منذ المرة الأولى التى شاهدتُ فيها فيلم «ألعاب الجوع»، جذبتْنى قدرة صنَاعه على اقتناص الفكرة، وتحويلها إلى عمل فنى ممتع، يرصد كيفية استخدام الجوع كسلاح للسيطرة، ففى ظل رفاهية الشبّع التى نعيشها بدرجات متفاوتة، قد يغفل الكثيرون عن حروب اقتصادية تمارسها الدول الكبرى ضد فقراء العالم، بهدف إخضاع بلدانهم وسلب ثرواتها، وهو نوع من الاستعمار أقل تكلفة من الجيوش، كما أنه أكثر تحضرا على مستوى الشكل. وهى أمور لا تشغل كثيرا بال الكيان المحتل، لأنه ليس مهموما بتبييض صورته أمام عالم منحاز، فضلا عن حصوله على دعم متواصل يغطى الخسائر المادية لوحشيته. فى ظل عالمنا المجنون، تحوّلتْ ألعاب الجوع إلى حرب إبادة، وبعد تقارير متتابعة عن نقص الغذاء حصلت مجاعة غزة على اعتماد أممى، بعد الإعلان رسميا أنها أصبحت أمرا واقعا، تعامل سكان الكوكب مع الإعلان كخبرٍ روتينى، مع أن غالبيتهم يشعرون بالتوتر إذا تأخر الطعام لبعض الوقت، وقد يفقد آخرون أعصابهم، رغم أن وقت الأكل سيأتى فى النهاية ويجلسون على مائدة عامرة.. أو حتى متقشّفة. الأمر مختلف تماما لدى ملايين البشر يصومون اضطراريا فى القطاع المنكوب بالبربرية، دون أمل فى إفطار قريب، وحتى لو جاء الطعام فربما يتحول السعى له إلى موت محقق. بين الجوع المزمن والطعام المُؤجل بالإكراه، يفقد 28 طفلا فى غزة حياتهم يوميا، وتُذكرنا صورهم المتداولة بأخرى تداولناها قبل سنوات لمجاعاتٍ فى إفريقيا، غير أن ضحايا المجاعات السابقة كانوا أسعد حظا، لأن خطرا وحيدا ظل يحاصرهم حتى الموت! بينما أطفال غزة يعانون من حزمة تهديدات غادرة، مثل القصف والتدمير والإبادة، والمثير للحزن أن الحرمان من الطعام سلبهم حتى طاقة البكاء، حسبما أكد تقرير رسمي! الجوع ليس كافرا، لكن الكافر من يقود الأبرياء إليه مع سبق الإصرار والترصد. يرتكب القاتل جريمته ثم يحاول لصق التهمة بالآخرين، وإذا كان الحاضر قد فقد الشفقة فإن التاريخ لا يرحم.. لكن حُكمه سيأتى متأخرا جدا للأسف.