاليف إنتاجه، يُباع في أمريكا بأسعار تتراوح بين 3 إلى 5 دولارات ل«الباكيت» الصغير. تحوّل العيش البلدي إلى «خبز فاخر» يقدَّم في المطاعم الراقية، بينما يظل في بلده الأم رمزًا للبقاء. هل يصبح عالميًا؟ مثلما خرجت البيتزا من إيطاليا لتغزو العالم، والبرجر من أمريكا ليصبح طعامًا عالميًا. ◄ ميزة تسويقية قد يكون للعيش البلدي فرصة ليأخذ مكانه ك«خبز شرقي عالمي». فهو يجمع بين الطعم المميز، القيمة الغذائية، وسهولة الاستخدام في وصفات متعددة. العيش البلدي يُباع في المخابز المدعومة بسعر ثابت «20 قروشًا للرغيف»، بفضل الدعم الحكومي، ما يجعله في متناول الجميع رغم ارتفاع تكاليف الإنتاج. لكن إذا نظرنا إلى قيمته الغذائية من منظور «خبز صحي» كما يُباع في أمريكا، فمن الطبيعي أن ترتفع قيمته السوقية إذا تم تسويقه كمنتج Premium «فاخر» في الأسواق الحرة. ولذلك من غير المتوقع أن يتغير سعره الشعبي بسبب ارتباطه بالدعم الحكومي. لكن في المخابز السياحية أو الحرة، يمكن أن يُطرح العيش البلدي كامل الردة أو المصنوع بطرق خاصة بسعر أعلى، خاصة مع زيادة الوعي الغذائي. أما في الخارج فإن القيمة الغذائية تُعتبر ميزة تسويقية ترفع سعر، لذلك يُباع كمنتج «Organic Whole Wheat Bread» بأسعار تتراوح بين 3 – 5 دولارات «ما يعادل 150 – 250 جنيهًا للباكيت». ◄ دعم حكومي من «رغيف الغلابة» إلى فرصة تصدير في مصر، تتحمل الدولة عبء دعم الخبز منذ عقود طويلة. تشير تقارير وزارة التموين إلى أن تكلفة إنتاج الرغيف الواحد قد تصل إلى 70 – 80 قرشًا، بينما يُباع للمواطن ب20 قرشًا فقط. هذا الدعم يكلّف الموازنة العامة عشرات المليارات من الجنيهات سنويًا، ما يجعله أحد أكبر بنود الدعم في مصر. اقرأ أيضا| تفاصيل اقتراح بيع العيش الحر بالمخابز البلدية وصرفه ببطاقات ذكية المفارقة أن هذا الرغيف نفسه الذي يُباع مدعومًا في القاهرة، يتحول في نيويورك أو كاليفورنيا إلى منتج فاخر يُباع بما يعادل 150 – 250 جنيهًا للباكيت الصغير. هنا يبرز السؤال: لماذا لا يُعاد تقديم «العيش البلدي» كمنتج قابل للتصدير بشكل رسمي، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الأطعمة الصحية و«الخبز الكامل» في العالم؟ حيث إنه لو جرى استثمار هذا التراث الغذائي في قنوات تجارية، يمكن أن يكون للعيش البلدي مستقبل كمنتج يساهم في زيادة عائدات مصر من الصادرات الغذائية كقوة ناعمة. ◄ سفير مصر الغذائي مثلما أصبحت البيتزا سفيرًا لإيطاليا، والسوشي واجهة لليابان، قد يكون للعيش البلدي دور في القوة الناعمة المصرية. فهو ليس مجرد خبز، بل رمز للثقافة المصرية، يجمع بين التاريخ والتراث والصحة. ولو أحسن تسويقه عالميًا، يمكن أن يتحول إلى «سفير مصر الغذائي» الذي يروي قصة بلد كامل من خلال رغيف صغير. الرغيف البلدي الذي بدأ رحلته من طابونة مصرية صغيرة، وصل اليوم إلى موائد أمريكية بعيدة. بينما يظل في مصر «رمز حياة»، يكتشفه الأمريكيون ك«خبز صحي فاخر». لكن في النهاية، يظل السؤال مفتوحًا: هل سيظل العيش البلدي مجرد تراث مصري في المهجر؟ أم أنه يقف على أعتاب العالمية كمنتج غذائي يحمل الهوية المصرية إلى كل بيت في العالم؟.